شهر، نزل فيه لبنان عن بكرة أبيه معارضة وموالاة إلى الشارع ليقول كلمته. شهر، سقطت فيه حكومة، وأعيدت فيه تسمية رئيس حكومة، فقهه في رئاسة الحكومات أنها إرث عائلي لابد منه. \r\n \r\n شهر، أعلنت فيه سوريا انسحابها الكامل من لبنان، وأنهت المرحلة الأولى من الانسحاب العسكري، وخرجت من الباب – الحدود -، وعادت من الشباك، مؤكدة عبر العملية السياسية السلطوية القائمة في لبنان أنها الآمر الناهي، بأصوات وقرارات \"أزلامها\" داخل السلطة اللبنانية وخارجها. \r\n \r\n شهر، زار فيه أقطاب المعارضة زرافات ووحدانا عواصم العالم، حاملين الأبيض والأحمر - شعار المعارضة- حول الرقاب، تاركين الأخضر، أخضر الأرزة والقلب النابض والناس في ساحة يتلوون بين اليأس والمجهول والذهول بعد أن تصوروا - أو صوروا لهم- أن صوتهم \"الحق\" لن يعلى عليه. أهل ساحة الاعتصام وأهلهم وكثير من اللبنانيين وثقوا بأن المعارضة جاهزة وأن لديها خطة عمل، وحكومة بديلة، وبرنامج مصالحة واتصالات مسبقة مع الرقم الفاعل على الساحة، والذي عرف كيف يلعب كما العادة، فترك للجميع ساحة القول والفعل، وبعدها وحسب أصول لعبة \"الكوتشينا\"، \"قش\" الجميع في ضربة عدد وخطاب قائد، لو قدر للبنان أن يتخلص من الطائفية القميئة، ويتخلص هو من عمامة المشيخة، لكان الأجدر في قيادة هذا الوطن المتألم، أياً كان اختلافك معه. أهل ساحة الاعتصام تركوا بعد تضخم الساحة المجاورة، بدون صوت يرفع إحباطهم، أو كلمة تطمئنهم أن البلد الذي خافوا عليه ونزلوا لحماية حقه بالحرية بأجسادهم وبسلام هم مؤمنون به، أن بلدهم لن ينقسم ولن تعود إليه الحرب ولن يدمر اقتصاده ورزقهم ورزق أولادهم وأحفادهم. \r\n \r\n شهر، توزعت سيادة لبنان والمنادين بها ومن كل الاتجاهات، بين سوريا وفرنسا، بين إيران وأميركا وإسرائيل، ومع حفظ المقامات بين جامعة الدول العربية والأعضاء الفاعلين فيها، والاتحاد الاوروبي. \r\n \r\n شهر كامل، اتفق فيه الجميع على: سقف الطائف، وجدار الحوار الوطني، وجدار العلاقات المميزة مع سوريا، وجدار السلم الأهلي، وجدار عدم المساس بالمقاومة، وأرضية إعلان حقيقة من اغتال الشهيد رفيق الحريري. البيت اكتمل على الورق، فلماذا نراه خرباً في الواقع؟ \r\n \r\n شهر كامل، ومن قتل رفيق الحريري معروف، وإذا لم يعلن عن توجهه أو اسمه، سينشق لبنان إلى فتافيت من حقد ووجع. لابد أن يعلن إذا كان القاتل جهازاً سوريا، أو تابعاً له، أم جهازاً إسرائيلياً- أميركياً أو تابعاً له. أما إذا كان القاتل إسلاموياً، فهذه لها حسابات أخرى. ولو كان مافيوياً فتلك لها حساباتها أيضاً، ولكن الاحتمالين الأخيرين لن يؤديا إلى تخريب البلد وتفتيته. \r\n \r\n شهر كامل، ولم يفكر قائد سياسي واحد أن يعتصم ويضرب عن الطعام في مكان ما (كما فعل الإمام موسى الصدر أول أيام الحرب الأهلية)، ويقسم ألا يفك الإضراب إلا بعد أن تجتمع كافة الأطراف مع بعضها بعضاً وتصل إلى حل نهائي يرضي أولاً، لبنان وشهداءه الذين دفعوا فاتورة الدم. وثانياً، اللبنانيين المتخاصمين حول كيفية حب لبنان. ويرضي أخيراً ذلك الراقد بين يدي المولى، يحضنه تراب لبنان بعد أن حضن هو لبنان حباً وإعماراً. \r\n \r\n هل تتكرر الشهور المزدحمة- الفارغة؟... \"بيكفي\". \r\n