\r\n ففي الثامنة من مساء يوم الأربعاء الموافق 19مارس عام 2003 انتهت الساعات الثماني والأربعون الأخيرة التي حددتها إدارة بوش لصدام لمغادرة العراق وبعد ذلك بفترة قصيرة بدأت فعليا الحملة الأميركية لاقصائه عن الحكم بالقوة، وهي الحملة التي أطلقت عليها واشنطن اسم عملية »تحرير العراقيين«. \r\n \r\n \r\n غير أنه بعيداً عن هذا السبب المعلن فإن الأهم من ذلك بالنسبة لهذه الخطوة الأميركية أن هذا التاريخ حسبما يذكر ليام أندرسون وغاريث ستانسفيليد كان يشير إلى البداية الحقيقية الملموسة لعقيدة سياسية من جانب الولاياتالمتحدة تتعلق بالتعامل مع الخارج. \r\n \r\n وهي التعهد باستخدام الحرب الوقائية كمبادرة ووسيلة لحماية الأمن القومي للولايات المتحدة، فضلا عن ذلك فإن الهجوم على العراق كان يرمز حسبما يذهب مؤلف الكتاب إلى المرحلة الأولى من خطة شاملة كبرى لإعادة بناء الشرق الأوسط. وهي الخطة التي تم وضعها من قبل فريق المحافظين الجدد داخل إدارة بوش إثر أحدث 11 سبتمبر. \r\n \r\n ويعيد المؤلفان هنا ترديد المعزوفة التي تكررت كثيراً من قبل ممثلي هذا الفريق، والتي تتمثل في أن هذه الأحداث كشفت جزئيا على الأقل عن أن سياسة الولاياتالمتحدة التقليدية تجاه الشرق الأوسط تمثل دعامة لدكتاتوريات لم تعد قابلة للإستمرار. \r\n \r\n فالأحداث كشفت بشكل واضح أن الشرق الأوسط أصبح تربة خصبة لتنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة، والتي لم تعد محصنة ضد تأثيرات أي عمليات ناجمة عن هذه المشاعر، فضلا عن التأثيرات الفورية التي يمكن أن تنجم عن مساندة الولاياتالمتحدة لإسرائيل ووجود قوات أميركية في شبه الجزيرة العربية إلى جانب السخط الناجم عن العقوبات المفروضة على العراق. \r\n \r\n وعلى ذلك فإن الخطة الأميركية استهدفت مواجهة الأسباب الرئيسية والواضحة التي تقف وراء العداء للولايات المتحدة، والتي يحددها المؤلفان بشكل أساسي في الفقر والقمع السياسي. \r\n \r\n من هنا وبناء على تفكير فريق المحافظين الجدد كانت أبرز ملامح الخطة تقوم على فكرة عزل نظام الحكم في بغداد وإقامة الديمقراطية في العراق، باعتبار أن مجرد تأسيسها سوف يحول العراق إلى منارة وواحة للديمقراطية وسط ظلام القمع في المنطقة. وخطوة فأخرى ستنهار أنظمة الحكم القمعية في الشرق الأوسط سواء بمساعدة الولاياتالمتحدة أو دون مساعدتها. \r\n \r\n وينشأ محلها أنظمة ديمقراطية تحقق الرخاء وبهذه الطريقة سوف تنشأ منطقة السلام الديمقراطي داخل قلب العالم العربي، وتصبح المنطقة أكثر أمنا إلى أبعد الحدود لكل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. \r\n \r\n وتسلم الخطة، وفق ما يشير الكتاب، بأن الحرب على الإرهاب لن يتم الانتصار فيها داخل ميدان المعركة، ولكن من خلال كسب قلوب وعقول الإرهابيين المتوقع وجودهم في الشرق الأوسط مستقبلا. \r\n \r\n نظرية القناع الديمقراطي \r\n \r\n غير أن الموقف من هذه النظرية والتي يطلق عليها المؤلفان نظرية »القناع الديمقراطي« قد تباين.. فبالنسبة للبعض تعد هذه النظرية عملا عبقريا وخياليا، وبالنسبة للبعض الأخر فإنها لا تعدو أن تكون حماقة كبيرة، غير أنهما يشيران إلى أنه مما لا شك فيه أنها خطة طموح إلى أبعد الحدود الأمر الذي جعل أحد المراقبين يصفها بأنها أكثر الخطط جرأة في النظرية الإمبريالية خلال التاريخ البشري. \r\n \r\n وقد أكد بوش على تبني إدارته لنظرية القناع الديمقراطي ربما للمرة الأولى بشكل علني في خطاب ألقاه في فبراير 2003 ما جعل من هذه النظرية بمثابة السياسة الرسمية لإدارته. وقد أظهر العالم اهتماما واضحا بنشر القيم الديمقراطية في ضوء حقيقة رفض الأمم الحرة والمستقلة الأفكار والنظرية القائمة على الاغتيال وأن نظام حكم جديد في العراق سوف يكون مثالا للحرية يحتذى به بالنسبة للأمم الأخرى في المنطقة. \r\n \r\n ومن هذا الاستهلال يصل المؤلفان إلى غايتهما، والتي تتمثل في أن السيناريو السابق والذي تم على أساسه عملية غزو العراق إنما يمثل مأزقاً للولايات المتحدة عليها أن تبحث عن مختلف السبل التي تمكنها من الخروج منه. \r\n \r\n فعندما يقوم رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم بإلقاء بيان مثل هذا فإن الناس، حسب الكتاب، تهتم وتستمع، وعلى هذا فإنه من الآن فصاعدا تتوقف مصداقية إدارة الرئيس بوش على قدرتها على تنفيذ هذا الوعد للشعب العراقي. \r\n \r\n وبغزو العراق فإن لولايات المتحدة قد شرعت في طريق إما أن تكون نهايته ليس أقل من إعادة بناء للشرق الأوسط على أساس ديمقراطي، أو أن ينتهي الأمر بكارثة، وكل منهما يبدأ من بغداد. \r\n \r\n وعلى هذا الأساس فإن خطورة الموقف تتمثل في احتمال تعامل الولاياتالمتحدة مع العراق على أنه مستعمرة تابعة لها وليس نظاما استهدفت نشر الديمقراطية على أرضه، هنا فإن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة ككل من الممكن أن تنهار وسيكون من الصعب في إطار ما في هذه الخطوة من مخاطرة تحديد قوة احتمال الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n كلام عن السياق التاريخي \r\n \r\n يعزز المؤلفان رؤيتهما لما يريانه من حقيقة وجود الولاياتالمتحدة في مأزق إزاء الوضع في العراق بتقديم رؤيتهما الخاصة للأوضاع هناك ووفقا لهما فإنه: \r\n \r\n »عندما يقوم مشيدو الأمم بعملية تجميع بقايا العراق سيجدو في طريقهم القليل من المواد الخام التي يستطيعون استخدامها في عملية البناء« فالعراق، حسب تحليلهما لظروف تكوينه التي تناولناها في الحلقة الأولى إنما يعد إنتاجا بريطانيا صناعيا تم تجميعه من حطام الإمبراطورية العثمانية. \r\n \r\n وتمثلت أسس العملية الإنتاجية، إذا جاز التعبير، في القرارين الأساسيين اللذين اتخذتهما الإدارة البريطانية وهما ضم الموصل ذي الأغلبية الكردية إلى ولايتي البصرة وبغداد اللتين يهيمن عليهما العرب والاستمرار في الطريقة العثمانية للحكم من خلال العرب السنة الأقلية في العراق. \r\n \r\n وقد أثر هذان القراران في العراق وجعلاه في انتظار مستقبل مؤلم. ويقدم المؤلفان تحليلا شاملا يحاولان فيه تكريس وجهة نظرهما التي تذهب إلى التمايز التام للأكراد في إطار العراق. \r\n \r\n وأن الخبرة التاريخية لهم تقضي على أي محاولة لإعادة دمجهم في نسيج المجتمع العراقي، مما يعني في النهاية الوصول إلى الهدف النهائي الذي يذهب إليه الكتاب والمتمثل في ترجيح فكرة تقسيم العراق عند الحديث عن ملامح المستقبل هناك. \r\n \r\n وحسب المؤلفين فإنه فخلال تاريخ العراق لم يشترك الأكراد في حكم العراق على الإطلاق وقاتلوا بصلابة على فترات متقطعة خلال عام 1920 ومرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية من أجل تأكيد استقلالهم ضد الحكم المركزي. \r\n \r\n ولم يهتم الأكراد بشكل كبير بكينونة القوة المركزية. كما اشترك الأكراد فيما يمكن وصفه بأنه حرب أهلية محدودة ضد السلطات المركزية في الفترة من عام 1961 إلى عام 1991، ففي بعض الأوقات مثل أعوام 1975 و1988 و1991 أصبحت منطقة الأكراد ولاية مستقلة كاملة بجميع المؤسسات السياسية والقوى المسلحة. \r\n \r\n على ذلك يشير المؤلفان إلى أن أدني متطلبات الأكراد خلال نظام ما بعد صدام هو استمرار الوضع كما هو عليه. على المستوى الواقعي فإنه من الصعب تماما تصور كيفية إمكانية اعادة توحيد الأكراد مرة أخرى داخل العراق. \r\n \r\n ويزداد ادراك هذه الصعوبة في ضوء معرفة أن الأكراد لم يتم دمجهم على الإطلاق في العراق، الأمر الذي يتعزز في ضوء حملات القمع التي تمت ضدهم من قبل نظام صدام حسين سواء خلال عام 1988. \r\n \r\n أو عمليات القمع الوحشي التي تمت لإنتفاضة 1991 الأمر الذي يشير من منظور المؤلفين إلى عدم إمكانية تحقيق الإتحاد والوحدة والعلاقات المتآلفة بين الأكراد وحكومة العرب المسيطرة داخل دولة موحدة بين عشية وضحاها. \r\n \r\n فمن وجهة نظر العرب حسب قراءة المؤلفين لها فإن الأكراد كانوا على الدوام خائنين للدولة العراقية يتلاقون مع أي قوة أجنبية لمحاربة السكان العرب، ولم يذرف سوى القليلين من العرب الدمع على ما آل أليه وضع الأكراد من قمع نتيجة اعتقاد الكثيرين أنهم (الأكراد) قد أصابهم ما يستحقوه نتيجة خيانتهم للقضية العربية. \r\n \r\n ومن الإنقسام العربي الكردي، ينتقل مؤلف الكتاب إلى استعراض الإنقسام الطائفي (السنى الشيعي) والذي يعد أكثر تعقيدا.. على الرغم من أن الشيعة، وفق ما يذكر المؤلفان، في حد ذاتهم ليسوا جماعة متجانسة فضلا عن أن درجة التكامل الجغرافي بين السنة والشيعة كانت دوما أكثر بكثير مما عليه بين الأكراد والعرب. وغذى هذا الإنقسام في مدن الجنوب أن بعض القادة كانوا حريصين على إضفاء جوانب سياسية إلى الإنقسام الطائفي. \r\n \r\n وذلك في معرض انتقادهم الخفي للطبيعة العلمانية لجميع أنظمة الحكم الجمهورية في العراق، فضلاً عن مواجهة مختلف المحاولات من قبل أنظمة الحكم وخاصة من قبل نظام حكم البعث لتحقيق سيطرة مركزية على الحياة في الجنوب مما جعل من هذا الإنقسام يتخذ الطابع السياسي يهدد وحدة الدولة. \r\n \r\n خاصة إزاء ما يشير اليه المؤلفان من احتمال عودة عناصر متشددة من الخارج مما سيمثل الوقود الذي يشعل النار، وعلى الرغم من ذلك فإن دمج الدين بالسياسة في اطار حياة الشيعة يعد احتمالا محدودا. وبشكل عام فإن الإستياء الشيعي إنما كان يتركز بشكل أساسي على حقيقة السيطرة الدائمة للسنة على جميع مراكز القوة داخل حكومة العراق. \r\n \r\n قد أفرز ذلك واقعا سياسيا معقداً يقوم على العنف. وقد تصاعدت دائرة العنف سواء أكان صادرا من الحكومة ضد الجماعات المنشقة أو العكس بمرور الوقت، وليس مصادفة أيضا أن يكون أكثر الزعماء قساوة ووحشية للعراق صدام هو أيضا أكثر من واجه مثل هذه العمليات. \r\n \r\n ويبدو أيضا أن العراق في شكله وهيئته الجغرافية الحالية غير محكوم أو مسيطر عليه في غياب قائد قوي قاس على رأس حكومة قهرية مركزية وقوية بدرجة عالية. \r\n \r\n وبمرور الوقت وارتفاع دخل إيرادات النفط أصبح لدى العراق الموارد لاختراق المجتمع وإحكام السيطرة عليه بشكل أكبر. ولقد وصلت هذه العملية إلى أوجها خلال حكم صدام، ففي عام 1970عندما قامت حكومة العراق وهي تخدم مصالح حزب البعث - وبالتالي صدام - بالسيطرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ا لعراق مستهدفة من ذلك إحلال روابط الولاء القائمة لينهض بدلاً منها الولاء لصدام نفسه من خلال حزب البعث. \r\n \r\n وقد كان الهدف من هذه السياسة هو تفريق الشعب العراقي ومن ثم إعادة بناء رؤية جديدة رائعة ل »رجل العراق«. وكانت هذه محاولة بطولية لايجاد وحدة تعاونية لشعب العراق، ولكنها فشلت مثل كل جهود الحكومات العراقية السابقة إزاء حقيقة استحالة بناء كيان عراقي يستطيع أن يمزج بين عناصره المختلفة. \r\n \r\n وبعيدا عن صحة هذا التحليل، فمن الواضح أن رؤية المؤلفين تتسم بقدر غير محدود من التعسف بشأن نسيج المجتمع العراقي وحدود التمايز بين طوائفه، فمع الإقرار بوجود إدراك بهذا التمايز بين هذه الطوائف، إلا أنه لم يصل إلى الحدود التي يصورها المؤلفان والتي يريان بناء عليها أنها تقف عائقا أمام وحدة العراق. \r\n \r\n ولعل فيما يشير اليه المؤلفان وأحداث التاريخ نفسه ما يؤكد أن الشيعة بشكل خاص ليس لديهم ذلك التوجه الذي ينحو إلى الوحدة على الرغم من كل طموحاتهم إلى المشاركة في الحكم بالنسبة نفسها التي تعبر عن حقيقة أغلبيتهم العددية في المجتمع العراقي. \r\n \r\n ولذلك وبناء على هذه الرؤية التي نذهب اليها نجد المؤلفان يعودان ليقولا انه على الرغم مما ذكراه فقد كانت هناك مبادرات للوحدة الوطنية ولكنها كانت قليلة جدا وعلى فترات متباعدة الأمر الذي يتمثل في الثورة ضد البريطانيين عام 1920 والتماسك الداخلي العراقي بين عامي 1980 و 1988 الأمر ا لذي ألقى بتأثيره الإيجابي على وحدة العرب سنة وشيعة وإن لم يلق التأثير نفسه بالنسبة للأكراد. \r\n \r\n العراق والتدخلات الخارجية \r\n \r\n من تناول الجوانب الداخلية المتعلقة بمشاكل التركيبة العراقية ينتقل المؤلفان للعوامل المرتبطة بالقوى الخارجية وتأثيرها على مجمل الأوضاع في العراق، تلك القوى التي وجدت صعوبة في مقاومة التدخل في الشئون الداخلية للعراق. \r\n \r\n ووفق ما يذهب اليه الكتاب فإنه منذ بداية الستينيات كانت أغلب قوى المنطقة البارزة بما فيها إسرائيل والإتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة قامت بالتفكير في وقت أو أخر باستغلال الفئات الداخلية للعراق من أجل تحقيق عدد من المكاسب الإستراتيجية. \r\n \r\n وكان هذا في العادة يأخذ شكل توصيل الموارد إلى الأكراد او الأحزاب الشيعية من أجل إضعاف الحكم المركزي، ومساندة التحرك المسلح في الشمال والجنوب، بما يخدم المصالح الإستراتيجية لقوى المنطقة، ولكن الشيعة والأكراد دفعوا ثمنا غاليا جراء انسياقهم وراء هذه المخططات، فضلا بالطبع عن تأثر الأوضاع على صعيد نظام الحكم في العراق. \r\n \r\n وهنا لا ينفي المؤلفان حقيقة ما مثله التدخل الخارجي المستمر من تأثير سلبي على مساعى إيجاد شعور مشترك من الوحدة الوطنية بين العراقيين بما جعل الأمر يبدو شبه مستحيل. وعلى هذا ينتهي المؤلفان الى ما يعتبراه حقيقة تمثل نوعا من التصديق على ما جرى في العراق على مدى العقود الماضية على الرغم من انتقادهما له . \r\n \r\n وتتمثل في أن الوضع هناك إنما كان يتطلب على الدوام حكومة مركزية قوية على استعداد للجوء إلى العنف لفرض الإستقرار الداخلي وأنه في ظل غياب مثل هذا النظام يكون من الصعب تصور وجود عراق قوي قادر على التماسك ككيان إقليمي . \r\n \r\n وهو الأمر الذي يمثل جزءا من تشخيص المؤلفين لطبيعة الأزمة في المجتمع العراقي واعتبار أن ما كانت عليه الاوضاع خلال العقود الماضية نتيجة منطقية لإفراز تاريخي معين بغض النظر عن قبول هذه الأوضاع من عدم قبولها. \r\n \r\n وهنا يقدم المؤلفان المزيد من التفصيل بشأن رؤيتهما حول إمكان الأخذ بالنهج الديمقراطي في العراق، مشيرين إلى إن المشكلة الحقيقية بالنسبة للشأن العراقي كانت على الدوام تتمثل في أنها أي الديمقراطية سوف تدمر سيادة وهيمنة السنة على أنظمة الدولة. \r\n \r\n وخروجا من هذا الوضع يذهبان إلى أنه كان يمكن تنفيذ بعض الأشكال لترتيب مشاركة القوى الأخرى بطريقة تحمي الأقلية السنية من سكان العرب وتضمن لهم على الأقل بعض الأصوات في الحكومة وإن كان الأمر يتطلب في الوقت ذاته ما يمكن اعتباره تنازلا من السنة يتمثل في أن الوصول إلى أي شكل من أشكال الديمقراطية يتطلب منهم القيام بالتخلي عن قدر من القوة والنفوذ الذي يتمتعون به. \r\n \r\n وتتمثل المشكلة في احتمالات انتقال السنة بين عشية وضحاها من مركز السيطرة والهيمنة السياسية إلى مركز التبعية، الأمر الذي يعد من الصعب عليهم أن يتقبلوه. \r\n \r\n عوامل النجاح \r\n \r\n على الرغم من طرحهما المتمثل في صعوبة تحقيق الديمقراطية في العراق في ظل طبيعة تركيبته العرقية والطائفية إلا أن الباحثين يحاولان تتبع ملامح الأوضاع التي يمكن أن تفرز هذا الوضع. وعلى هذا الأساس يقرران صعوبة نجاح المهمة المعلنة للولايات المتحدة بجعل العراق دولة ديمقراطية، حيث أن هذا وفقا لهما يعد هدفا بعيد المنال ليس على مستوى العراق وحده وإنما على مستوى الشرق الأوسط كذلك. \r\n \r\n إن الديمقراطية، حسب الكتاب، تتطلب موافقة المحكوم فلا يمكن تطبيقها داخل دولة بالقوة من دون رغبة شعبها. وفي الوقت الحالي وبدون مبالغة هناك شعور كبير بعدم الثقة تجاه نوايا الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، الأمر الذي يصل بالكثيرين في المنطقة إلى حد تصور أن أحداث 11 سبتمبر لم تكن سوى ذريعة لشن حملة صليبية ضد العالم الإسلامي. \r\n \r\n وعلى ذلك فإن مأزق ادارة بوش يتمثل في كيفية إقناع منطقة يسود فيها العداء والشكوك تجاه الولاياتالمتحدة بأن الحرب على العراق ليست مشروعاً وحشياً إمبريالياً حديث العهد للسيطرة على ثاني أكبر اتحتياطي عالمي من النفط فقط. \r\n \r\n وبوضوح، يقول ليام أندرسون وغاريث ستانسفيلد: »في معركة الحصول على القلوب والعقول ،فإن الولاياتالمتحدة قد بدأت من الصفر تقريبا. \r\n \r\n ولكي نكون متفائلين فإن الولاياتالمتحدة من المحتمل أن تنجح في هذا ولو أن إعادة الإعمار الإجتماعي والسياسي والإقتصادي في العراق قد صادفت قبولا من الشعب العراقي فسيكون هناك طريق طويل لإقناع المنطقة بالنوايا الحميدة للولايات المتحدة«. \r\n \r\n وهذا يعتمد إلى حد كبير على رد فعل الشعب العراقي تجاه الاحتلال العسكري للولايات المتحدة. وانطلاقا من هذه الرؤية فإن كل النوايا الحسنة سيصيبها الفشل لو لم تحقق الولاياتالمتحدة وعودها وفيما تكافح القوات الاميركية في الوقت الحاضر لتحقيق الحد الأدنى من النظام والقانون فإن الموقف يبدو مثيرا للاشمئزاز. \r\n \r\n متطلبات تعزيز الديمقراطية \r\n \r\n يحاول المؤلفان في إطار مساعيهما لرسم سيناريوهات الأوضاع المحتملة في العراق مناقشة الفرضية الأميركية بتحقيق الديمقراطية في العراق باعتبار أن ذلك هو الهدف الذي كان وراء كل ما حدث في العراق منذ بدايات عام 2003. \r\n \r\n وفي مسعاهما للإجابة على السؤال المتعلق بما يتطلبه الأمر لتحقيق الديمقراطية يشيران إلى أنه لو أن الإجابة على هذا السؤال معروفة لكان من المفترض أن يكون العالم مستقرا بشكل كبير في الوقت الحاضر وسط العديد من الديمقراطيات الموحدة التي تنتشر في أرجائه. \r\n \r\n ومن هنا فإنهما يستعرضان مجمل القضايا المتعلقة بتطورات الوضع الديمقراطي على مستوى العالم كمدخل لمناقشة الوضع في العراق بشكل خاص والشرق الاوسط بشكل عام. \r\n \r\n وعلى حد ما يذكران فإن التفاؤل الذي ساد خلال التسعينيات فيما يتعلق بسهولة أخذ الحكومات المختلفة بالديمقراطية تراجع الآن إزاء الحقيقة الصعبة والتي تكشف عن أنه من بين 100 من هذه الدول التي تعتبر في مرحلة انتقالية على طريق الأخذ بالنهج الديمقراطي، فإن أقل من الخُمس يسيرون في الإتجاه الصحيح فيما أن الأغلبية العظمى إما أنها أرتدت إلى مستويات سابقة من الديكتاتورية. \r\n \r\n أو علقت في منطقة رمادية بين الديمقراطية والديكتاتورية ولم تذهب أبعد من هذا. وعلى ذلك فإن الانتقال الناجح نحو الديمقراطية لم يحدث سوى في مراكز محددة ثقافيا وجغرافيا (وسط أوروبا وأميركا اللاتينية) ما يؤكد بشكل عام أن الديمقراطية تبدو أكثر صعوبة للتحقق أكثر مما كان يسود في السابق من تصورات. \r\n \r\n وهنا يقدمان النموذج الذي أعده فرانسيس فوكوياما في مسعاه لتحليل صعوبات الأخذ بالديمقراطية حيث ألقى الضوء على بعض من صعوباتها وقام بتطوير نموذج يتصور أن هناك أربعة مستويات للديمقراطية هي: \r\n \r\n ؟ المستوى الأول وهو أكثر المستويات بساطة ويتضمن إلتزاماً مبدئياً تجاه فكرة الديمقراطية ما يعني أن الديمقراطية لا تستطيع أن تحيا إلا اذا آمن الناس بها وأن الاعتقاد بشرعية الديمقراطية غير كاف لضمان ديمقراطية موحدة. \r\n \r\n ؟ المستوى الثاني ويشير إلى وجود الديمقراطية على مستوى المؤسسات والهيئات والأنظمة الانتخابية والأحزاب السياسية \r\n \r\n المستوى الثالث يتضمن وجود مجتمع مدني من خلال خلق تركيبات إجتماعية تلقائيا (جماعات الخير، وسيلة إعلام مستقلة، جماعات الحقوق المدنية) توجد خارج سيطرة الدولة وتعمل على التوفيق بين الأفراد والحكومة. \r\n \r\n المستوى الرابع وهو أعمق مستوى ويتضمن ظواهر مثل بناء الأسرة، الدين، القيم الأخلاقية والوعي العرقي والحضرية والتقاليد التاريخية. \r\n \r\n وبناء على هذا الأساس يشيران إلى أن هذا النموذج إنما يعد بمثابة مرشد بشأن سبل وإمكانيات الأخذ بالديمقراطية في العراق ويؤكد على خطورة المهمة التي تواجه بناءها في عراق ما بعد صدام حسين \r\n \r\n خيارات أميركا \r\n \r\n من رصد وتحليل مستويات الديمقراطية وفقا لنموذج فوكوياما ينتقل المؤلفان إلى محاولة تحدي خيارات الولاياتالمتحدة في هذا الصدد، وهنا يشيران إلى أن نوايا الإدارة الأميركية بشأن العراق والمتعلقة بإعادة إعماره بعد الحرب وتحقيق الديمقراطية أمور لم يتم أبدا إعلانها بوضوح قبل بداية الحرب. \r\n \r\n ويشيران إلى أنه لمزيد من الدقة يمكن القول أنه تم فقط مناقشة مجموعة متنوعة من المقترحات عكست في الأغلب وبشكل كبير الإنقسامات داخل إدارة بوش إلى المدى والفترة التي تلي أي حرب تشتر