وبالرغم من تواجد بعثة الأممالمتحدة والتزامها بإخماد فتيل الفتنة، فضلا عن دعم المجتمع الدولي لجهودها، إلا أنه مازالت هناك أعمال متفرقة للعنف ترعب السكان. وفي غالب الأحيان، شكلت الأماكن التي تجسد القيم الروحية لمجموعة عرقية أو دينية ما هدفا سهلا للتدمير والعبث بها، مع العلم بأن هذه الأماكن محببة إلى قلوب الناس لما تحمله من رموز ودلالات عن الهوية والتاريخ المشترك. وفي هذا السياق، تسببت أعمال العنف في تسوية المئات من الكنائس والمساجد والمنازل التقليدية والمميزة بالأرض أو تدمير أجزاء كبيرة منها. \r\n \r\n هذا وقد ألقت أعمال العنف تلك بظلالها الثقيلة على الخطوات الصغيرة والمهمة التي قام بها عدد من الشركاء المتفانين للمساعدة في إعمار كوسوفو وعلاج جروحها المفتوحة. وبالطبع، تعتقد منظمة الأممالمتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) أن الثقافة تشكل مكوناً حيوياً في أية عملية إعادة بناء سياسية واجتماعية، أو في أية عملية لاسترجاع العافية تعقب حرباً مدمرة. وينطبق ذلك، بوجه خاص، على منطقة مثل كوسوفو الحبلى بالتاريخ والثقافة والتقاليد. \r\n \r\n وقد أثبت العلم أن كوسوفو كانت منطقة مأهولة منذ عصر ما قبل التاريخ، حيث تم العثور على اكتشافات أركيولوجية تعود إلى بداية العصر الحجري الحديث - الألفية السادسة قبل الميلاد- تشمل مجسمات بشرية وحيوانية مرسومة على الخزف ترمز للخصوبة. وفي العصور القديمة، كانت منطقة كوسوفو الحالية عبارة عن مركز حضري ذي ثقافة راقية. \r\n \r\n أما في العصور الوسطى والفترة العثمانية فقد شهدت كوسوفو ميلاد مآثر معمارية متميزة جدا مثل كنائس وأديرة القرن الرابع عشر والتي تتميز بحس جمالي مرهف، ثم المساجد التي شيدت بأسلوب رفيع وراق، بالإضافة إلى الحصون والمراكز الحضرية والجسور. وفي هذا الصدد، صنفت منظمة الأممالمتحدة للعلوم والثقافة موقع دير ديكاني كإرث عالمي معترف به دوليا كنموذج رائع للمعمار الديني الأوروبي في القرون الوسطى. كما أن دير بيك يعتبر المقر الرئيسي لرجال الدين الصرب الأورثوذوكس. \r\n \r\n وعقب زيارة لتقصي الحقائق قام بها إلى كوسوفو فريق من كبار خبراء اليونسكو في أبريل من السنة المنصرمة، تكشفت الحالة الخطرة التي تشوب عملية المحافظة على المآثر والمواقع التاريخية. لذا فقد أوصى الفريق بضرورة تضافر جهود المنظمات الدولية ذات العلاقة لترميم مواقع الموروث الثقافي في كوسوفو والمحافظة عليها وحمايتها على نحو مستعجل لا يحتمل أي إبطاء. وبالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلت من أجل حماية الموروث الثقافي لكوسوفو، إلا أن الوقت قد حان لتبني مقاربة أكثر شمولية. \r\n \r\n وقد قامت أيضا منظمة الأممالمتحدة للعلوم والثقافة بعقد مؤتمر للمانحين في 13 مايو بتعاون مع بعثة الأممالمتحدة والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وذلك مساهمة من المنظمة الأممية في حماية المآثر التاريخية المهمة التي تعكس التقاليد العثمانية الإسلامية والصربية الأورثوذكسية. وحسب الخبراء تحتاج الأعمال المستعجلة للصيانة والترميم مبلغا يقدر ب 40 مليون دولار. \r\n \r\n والجدير بالذكر، أنه لن يعم سلام دائم في المنطقة دون وجود قواعد متينة تسنده، ويشكل التسامح والتفاهم المتبادل واحترام سيادة القانون وحقوق الأقليات والتنوع الثقافي الأساس لتلك القواعد. إنها العناصر \"غير الصلبة\" لبناء السلام والتي يجب أن تبدأ في ذهن كل مواطن وجاره في كوسوفو لأنها عملية طويلة المدى لا تحصل بين عشية وضحاها. هذا ويجب تعزيز التعليم الذي يرسخ مواطنة ديمقراطية، كما يجب استمرار العمل في مراجعة كتب التاريخ المدرسية والتحسيس بضرورة حماية الموروث الثقافي والمحافظة عليه. ولن تنعم كوسوفو بالمستقبل ما لم تتصالح مع ماضيها، وهو ما يستدعي الحفاظ على الموروث الثقافي للأجيال المقبلة. \r\n \r\n \r\n كوشيرو ماتسورا \r\n \r\n المدير العام لمنظمة اليونسكو \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"