غير أن منتقديه يقولون إن خطته الفعلية هي التنازل عن أراضي القطاع، أملاً في كسب ود وتأييد واشنطن، لاستمرار نهجه التوسعي الاستيطاني في أراضي الضفة الغربية، وزيادة رقعة المستوطنات الإسرائيلية داخل المنطقة الواقعة في إطار الجدار الأمني العازل الذي يمضى في إنشائه. منتقدو شارون يتهمون كلاً من إدارتي بوش وشارون بسوء النوايا، ويشككون في صدق واشنطن إزاء خريطة الطريق، ونهج عملها بين أعضاء الرباعية الدولية، كما يشككون في أن إدارة بوش، ستعمل على تجاهل الأضلاع الثلاثة الأخرى في هذه الرباعية (روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، إلا أنه لم تبدر حتى هذه اللحظة، أي بادرة من إدارة بوش، تشير إلى صحة هذه الشكوك والاتهامات. إلى ذلك فإن هناك وجهة نظر ثالثة تقول إنه لا علاقة لسوء النوايا أو حسنها، بما يحدث فعلياً في الوقت الراهن على أرض الواقع. فالحقائق هي التي تقرر مصيرها واتجاهها، بعيداً عن الرغبات والنوايا. \r\n \r\n تقول إحصاءات دراسة أجرتها \"مجموعة أدفا\" للدراسات الاقتصادية والاجتماعية بتل أبيب، لصالح منظمة \"أوكسفام\" البريطانية مؤخراً، إن ناتج الحرب الإسرائيلية- الفلسطينية التي ظلت مستعرة على امتداد 37 عاماً، يمكن تلمسه وتبيّنه بوضوح، في إضعاف وإنهاك الاقتصاد الإسرائيلي وانتشار ظاهرة الفقر في أوساط الإسرائيليين أنفسهم قبل الفلسطينيين، علاوة على خسائر الحرب البشرية المهولة، كما أسفر النزاع، عن حالة مستمرة من عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، مؤدياً إلى إسقاط خمس حكومات إسرائيلية خلال عشر سنوات. كما كان النزاع نفسه، محركاً أساسياً لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في عام 1995. ومثلما كان بالأمس، فإن مجموعات وحركة المستوطنين اليهود، تهددان حكومة شارون الحالية بإضرام نار الحرب الأهلية في البلاد، إن أصر شارون على تجاهل معارضتها، والمضي قدماً في خطة الانسحاب من قطاع غزة، وإخلاء المستوطنات القائمة هناك. وفي كل هذا، ما يحمل الكثير من نذر الاضطرابات والقلاقل التي تلوح في سماء إسرائيل. \r\n \r\n ووفقاً لدراسة \"أوكسفام\" آنفة الذكر نفسها، فقد أصبح الاحتلال، الموضوع الرئيسي للنزاعات الداخلية الدائرة الآن في أوساط الإسرائيليين. وهذا يعني أن الاحتلال قد حل محل النزاع التقليدي السابق، الذي كان يقسم الحياة السياسية الإسرائيلية حول القضايا الاجتماعية الاقتصادية، إلى يمين ويسار تقليديين. ومما لا شك فيه أن العمليات الانتحارية التي نفذت خلال السنوات الأربع الأخيرة ، قد أثارت حالة من الذعر والرعب، في أوساط مجموعات واسعة من الإسرائيليين والمستوطنين والمهاجرين الجدد إلى دولة إسرائيل. وبهذه المناسبة، فإنه لابد من ذكر ذلك التحذير بعيد النظر، الذي أطلقه ديفيد بن جوريون، بقوله إنه سيكون من الخطأ والخطورة بمكان، أن تواصل إسرائيل تمسكها وتشبثها بالأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967، متجاهلة في ذلك ومتحدية إرادة المجتمع الدولي وقوانينه. لكن ورغم ذلك التحذير، فقد بدت تلك الأراضي الجديدة التي احتلتها وضمتها إسرائيل إلى رقعتها وحدودها إثر حرب 1967، كما لو كانت فتحاًً سياسياً واقتصادياَ لتل أبيب. فخلال العشرين عاماً الممتدة بين حرب 67 والانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في عام 1987، تحولت فلسطين إلى ثاني سوق مصدر رئيسي لدولة إسرائيل، بعد الولاياتالمتحدة الأميركية مباشرة. كما ازدهر الاقتصاد الإسرائيلي، وحقق مكاسب ربحية كبيرة من العمالة الفلسطينية الجديدة الرخيصة، وكذلك من عائدات الضرائب التي يدفعها العمال الفلسطينيون للخزينة الإسرائيلية. \r\n \r\n ولكن ما أن اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية، حتى بدأ كل ذلك الواقع بالتغير نحو الاتجاه النقيض. ذلك أن المستوطنات والأراضي المحتلة الجديدة، أصبحت أكثر تكلفة وأشد صعوبة في استمرار التشبث بها، والسيطرة عليها. وتقول دراسة \"أدفا\" أو \"أوكسفام\" آنفة الذكر: أدت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى توقف نمو الاقتصاد الإسرائيلي، مما ترتب عليه تدهور المستوى المعيشي بين المواطنين الإسرائيليين، إضافة إلى التأثيرات المدمرة السلبية التي خلفتها على نظام ومرافق الخدمات الاجتماعية الإسرائيلية. والنتيجة الإجمالية لكل هذا، هي تفشي وتعميق ظاهرة الفقر بين فئات المجتمع الإسرائيلي. فخلال الأعوام 2000-2003 وحدها، شهد نمو الاقتصاد الإسرائيلي انخفاضاً تراوح بين 1-8 في المئة، وخسر الاقتصاد الإسرائيلي قطاعه الصناعي في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وهو من أبرز ما كان يتسم به. ومن بين التداعيات، شلل القطاع السياحي تماماً خلال الفترة المذكورة نفسها. \r\n \r\n أما تأثيرات وتداعيات الانتفاضة على الجانب الفلسطيني، فقد كانت أكثر سوءاً وأكبر خسارة بالطبع، على حد ما أعلنه التقرير المعد عن الدراسة. وذهبت الدراسة نفسها إلى القول، إن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للانتفاضة، كانت في مقدمة الأسباب التي دفعت حكومة شارون إلى الاعتقاد بأنه أصبح من الصعب الآن، الاستمرار في نهج الاحتلال والاحتفاظ بكافة المستوطنات التي ضمتها إسرائيل بوضع اليد سابقاًَ. ومن المعلوم أن هذا الاتجاه الجديد، يصطدم اليوم بمعارضة شرسة من قبل حماة السياسة الاستيطانية والمدافعين عنها. هذا وقد تمثل جزء من النصر النسبي الذي حققه شارون على المجموعات والحركات الاستيطانية هذه، في الانتخابات الفلسطينية التي أجريت مؤخراً، وفي الإعلان عن الهدنة التي وافقت عليها كل من حركة فتح وحركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي، علماً بأن هذه المجموعات، هي المسؤولة بالدرجة الأولى، عن تنفيذ العمليات الانتحارية وأعمال العنف التي تستهدف المواطنين الإسرائيليين، وتهدد أمنهم وحياتهم. ولكن لابد من القول، إن شارون يجهل اليوم ما ستسفر عنه مبادرة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة – على رغم كونها المبادرة الأهم التي أطلقها شارون- تماماً مثلما كان يجهل في عام 1987، ما كانت تخبئه له الأيام ، يوم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في ذلك العام الدموي، والأعوام التي تلته. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n