تقرير البنتاغون الاخير لمجلس الشيوخ الاميركي حول القوات المسلحة الصينية واجتماع وزراء اتحاد امم جنوب شرق آسيا في لاوس يشهدان على عمق الازمة التي تواجهها الدول الصغيرة والكبيرة‚ خاصة بعد قرار هذه الدول بخفض الفوائد التجارية مع الصين بسبب بناء قدراتها العسكرية بصورة مثيرة للقلق‚ لا يعرف حتى الآن كيف سيؤثر امتلاك الصين للصواريخ النووية بعيدة المدى على علاقتها مع اميركا‚ وهل سيؤدي ذلك الى مواجهة شبيهة بمواجهة اميركا - الاتحاد السوفياتي السابق والازمة الاستراتيجية التي اشعلتها التهديدات المتبادلة بالفناء؟ ام هل ستهدد الصين في المستقبل بشن حرب نووية حول تايوان‚ وتصر على طرد القوات الاميركية من منطقة غرب الباسيفيكي؟ وتشكل منطقة جنوب شرق آسيا سابقة تاريخية يجب ان تجد الاهتمام الذي تستحقه خلال بقية هذا العام خاصة وان هذه السنة «2005» تصادف الذكرى ال«600» للرحلات السبع الكبرى التي قام بها الادميرال الصيني الذائع الصيت زينغ هي إلى الجنوب والغرب والتي اعتادت الصين ان تحتفل بها داخليا وخارجيا من خلال إقامة المعارض ونشر المقالات‚ ويشير الاهتمام الخاص والتبجيل المفرط الذي تبديه القيادة الصينية الحالية تجاه النظرة الخارجية والسياسات التوسعية لسلالة مينغ الحاكمة في القرن الخامس عشر الى ان العلاقات التجارية الصينية التي امتدت اليوم الى معظم ارجاء المعمورة ما هي الا اهتداء بروح التجارة والانفتاح التي سادت ذلك العصر‚ وتحتفي الصين بذكرى زينغ هي كقائد بارز أدت رحلاته الاستكشافية ذات النوايا الحسنة الى تبادل المعارف والمنتجات حتى السواحل الشرقية لافريقيا‚ ويدعي بعض الؤرخين الصينيين بأن زينغ هي اكتشف اميركا في عام 1421‚ اي قبل وصول كولومبوس اليها بأحدى وسبعين سنة رغم ان كثيرا من المؤرخين الصينيين يتجنبون الاشارة الى هذه الادعاءات‚ ورغم ان زينغ هي رجل بارز في التاريخ الصيني‚ الا انه لم يكن «سفير سلام وصداقة» او مكتشفا او بحاراً‚ وإنما كانت حملاته حملات عسكرية «تلت حملات سلالة يوان المنغولية» مثلها مثل الحملات العسكرية التي قام بها الادميرالات الصينيون الآخرون لتنفيذ الخطط التوسعية لسلالة مينغ في القرن الخامس عشر التي احدثت تحولات جيوسياسية وديمغرافية كبيرة في هذه المنطقة‚ كذلك ادت هذه السياسة إلى توسع الاقليم الصيني باتجاه الشمال والغرب‚ اما التوسع نحو الجنوب فقد كان محفوفا بالتهديدات والمخاطر بالنظر لوجود الامبراطورية المغولية‚ وبسبب طموح الصين في الانفتاح التجاري والهيمنة السياسية بدأت في تطوير بحريتها واستخدمت ثقلها السكاني في التغلب على المغول وبسط حدودها باتجاه الجنوب‚ وعلى الارض فقد قامت بضم اقليم يونان وسيطرت جزئيا على فيتنام وتدخلت في شؤون بورما‚ اما البحر فقد استخدمته لتسيير الحملات والتدخل «لتغيير الانظمة» الصغيرة في منطقة جنوب شرق آسيا‚ أو فصل الولاءات مثل فصل ولاء كيانات سومطرة التجارية عن امبراطورية مجا باهيت في جاوه‚ \r\n \r\n وقامت قوات زينغ هي والادميرالات الصينيون الاخرون بتغيير الحكام الذين يرفضون الخضوع لهيمنة سلالة مينغ واحلال حكام موالين على امتداد هذه المنطقة حتى سري لانكا‚ إضافة إلى ذلك فقد عززت التفوق العسكري الصيني السيطرة الامبرايالية الصينية على طرق التجارة بين هذه الكيانات والصين واجبرها على دفع الجزية نظير استمرار التجارة ولقد مكنت هذه الاجراءات من إزدهار التجارة في منطقة جنوب شرق آسيا إضافة إلى طبع الذوق العام على المنتجات والصناعات الصينية واتاح للصين فرصة استيراد البصل‚ اقفاص الطيور والحبوب‚ وبدخول عصر الاساطيل البحرية‚ دفعت الصين بالتجار والمغامرين لإرساء الروابط الدائمة بين ساحل الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا لأخذ مكان للتجار العرب والهنود او قد بقيت هذه العلاقات حتى بعد فقدان الصين لمصالحها في البحار الجنوبية وبعد مجيء الاوروبيين الذين هيمنوا على ملكية الاراضي الزراعية‚ وظل الصينيون كأفراد يسيطرون على التجارة في هذه المنطقة‚ \r\n \r\n قد لا يعيد التاريخ نفسه‚ لكن الصين في عهد سلالة مينغ كانت القوة العظمى مثلها مثل الولاياتالمتحدة حالياً‚ وذلك لغياب قوة منافسة في اليابان أو الهند لكن يجب الانتباه إلى الإغراءات التجارية التي مكنت الصين من استخدام لعبة فرق تسد في منطقة جنوب شرق آسيا في تلك العصور لتكون درسا للدول الآسيوية الحالية في ظل الافتراض الصيني بتفوق الحضارة الصينية على حضارة الملايو والحضارة الهندية‚ \r\n