ومع ذلك فإن فتح هي الطرف القلق وحماس الطرف الذي يحقق الفوز. أثار المجهول ردود فعل شاذة. تعبث فتح، بتشجيع ضمني من الإسرائيليين والغربيين الذين يدافعون عادة عن الديموقراطية الفلسطينية، بفكرة تأجيل الاقتراع لتتجنب عرضا هزيلا. في هذا الوقت، تدعو حماس، المشككة تقليديا بالسياسات غربية الطراز والمعادية للتدخل الأجنبي، إلى حضور مراقبين دوليين من أجل الإشراف على الاقتراع. \r\n ستعكس الانتخابات تقييما شعبيا للوضع الحالي. حتى الآن، الآراء مختلطة. هناك هدوء وحالة أكثر سوءا في حياة الفلسطينيين، وهذا، بالنسبة لشعب منهك، ليس بالانجاز السهل. لكن التحسينات كانت بطيئة. بما أن الوضع غير السار سيبقى بلا تغيير أساسي في تموز، فإن الانتخابات ستكون تقريبا بمثابة استفتاء على شكل السياسات الداخلية الفلسطينية وعلى وضع الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية. \r\n يجب أن يكون ذلك مثار قلق لفتح. لقد أضعفت وفاة عرفات وانهيار اتفاقات اوسلو والانقسام الداخلي وسمعة الفساد، هذه الحركة كثيرا. يُنظر إلى حماس على أنها غير فاسدة وفعالة وتحمل أهدافا أكثر تركيزا وتقف جاهزة لقطف الغنائم. هل يمكن أن تتجاوز حركة فتح هذه الانتخابات موحدة ومن دون أن يمسها شيء؟ هل ستغير حماس السياسات الفلسطينية أم ستتغير هي على يدها؟ وإلى أي مدى يجب أن تهتم بقية العالم؟ \r\n تحرير أم بناء دولة؟ \r\n إذا كان عرفات الموحد العظيم، فقد كانت فتح الخيمة الكبيرة التي استخدمها لتكييف الحساسيات ووجهات النظر المختلفة. كانت فتح علمانية وقومية، لكنها كانت تطمح، كما عرفات، إلى أن تضم جميع الفلسطينيين بغض النظر عن معتقداتهم السياسية والدينية. كان برنامج عملها أكبر بقليل من دعوة إلى التحرير. \r\n ومع ذلك، كانت فتح قد خسرت، مع تولي محمود عباس الرئاسة في وقت سابق من العام الحالي، كلا من قلبها وعمودها الفقري كما خسرت الإدراك الواضح للهدف. أدخلت اتفاقات أوسلو تناقضا إلى قلب الحركة الفلسطينية؛ تناقضا لا تزال هناك حاجة لحله والشفاء منه. هل هي حركة تحرير، قادتها مناضلون وهدفها هو التحرير وعملتها الوحيدة هي المقاومة؟ أما أنها حزب سياسي قادته رجال دولة وهدفه بناء دولة وعملته الأساسية المفاوضات؟ \r\n شدها الاحتلال الإسرائيلي المتواصل في الاتجاه الأول، أما اتفاقات أوسلو الموقعة حديثا فسحبتها في الاتجاه الثاني. أدت إقامة السلطة الفلسطينية إلى عصر التناقض حتى نقطة الانفجار، فأعادت ضمنا توجيه الطاقات السياسية الفلسطينية من صراع التحرير إلى فن الحكم وأعادت توجيه الجهود العسكرية الفلسطينية من محاربة إسرائيل إلى حماية أمن الدولة العبرية. \r\n كل ذلك جعل بعض الفلسطينيين يجادلون بأنهم خسروا المعركة يوم ربحوا موطئ قدم. أعاد العديد من أعضاء فتح، بسبب هذا التناقض الذي لا يزال بلا حل، تحديد طموحاتهم وأعادوا تصنيع هوياتهم. بعد عقود من التيه في البرية، عاد العديد من قادتها في المنفى إلى فلسطين، قووا أنفسهم في مواقع كانوا يشتهونها في السلطة، وباتوا تواقين لمقايضة وظائفهم كسياسيين مناضلين بمناصب وزارية. ومع بروز كينونة جغرافية واقتصاد ناشئ، حوّل مشهد فرص الربح الجديدة بعض النشطاء إلى مقاولين ووسطاء. \r\n كانت السلطة الفلسطينية تقوم بأعمال الحكم؛ كانت حماس وغيرها من المجموعات الراديكالية تقوم بأعمال القتال؛ تُرك لفتح بقايا فقط من كلا الأمرين. في حالات كثيرة، أخذ قادتها وكوادرها وظائف ضمن السلطة الفلسطينية لم يكونوا مؤهلين لها، وسعوا إلى ربح لم يكونوا يستحقونه وحكموا منظمة ما عدوا قادرين على شرح هدفها. \r\n مع انهيار أوسلو، وبداية الانتفاضة الثانية والتوغلات الإسرائيلية وموت عرفات والانهيار العملي للسلطة الفلسطينية، خسرت فتح المزيد من بوصلتها السياسية. انضم بعض كوادرها والعديد من مقاتليها إلى المعركة فيما تمسك قادتها في السلطة الفلسطينية، رسميا على الأقل، باستراتيجية دبلوماسية. \r\n لا يزال القادة التاريخيون الذين كانوا يحيطون بعرفات، عباس وأعضاء اللجنة المركزية، المنقسمون على أنفسهم في غالبية الأحيان، يتمتعون بمشروعة وتواصل مع الماضي وارتباط بالشتات. يمكن لأعضاء فتح ممن أصبحوا قادة أمنيين في السلطة الفلسطينيين، أن يعتمدوا على ولاء أتباعهم المسلحين، لكن طموحهم ينزع نحو موازنة أحدهم الآخر. يسعى الكوادر السياسيون من الضفة الغربيةوغزة إلى تعبئة جمهور أعضاء الحركة، لكن مع بعض الاستثناءات يمكن المجادلة في أن مروان البرغوثي، الذي لا يزال في السجن، ليس واحدا منهم فإن أيا من هؤلاء لا يمتلك مكانة واعترافا على المستوى الوطني. \r\n يمثل السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، السابقون منهم والحاليون، مصدرا مهما للمشروعية والضغط. يواصل بعض المناضلين، المنضوين بشكل نموذجي تحت لواء كتائب الأقصى، في الاعتقاد بالصراع المسلح. يمكن أنهم يرون أنفسهم، باعتبارهم سليلي المقاتلين الأوائل لفتح، ثوريين من الطراز القديم. لكنهم أصبحوا ثوارا بلا قضية واضحة، وثوريين بلا ثورة، وغالبا ما يكون من الصعب تمييزهم عن قطّاع الطرق. \r\n بقيت مجموعتان مهمتان على الأقل غير ممثلتين. لا ترى شريحة واسعة ومتباينة من أعضاء فتح العاديين والساخطين، نفسها في أي من التجمعات المذكورة آنفا. لا يزال الفلسطينيون في الشتات، الذين كان دورهم حاسما في تأسيس الحركة، يثقون بها ويحاولون دعم القضية القديمة لفتح. \r\n تغذت فتح على البطولة لكنها خسرت عمليا جميع أبطالها. بالنسبة للفلسطينيين، يعتبر أبو جهاد وابو أياد وابو يوسف وكمال عدوان أسماء من أهل البيت، تُعلق صورهم بجانب صور عرفات في معظم مكاتب فتح ومنازل أعضائها. لكن ارتباطهم بما يجري يخبو بسرعة. \r\n في العام 1970، ابتكر ابو علي اياد، وهو بطل فتحاوي آخر من الأعوام الخوالي، شعارا قبل مقتله بأيام: سنموت واقفين ولن نركع أبدا. لقد ألهم أجيالا من مناضلي فتح، وشكل مؤونة لهم لأكثر من عقدين من الزمن. يتم الضغط بقوة اليوم على المرء لتخيل شعار محتمل مواز له: لنبن مؤسسات لدولة ديموقراطية، ليس لديه حقا الوقع نفسه. \r\n تعوز حركة فتح، بعد أربعة عقود على إنشائها، خريطة لتتبعها. في هذا الوقت، تبدو حماس مصممة على رسم واحدة جديدة. كانت حماس، تماما كفتح، فرعا من الأخوان المسلمين؛ منظمة كرست نفسها لأسلمة المجتمعات العربية. لكن في حين انشق مؤسسو فتح عن قادة الأخوان بسبب قرارهم التورط في حرب عصابات، ركز القادة المستقبليون لحماس على القضايا الداخلية وأعطوا الأولوية للتحول الديني للمجتمع الفلسطيني على المواجهة المسلحة مع إسرائيل. \r\n للمفارقة، فتح هي من لديه تاريخ أكثر عسكريتارية. وفي غياب صراع مسلح متواصل، تصبح حماس من لديه شيء يمكنها أن تعود وتستند إليه. تحدت حماس، منذ البداية، منظمة التحرير الفلسطينية، وفتح بشكل أساسي، وكسفت سريعا جميع الفصائل الأخرى المنضوية تحت لواء منظمة التحرير وباتت منافستها الرئيسية على الدعم الداخلي. حتى عندها، وُجهت غالبية نشاطات حماس إلى الداخل. \r\n حملت حماس السلاح تدريجيا وشنت هجمات ضد الإسرائيليين، لكن جدول أعمالها الاجتماعي والديني كان دائما مركزيا. عملت عبر المساجد والجمعيات وأنشأت مؤسسات خيرية أثبتت، بعد قيام السلطة الفلسطينية، أنها أقل فسادا وأكثر فعالية من نظيراتها الرسمية. \r\n خلال سنوات أوسلو، كافحت حماس لموازنة نظيراتها المتباينة، ومع الوقت، منافسة أهدافها. بقيت، رغبة منها في عدم إثارة نزاع فلسطيني داخلي وعدم التخلي عن صراعها ضد إسرائيل، خارج السلطة؛ وفيما عارضت العملية السلمية، لم تقاتل زميلاتها الفلسطينية. \r\n شجبت حماس الدولة اليهودية في وقت كانت تركز على العمل الديني والاجتماعي. ظلت متمسكة بهدفها إقامة دولة إسلامية على كل أرض فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب، لكنها أوضحت أنها لن تفرض هدفها هذا على الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن دولة كهذه لن تقوم إلا إذا اختارتها غالبية شعبية. استخفت بالاستراتيجية الدبلوماسية للسلطة وجادلت بأن العنف كان ضروريا لتحقيق الأهداف الفلسطينية، لكنها دوزنت هجماتها المسلحة وفقا لتقييمها للمزاج الشعبي. \r\n وَسّعت حماس، التي ركزت عملياتها أصلا ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، هجماتها تدريجيا لتشمل تفجيرات انتحارية ضد المدنيين، لكنها دافعت عنها بثبات على أنها انتقام لقتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين. بقيامها بذلك، يمكنها أن تدعي معارضتها للهجمات ضد المدنيين وتبررها في الوقت نفسه باعتبارها ضرورية لإجبار إسرائيل على الالتزام بالمبادئ نفسها. \r\n تحدى عباس هذا الموقف. لكن قادة حماس بقوا، طوال الوقت، واثقين من أنهم سيستفيدون في النهاية من عدم الرضا الشعبي عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. عندما يأتي هذا الوقت، ستكون حماس في موقع لأداء دور سياسي جديد أكثر مركزية وإثارة. قد تكون الأحداث أثبتت أنها على حق. \r\n بالنسبة لحماس، آن الأوان لأن تكون نفسها. يمكنها، بعدما بُررت أعمالها بانهيار العملية السلمية واندلاع الانتفاضة، أن تنضم الآن إلى عملية جديدة، ليست تلك التي عارضتها سابقا؛ يمكنها أن تعطي عباس فرصة من دون المصادقة على اتفاقات أوسلو؛ ويمكنها أن تنضم إلى السلطة وإلى غيرها من المؤسسات الفلسطينية من دون المصادقة على سياساتها الماضية. \r\n لطالما أيدت حماس اختيار الممثلين الفلسطينيين عبر الانتخابات الديموقراطية، معترضة فقط على الانتخابات التي تجري ضمن أطر اتفاقات أوسلو. بات هذا الاعتراض الآن موضع نقاش. عَبّر قرار شارون الانسحاب بصورة أحادية من غزة أكثر من أي شيء آخر عن واقعة أن أوسلو بات أمرا من الماضي وأن شيئا جديدا في طريقه إلى التبلور. \r\n أكد الانسحاب، بعيني حماس، وجهة النظر القائلة بأن المقاومة المسلحة، وليست التسوية السياسية، هي التي تؤدي إلى نتائج. وفيما تواجه فتح استياء شعبيا وانشقاقا داخليا، يمكن لحماس أن تدعي بنية تنظيمية أكثر تماسكا ووجودا متجذرا. تعتقد حماس، وهي تدخل الوضع الجديد من موقع قوة نسبي، أنها قادرة على الاحتفاظ باستقلاليتها وتؤثر في الوقت نفسه على قرارات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين وعلى الطابع الديني للمجتمع الفلسطيني. لدى حماس وشارون ميزة مهمة مشتركة بينهما، وإن كانا عدوين لدودين في أفضل التقديرات. أي منهما لا يعتقد بامكانية تسوية إسرائيلية فلسطينية دائمة في هذا الوقت ويفضل كلاهما اتفاقا موقتا طويل الأمد. لكن مفهوم حماس لاتفاق كهذا لا يتوافق إلا قليلا مع مفهوم رئيس الوزراء: تريد أن تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة في مقابل هدنة تمتد لعقود ومصممة لضبط تعايش الشعبين على أن يبقى الصراع التاريخي. \r\n ترجمة: إيلي شلهوب \r\n \r\n روبرت مالي: مدير برنامج الشرق الأوسط في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات \r\n حسين آغا: استاذ مساعد في معهد سانت أنطوني في أوكسفورد