\r\n ويُعتبر كسب النفوذ عاملاً مهماً بكل تأكيد. ولكن هناك سبباً أقوى يكمن في حقيقة أن العمل في صحافة يسارية عرضة أكثر من غيره للتعطيل أو الإنهاء عن طريق سلطة الدولة الشركات. \r\n \r\n وويلبي ذاته، وهو صوت منشقّ بارز يتحدى غزو بوش بلير للعراق، تم فصله من وظيفته كرئيس لتحرير مجلة "ذا نيو ستيتسمان" في مايو/ أيار الماضي، وتم أيضاً عزل بييرز مورجان، رئيس تحرير صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، الذي عارض غزو العراق. وفقد اندرو جيليجان وظيفته في هيئة "بي بي سي" عندما كشف وفضح أكاذيب الحكومة البريطانية عن العراق بعد حملة دعائية واسعة النطاق دبرها كبير مستشاري بلير لشؤون الصحافة السير كامبل. وتم أيضاً نقل ريتشارد سامبروك رئيس جيليجان في العمل بهيئة "بي بي سي" عن وظيفته كمدير للأخبار. \r\n \r\n وعلى الرغم من تبرئة عدد كبير من الصحافيين المناوئين للحرب والذين يميلون لليسار من جميع التهم التي ألصقت بهم قبل وبعد غزو العراق في مارس/ آذار ،2003 إلا أنهم عُزلوا أو نُقلوا من مناصبهم. ومن جهة ثانية، فإن الصحافيين اليمينيين المؤيدين للحرب الذين ثبت أنهم كانوا مخطئين في كل ما قالوه وكتبوه مستمرون في شغل مناصبهم. \r\n \r\n ولا توفر الأقدمية والمنزلة إلا القليل من الحماية من هذا الهجوم على الانشقاق. وفي مايو/ أيار 2002 قال مذيع الأخبار البارز في شبكة "سي بي اس" دان راذر ل "البي بي سي" إن الصحافيين الأمريكيين غير مسموح لهم بكل بساطة بطرح أسئلة شائكة عن جورج بوش وحروبه. \r\n \r\n وأضاف راذر: "هناك مقارنة مريعة ولكني سأذكرها في هذا السياق. فقد مر وقت في أمريكا الجنوبية كان الناس فيه يضعون إطار سيارة تشتعل فيه النار حول عنق المنشق. ومن ناحية ما فإنك تخشى من أن يوضع إطار مشتعل حول عنقك هنا وهو ليس إطاراً حقيقياً بل إطار مجازي، حيث تشبه تهمة الافتقار للوطنية هذا الإطار المشتعل. \r\n \r\n ولكن، وفي عام ،2004 قرر راذر أن يتمرد وقدم تقريراً في برنامج "60 دقيقة" شكك في تاريخ بوش كطيار مقاتل خلال حرب فيتنام. ولفت راذر الانتباه الى تقرير لهيئة "بي بي سي" في عام 2003 يشير الى أن جورج بوش الأب رتّب خروج ولده جورج دبليو بوش من أخطار فيتنام الى الحرس الجوي في تكساس. \r\n \r\n ويعلّق الصحافي في صحيفة "الأوبزيرفر" اللندنية جريج بالاست قائلاً "إن ما توقعه راذر حدث بالفعل، إذ إن شرطة الصحافة في شبكة "سي بي اس" والبيت الأبيض أمسكت به وأشعلت الإطار حول عنقه". وانتهى الغضب بإنهاء عمل راذر في "سي بي اس". \r\n \r\n بعد عزل ويلبي من منصب رئيس تحرير مجلة "ذا نيو ستيتسمان" خلفه جون كامفنر الذي كان يشغل سابقاً منصب المحرر السياسي بالمجلة، ووصف كامفنر في الأسبوع الماضي مشاركة توني بلير في غزو العراق بأنها كانت مجرد "خطأ". وللقارئ أن يتصور ردة الفعل إذا أقدم صحافي كبير على وصف هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أو تفجيرات مارس/ آذار 2004 في مدريد بأنها "أخطاء" بدلاً من وصفها بأنها جرائم أو فظائع. وأشاد كامفنر بإنجازات بلير في تحسين الخدمات العامة وحث منتقديه على الاعتراف بأنهم يصابون بالصمم أيضاً في بعض الأحيان إزاء الحقيقة. \r\n \r\n وقد جاء ذلك التصريح من رئيس تحرير المجلة اليسارية الأولى في البلاد في وقت اتضح خلاله بجلاء أن كذب بلير وإجرامه وسفك الدماء الذي حدث بمهاجمة العراق كانت دوافع أساسية وراء تفجيرات 7 يوليو/ تموز في لندن التي أودت بحياة العشرات من سكان لندن. \r\n \r\n ونشر كامفنر مقالة أخرى في "الجارديان" خلال الأسبوع الماضي زعم فيها أن إحياء الديمقراطية في بريطانيا يتطلب تبنّي حزب المحافظين "مواقف واضحة ومتميزة بشأن الضرائب وتمويل الخدمات العامة وتوفيرها وحول دورنا كدولة قومية وعلاقاتنا مع الولاياتالمتحدة وأوروبا". \r\n \r\n وتكمن المفارقة في أن هذا التحليل السخيف يعتبر تحديداً عرضاً لمشكلة حقيقية. والحقيقة هي أن بلير بتحويله حزب العمال الى نسخة أقل رجعية قليلاً من حزب المحافظين، دمر الخيار ذا المعنى في السياسة البريطانية. ففي الوقت الذي اجتذب فيه حزب العمال الكثير من الناخبين من اليمين، إلا أن استراتيجية بلير تركت لكل شخص متطلع لمجتمع أكثر مساواة خيار التصويت إما لسياسات بلير اليمينية أو للبديل الأكثر يمينية الذي يمثله حزب المحافظين. وأدى هذا عملياً الى حرمان كثيرين من حق التصويت وأعطى نفوذاً هائلاً لمشروع بلير. \r\n \r\n وتعتبر النتائج كارثية. وعلى الجميع أن يتذكروا أن الهجمات التي تعرضت لها مدريد في العام الماضي أدت الى معارضة شعبية عارمة لحكومة أثنار. وبينما كان الشعب الاسباني يعارض غزو العراق معارضة شاملة خاض أثنار الحرب مع بوش وبلير على الرغم من الرفض الشعبي، ودفع الاسبان الثمن. وعموماً، ونظراً الى أن إسبانيا فيها معارضة سياسية يسارية حقيقية تقوي الرفض الإعلامي، نجح الغضب الشعبي في تحقيق تغيير سياسي حقيقي وانهزم حزب اثنار ونجح الحزب الاشتراكي بزعامة ثاباتيرو في الوصول الى السلطة. \r\n \r\n وبالمقابل، وفي بريطانيا، يوجد غضب أيضاً على خوض بلير حروب بوش وعلى الثمن الذي دفعته لندن بسببها. ولكن الرأي العام في بريطانيا انعزل عن النظام السياسي ولا توجد طريقة ببساطة لإحداث تغيير حقيقي. \r\n \r\n وعندما يكون الخيار في الواقع هو بين الجناحين اليساري واليميني لحزب العمال الواحد، لا يكون هناك خيار بالمرة. \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب ومحلل سياسي \r\n \r\n ومحرر مشارك لموقع "ميديا لنس" \r\n