أخذ عماد يشتم الأمريكان بقسوة ويصيح بأعلى صوته: \"الأمريكان شياطين... الأمريكان أشرار.\" \r\n \r\n \r\n يمكن القول بكل المقاييس والاعتبارات أن عماد (32 عاما) ذو ثقافة متوسطة، بالرغم من أنه خريج كلّية، يتكلم الإنكليزية جيدا، وكان قد ساند بقوة الوجود الأمريكي في العراق حتى الخامس من كانون الثاني/يناير 2005 وهي الليلة التي جاء فيها الجنود. \r\n \r\n \r\n قصّته عن تلك الليلة، التي سردها لنا بعد أيام قليلة في غرفة نومه الصغيرة، تصلح لأن تكون قصة حول كيفية خلق الجنود الأمريكان عدواً لهم في غضون 20 دقيقة من المواجهة. \r\n \r\n \r\n عادة ما يقوم الجنود الأمريكان جنباً إلى جنب قوات الأمن العراقية وقوات الحرس الوطني بغارات روتينية في مختلف أنحاء العراق في محاولة للقبض على المتمردين. بالنسبة للعسكريين الأمريكان فإن مثل هذه المهمات عادة ما تكون خطرة. يقول الجنود أن واحدة من أكبر المصاعب التي يواجهونها هو أن يحزروا من هو الصديق ومن هو العدو. \r\n \r\n منذ أن بدأت الحرب في مارس 2003 قُتِلَ 1077 جنديا أمريكيا في عمليات قتالية معادية، أو هذا على الأقل ما تكشفه الأرقام الرسمية. علاوة على ذلك فإن المتمردين يقتلون القوات العراقية بمعدل يومي تقريباً. \r\n \r\n غالباً ما يعثر الجنود الأمريكان خلال الغارات على أسلحة غير شرعية، وعلى قادة حلقات ويحصلون على معلومات حيوية من شأنها أن تمنع وقوع المزيد من الهجمات. لكن في الغالب أيضا ما تسفر الغارات عن القليل جداً من النتائج وتترك حنقاً وغضباً في صفوف المدنيين الذين يستاءون من جنود أجانب يقتحمون منازلهم، ويكسرون الأبواب والبوابات، ويضعون فوهات بنادقهم على رؤوسهم. أنهم يغتاظون أشد الغيظ من هؤلاء الجنود وهم يروهم يمسكون نسائهم وبناتهم وهنّ في ملابس النوم. أنهم يستشاطون غيظاً وهم يرون الجنود ينبحون بإصدار أوامرهم بالانبطاح على الأرض، ثم يقومون بعد ذلك بغزو غرفهم، ليفرّغوا دواليب منازلهم ويقلبوا البيت رأساً على عقب لكن ليس قبل أن يبقروا بطون الفرش ليتركوا حشيتها في الخارج. \r\n \r\n في ليلة الخامس من كانون الثاني/يناير 2005 كان عماد وأمّه، أم عماد أحجم الاثنان عن تقديم أسميهما كاملاً خوفا من العقاب يشاهدان فلماً في التلفزيون في غرفة النوم. وكما هو شأن الأحياء الأخرى من العاصمة بغداد خلال الشهرين الماضيين، فقد كان حيّهما محروماً من الكهرباء باستثناء ساعتين في اليوم. وهكذا فقد كانت المولّدات في الخارج تطنّ طنيناً بحدود الساعة التاسعة من تلك الليلة، وبسبب طنين المولّدات وضعا صوت التلفزيون على أقصاه كيّ يتمكنا من السماع. \r\n \r\n يقول عماد لقد بدءوا الترويع بالطرق العنيف على باب المنزل. ذهب بسرعة ليفتحه. يقول عماد، عندما فتح الباب كان هناك قرابة 12 جندي أمريكي يقفون وبنادقهم مصوّبة على رأسه. \r\n \r\n \r\n يقول عماد وأمّه أن الجنود اندفعوا إلى داخل المنزل، طالبين منهما أن يجلسا جنباً إلى جنب خلال تفتيشهم المنزل. يتذكر عماد أن أحد الجنود قال له \"تبدو أنك فقيرا،\" \"لماذا؟\" \r\n \r\n \r\n أجاب عماد بالإنكليزية: \"لم أتمكن من العثور على عمل، بالرغم من أنني متخرج من كلية الآداب.\" يقول عماد أن قلبه كان يخفق بقوة. أما أمه، وهي أرملة ثرثارة تحب ابنها كثيرا جلست إلى جنبه وهي ترتعش. \r\n \r\n ذهب الجنود يفتشون غرفته. يقول أنه سمع ضحكاً، ثم نادوه. ذهب عماد إلى غرفته ليرَ الجنود وقد اكتشفوا عدة مجلات كان قد أخفاها عن عينيّ أمّه. كانت المجلات تحتوي على صور بنات بلباس السباحة وقد وقفن بمواضع جنسية أمام عدسة التصوير. يقول عماد أن الجنود نشروا المجلات على فراشه ثم وضعوا القرآن الذي كان يملكه وسط الصور. \r\n \r\n يقول عماد أن أحد الجنود قال له: \"هذه مسابقة جيدة بين القرآن والبنات.\" \r\n \r\n \r\n يضيف: \"بالنسبة لي كانت تلك الليلة كابوساً حقيقياً... لن أنسى أبداً هؤلاء الجنود السيئين عندما وضعوا القرآن بين المجلات.\" \r\n \r\n \r\n في غضون 20 دقيقة، غادر الجنود دون أن يعتقلوه أو أمّه. يقول عماد أنه بينما توجّه الجنود إلى الباب المجاورة لتفتيش منزل جاره، بدأ يؤنّب أمّه. أمّا أمّه فتقول أن عماد ظلّ يُكرّر بعصبية \"الأمريكان أناس أشرار.\" \r\n \r\n \r\n تركها وتوجّه إلى مسجد ليمضي الليلة هناك. يقول عماد: \"طلبت من الله أن يغفر لي لأني لم أمنع جرائم الأمريكان ولا ذنوبهم.\" \r\n \r\n قوة بغداد للمهمات الخاصة، التي تضم جنوداً من فرقة الفرسان الأولى والفرقة 82 للقوات المحمولة جواً، هي المسؤولة أساساً عن تأمين العاصمة. \r\n \r\n قال المقدم جيمس هوتون، الناطق باسم فرقة الفرسان الأولى أن الجنود التابعين لقوة بغداد للمهمات الخاصة لم يقوموا بأي غارة تفتيشية في تلك الليلة. أضاف أن وحدات عسكرية أمريكية أخرى، بضمنها الشرطة العسكرية، تعمل في بغداد لكنه لا يملك معلومات حول احتمال قيامها بالغارة التفتيشية هذه. \r\n \r\n أما مقدم الجيش دانيال باجيو، وهو ناطق عسكري آخر في بغداد، فقد قال أنه أيضاً لا يستطيع أن يؤكّد أن غارة قد جرت في تلك الليلة. أضاف: \"هذا النوع من السلوك لا يمكن التغاضي عنه في القوات المسلحة الأمريكية، وأنا أرى أنه من الصعب التصديق أن الجنود الأمريكان يمكن أن يقوموا بمثل هذا،\" أضاف \"أنا لا أقول أنه لا يحدث. لكن الأمر يبدو غريبا.\" \r\n \r\n \r\n لقد أكّد الجيران رواية عماد. قالوا أن الجنود الأمريكان أغاروا على منازلهم في 5 كانون الثاني/يناير بعد أن أبلغوهم أن التفتيش يأتي إثر وقوع انفجار في المنطقة. قال أحد الرجال أن جندياً أمريكياً لكمه بعنف وكسر أنفه. لقد كان الجرح واضحاً بعد مضي أسبوع على الحادثة. \r\n \r\n \r\n قالوا أن الجنود الأمريكان أغاروا على جانب واحد من الشارع، فيما أغار الحرس الوطني وقوات الأمن العراقية الأخرى على الجانب الآخر. قالوا أن الجنود وصلوا بعربات مدرّعة وتركوا المنطقة بعد ساعتين تقريباً بعد أن أخذوا عدة عراقيين مدنيين معهم. \r\n \r\n \r\n هذا الحيّ معروف بإيوائه المتمردين، بضمن ذلك البعض ممن انتقلوا إلى بغداد من الفلوجة عقب الهجوم العسكري الأمريكي على المدينة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2004. اعترف بعض الجيران أنه كانت هناك بعض المجموعات المناوئة للأمريكان بين صفوفهم، لكنهم قالوا أن ليس كل من يعارض القوات الأجنبية أو الحكومة المؤقتة المدعومة من الولاياتالمتحدة هو مقاتل. \r\n \r\n \r\n قال عماد وأمّه أنه لم يكن لديهما ما يدعو لمواجهة القوات الأمريكية قبل 5 يناير، لم يكن هناك سبب يدعوهم لكرههم أو عدم الثقة بهم. لكن أم عماد قالت أنها اشمأزت من الأمريكان منذ تلك الليلة وما شهدته من تغييرات طرأت على موقف ابنها، وهو رجل ممتلئ الجسم بوجّه مدوّر وشعر مستقيم يرتدّ إلى الوراء. لقد مات أبوه في الحرب العراقية الإيرانية قبل عقدين من السنين تاركاً الأم والابن يسند أحدهما الآخر. \r\n \r\n قالت أم عماد، التي تضع غطاءً بسيطاً أبيضاً على الرأس وقد غطّى جزءً من وجهها المجعّد أنه بعد الغارة اعتقدت أن ستفقد ابنها أيضاً. بعد أن شرحت ما حصل قالت \"أنه يعاني من أزمات عصبية.\" \r\n \r\n \r\n لقد جلبت أم عماد لابنها حبوباً من الطبيب في محاولة منها لتهدئته. نظر إلى الحبوب الصفراء ومن ثم إلى الحمراء ورفض أن يأخذها. قال: \"لا آخذ هذه الحبوب من الأجانب الأنذال.\" \r\n \r\n قال عماد أنه بعد أسبوعين من الغارة كان ما يزال يبذل مجهوداً للعودة إلى طبيعته. لم يعد يعنّف أمّه لكنه مازال يمنعها من مشاهدة القنوات الأجنبية أو شراء منتجات مصنوعة في خارج العراق. \r\n \r\n \r\n يقول أنه يتمسك الآن بدينه بطريقة لم يفعلها من قبل. أنه يمضي أغلب وقته في الجامع يصلّي أو يقرأ القرآن. أنه يبحث عن عمل أيضاً. \r\n \r\n \r\n قبل الحرب كان عماد يعمل في شركة تجارية يكسب منها 50 دولاراً في الشهر ينفق أغلب المبلغ على التنقّل. لم يتمكن من العثور على عمل منذ سنتين تقريباً. \r\n \r\n \r\n يقول أنه لم يكن في حقيقة الأمر يحمّل الأمريكان مسؤولية ذلك أبداً حتى ليلة الخامس من يناير. \r\n \r\n يقول: \"اعتدت أن أحمل رأياً جيداً بالأمريكان... لكنهم في الحقيقة أعداء... إنهم سيئون جداً.\" \r\n \r\n *رئيس محررين في صحيفة واشنطن بوست