\r\n .يقول إسماعيل: \"كيف يمكنهم الحديث عن انتخابات؟\" في ذلك اليوم الذي وصلت فيه إلى المدينة كانت هناك ريحٌ قارصة البرودة، درجة الحرارة في الصحراء تهبط إلى دون الصفر. لقد قرّرت مجموعة منا، جميعنا أطباء، أن نحاول الوصول إلى الفلوجة بأي ثمن. هناك شاهدنا وسمعنا قصصاً عن المرض والجوع. \r\n \r\n \r\n بينما كنّا نغادر بغداد تم إيقافنا عند ثلاث نقاط تفتيش يديرها الجيش الأمريكي ويعاونهم حلفاؤهم من الحرس الوطني العراقي. فتشونا ثم تركونا نمضي في حال سبيلنا. \r\n \r\n بعد ثلاثة أميال إلى الشمال من بغداد وصلنا بلدة التاجي الصغير، تم إيقافنا هناك ثانية، لكن هذه المرة من قبل المقاومة. رجال مقنّعون لوحوا لنا بالبنادق الرشاشة وقاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف، سألونا عن وجهتنا، ثم دقّقوا في هوياتنا. \r\n \r\n أخبرناهم بأننا أطباء ونحن نقوم بمهمة إنسانية محاولين الوصول إلى الفلوجة. تم بعد ذلك إيقافنا مرتين من قبل المقاومة. أنهم هم من يسيطر على العراق خارج المدن. \r\n \r\n \r\n قدنا سيارتنا في الطرق الجانبية داخل الأراضي الزراعية لتجنب القوات الأمريكية. بحدود منتصف النهار وصلنا الصقلاوية، وهي قرية تقع على بعد أميالٍ قليلة إلى الشمال من الفلوجة. \r\n \r\n \r\n كانت المنطقة مليئة بمخيّمات اللاجئين. لاحظت الكثير من الأطفال يلعبون وأغلبهم بثيابٍ خفيفة رثّة بالرغم من برودة الجو (درجة الحرارة بحدود 8 مئوية، وكان يوما مشوبا بريحٍ باردة قوية). \r\n \r\n يُقدّر عدد اللاجئين بحدود 200.000 اضطروا لمغادرة مدينتهم بسبب الهجوم الأمريكي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. \r\n \r\n التقيت برجل في منتصف العمر قدّم نفسه على أنه محمد العيساوي، لديه طفلين ولد بعمر ثماني سنوات وبنت بعمر خمس سنوات. هو عامل بناء من حيّ الجولان الفقير بالفلوجة. سألته كم مضى عليه ينتظر العودة إلى منزله. \r\n \r\n قال: \"تركت المدينة منذ اليوم الأول للهجوم... تركتها في اليوم الذي أعلن فيه الأمريكان أن كل الرجال دون سن الخامسة والأربعين غير مسموح لهم بمغادرة المدينة. الأمريكان أناس أشرار... لقد سمحوا فقط للنساء والأطفال في المغادرة، وحتى في هذه الحالة فقد أعطوا يوما واحداً للعائلات لحزم حاجياتها والمغادرة... ثلاثة من أبناء عمومتي وعائلاتهم قد حوصروا في المدينة، وسمعت أن واحداً من أبناء عمومتي وزوجته قد قُتِلا، لكني لست متأكداً... غادرت لأنه خلال الهجوم الأمريكي الأول في مارس الماضي (2004) عرفنا معنى الموت والرعب... عانينا كثيراً من القصف العشوائي. أبني أصيب بجروح في رجله إثر انفجار قنبلة عنقودية... وعليه قررت في هذه المرة أن أترك المدينة وعدم ترك عائلتي تواجه المزيد من الرعب... لكن لو كنت وحدي لبقيت.\" \r\n \r\n \r\n سألته ماذا استطاع هو وعائلته أن يأخذوا معهم. امتلأت عيناه بالدموع. قال: \"فقط ما كنا نستطيع حمله، بعض الملابس، بعض الصحون وأواني الطبخ، وبضعة بطانيات.\" سألت \"ماذا عن وضعك هنا؟\" أجاب: \"هناك ما يقرب من 300 عائلة في هذا المخيم الصغير... العائلات في قرية الصقلاوية المجاورة استضافوا بعض عائلات الفلوجة ضيوفاً عندها... لكن لا يوجد ما يكفي من الغرف لكل واحد منا في القرية، وهكذا عندما امتلأت المنازل اضطر البقية أن يعيشوا في الصحراء لبعض الوقت حتى استلامنا خيّام من منظمات المساعدة الإنسانية... نحن نعاني من نقص حاد في التطبيب والدواء والغذاء، وأصبح وضعنا أكثر صعوبة مع ازدياد البرودة. كما ترى نحن نعيش في عراء الصحراء في هذا الشتاء الممطر والمصحوب بالريح... الجو بارد جدا هنا، خاصة خلال الليل عندما تهبط درجات الحرارة إلى تحت الصفر. ليس لدينا ما يكفي من أجهزة التدفئة، وأولئك الذين لديهم الأجهزة يجدون صعوبة في الحصول على وقود... كثير من الأطفال يعانون من نزلات برد ومصاعب في التنفس. أين الطبيب؟ \r\n \r\n \r\n \"هناك مشكلة كبيرة أخرى. بدلاً من أن يقدم الأمريكان لنا مساعدات إنسانية، جاءوا إلى المخيم واعتقلوا بعض الرجال. لا نعرف أين هم أو متى سيطلق سراحهم.\" \r\n \r\n \r\n سألت زوجة محمد ما إذا كانت الحكومة العراقية المؤقتة تساعد اللاجئين. \r\n \r\n بدأت تهتز بغضب وهي تقول: \"أيّ حكومة؟ تلك الحكومة التي دمّرت الفلوجة؟ تلك التي هجّرتنا من بيوتنا؟ لم يعطونا فلساً واحداً لإصلاح منازلنا التي دُمِرَت في الهجوم الأول. من سيعيد بناء منازلنا هذه المرّة؟\" \r\n \r\n \r\n قالت لي أنه في كل صباح تستيقظ من النوم تواجه المشاكل نفسها. \"في كل يوم أسأل نفسي: كيف سأطعِم عائلتي اليوم؟ لدينا كمية قليلة من الرز وبعض الطحين. ولولا المساعدة التي قدمها لنا أقاربنا، والشعب العراقي، والمنظمات الإنسانية لكنّا متنا بالتأكيد. زوجي لا يعمل الآن، إذاً من أين يمكننا أن نحصّل على النقود؟... عندما يتوفر الطعام يشح الماء. في بعض الأحيان يتوجب علينا غسل صحوننا بالطين، نقضي أغلب الوقت في جمع الحطب لنتدفأ... سابقا كان لكل واحد منا بطانيته الآن نتقاسم الأغطية... أشعر بألم كلما أسمع طفلي يسعل.\" \r\n \r\n وصرخَت بأعلى صوتها: \"ماذا فعلنا كيّ نتلق هذا؟\" ... \"لماذا يفعلون بنا هذا. لقد فقدت أُختين وأخ في هجوم مارس الماضي.\" \r\n \r\n وهنا قاطعها محمد: \"أريد أن أقول أن هذا الوضع جعلنا أكثر كراهية للاحتلال،\" ... \"أين العدالة؟\" \r\n \r\n \r\n وهنا سألته السؤال الأخير: \"ما هو رأيك بالانتخابات المقرّرة في نهاية يناير؟\" \r\n \r\n أجاب: \"أيّ انتخابات؟ أخبرني كيف نرجع لبيوتنا، أخبرني كيف أعالج أبنائي، تكلّم معي عن الطعام، أخبرني عن وقود التدفئة، تحدّث معي عن الماء! لا تسألني عن الانتخابات. رئيس الوزراء أياد علاوي هدّم بيوتنا والآن يريد انتخابات. لن أشارك أبداً في هذه الانتخابات.\" \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب بريطاني في صحيفة (سوشيالست ووركر)