ومقارنة بالتقييم الأكثر تفاؤلاً بشأن الوضع الأمني الدولي في أواخر التسعينيات والذي انعكس في تقرير عام 1998 الذي ركز على مجالي التطوير والتعاون فإن التقرير الحالي قد سلط الضوء على التعقيدات التي طرأت على الساحة وخلص إلى أن 'آثار العوامل العسكرية على الوضع الدولي والأمن القومي ظلت في تصاعد مستمر'. وأنه وفي الوقت الذي 'استمر فيه عدم التوازن العسكري فإن الاتجاه السائد لزيادة الاعتماد على القوة العسكرية قد يؤدي إلى التأثير على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية' وفقاً لما جاء في التقرير الرسمي. وبلا شك فإنه من الواضح أن التركيز ينصب على استخدام الولاياتالمتحدة للقوة العسكرية في شن الحرب على العراق بالإضافة إلى توسع حضورها الاستراتيجي العسكري في آسيا. ولكن هذا الأمر لن يقلل من إدراك الآخرين أن الصين نفسها لربما انتهجت نوعاً من التغيير في دورها كقوة عسكرية متنامية. \r\n وغني عن القول إن أكبر تهديد مباشر تنظر إليه الصين كخطر على سيادتها وأمنها الإقليمي أصبح يتمثل في الاتجاه المتصاعد في 'النشاط الاستقلالي' لتايوان مؤخراً والذي وصفته بكين بأنه نوع من 'التحدي المتهور' للوضع الراهن الذي ظل أمراً واقعاً لأكثر من نصف قرن من الزمان. وهذا إذن ما يفسر الإنذار الحاد والواضح بإمكانية اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية حتى في مرحلة مبكرة من أجل إيقاف أية ميول انفصالية في حرب وصفت بأنها 'الواجب المقدس' للجيش. ولكن الإمكانيات التي تم حشدها لا تقتصر فقط على مواجهة نزاع تايواني محتمل بينما ظلت الولاياتالمتحدة الأميركية تمثل المرجعية المركزية لهذا الحشد على الرغم من أن الأمر قد يتطلب وقتاً طويلاً من الولاياتالمتحدة للاقتراب من هذا المسرح. والآن فإن القوة العسكرية الصينية قد بلغت مستويات تكنولوجية وعملياتية تمنحها تفوقاً واضحاً على معظم جيرانها في القارة الآسيوية. \r\n لقد بدا من الواضح أن الصين عازمة على تجاوز ضعفها التكنولوجي السابق بتحديث الجيش ب'قفزات' من أجل بناء جيش قوي عبر الوسائل العلمية والتكنولوجية والإسراع في 'تثوير الشؤون العسكرية' بالخصائص الصينية. ومن أجل تفعيل المزيد من التحول في نوعية وكفاءة القوة العسكرية فإن الصين تخطط لتخفيض أعداد قواتها البرية بنحو 000.200 جندي بحلول عام 2005 بينما تعمل على تقوية وتعزيز قواتها الجوية والبحرية. وكما يبدو فإن الهدف من ذلك هو 'ترقية وتحسين تطوير التنسيق في قوة النيران وفي القدرة على الحركة وتدفق المعلومات وتعزيز تطوير القوة العملياتية مع منح الأولوية للقوات الجوية والبحرية والمدفعية الثانية (قوة الصواريخ النووية) بالإضافة إلى تقوية وتعزيز القدرة الشاملة على الردع والمقدرة على شن المعارك الحربية'. وبالتزامن مع ذلك يتم التركيز على تطوير الموارد البشرية وبخاصة في مجال تدريب القيادات على الحروب الحديثة. \r\n ومن جهة أخرى فإن الاستثمارات المالية من قبل الصين على قوتها العسكرية المتنامية تعتبر قليلة مقارنة بإجمالي الناتج المحلي للدولة إذ وصلت إلى 69.1 في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي الصيني لعام 2004 بينما بلغت جملة الإنفاق 7.211 مليار يوان (6.25 مليار دولار أميركي تقريباً). ولكن هذا المبلغ يجعل من الصين ثاني أكبر قوة عسكرية في آسيا بعد اليابان من ناحية الإنفاق. ولقد ازداد مستوى الإنفاق العسكري خلال فترة السبعة أعوام الماضية بمعدل بلغ 55 في المئة وما زال هذا التصاعد مستمراً حيث إن الصين ستصبح الأكبر في الإنفاق العسكري في غضون العقد القادم. على أن الصين قد أخذت تتخلص أيضاً من عزلتها التي سادت في الفترة الماضية وشرعت الآن في انتهاج دبلوماسية عسكرية مع عدد كبير من الدول عبر التواصل والتبادل العسكري-العسكري من أجل بناء الثقة والفهم المشترك. وقد بدأت أصلاً في إجراء التمارين المشتركة وبخاصة في مجال تقنيات محاربة الإرهاب، بينما بدأت تلعب دوراً في عمليات حفظ السلام. وبالإضافة إلى ذلك فقد عمدت الصين إلى إجراء حوار بشأن الاستراتيجية والأمن مع عدد من الدول الكبرى إضافة إلى جنوب أفريقيا وبولندا. ولكن أقوى الروابط التي استحدثتها مؤخراً تلك التي أنجزتها مع روسيا الاتحادية كما تخطط لإجراء حوار استراتيجي مع الولاياتالمتحدة الأميركية. \r\n لقد بات من الواضح أن الصين تهدف إلى تحويل مقدراتها العسكرية إلى واحدة من القوى الأكبر في العالم قاطبة. ورغم أنها بالطبع لن تتمكن من تحدي الولاياتالمتحدة الأميركية في وقت طويل قادم ولكن اختيارها للتحديث والتركيز بشكل خاص على الحروب التي تعتمد على القوة الجوية والفضاء وتكنولوجيا المعلومات من شأنه أن يمنحها مقدرات تجعل من استخدام الولاياتالمتحدة للقوة العسكرية ضد الصين أمراً يكتنفه الكثير من الصعوبات. وفيما يبدو فإن وقت حدوث هذا النوع من المواجهة بشأن تايوان قد ولى إلى غير رجعة. ولكن الصين ليس من المرجح أن تدخل في صراع عسكري حتى مع تايوان ما لم يتم إجبارها على ذلك عبر إعلان عن الاستقلال من جانب تايبيه. \r\n وفي الوقت الذي يمكن فيه للصين أن تشكل تهديداً عسكرياً لبعض الدول المجاورة لها في المستقبل إلا أن بروزها كقوة عسكرية هائلة من الممكن أن يعزز من مكانتها وسط الدول الآسيوية بحيث ترغب المزيد من هذه الدول في توثيق علاقات التعاون معها. ولكن هذا الأمر يجب النظر إليه ضمن إطار القوة الشاملة لهذه الدول. \r\n وعلى سبيل المثال ورغم أن معدل النمو الحالي في إجمالي الناتج المحلي للصين سيجتاز إجمالي الناتج الأميركي بحلول عام 2015 إلا أن الدولة المؤهلة لاحتلال المرتبة الثالثة هي الهند تليها اليابان. وهذه الدول الأربع من المرجح أن تعمد أيضاً إلى بناء وحشد مقدرات عسكرية عصرية وقوية، لذا فإن ما نتوقعه هو أن يحدث توازن متنامٍ للقوة الشاملة في هذه الدول الرائدة في آسيا مما يقود العالم إلى نظام دولي متعدد المركزية. ولكن الصين والهند ما زالتا تواجهان تحديات كبيرة بشأن التنمية والتطوير البشري حتى تستطيعا مواكبة متطلبات منتصف القرن الحادي والعشرين. وهو الأمر الذي سيفرض عليهما قيوداً هائلة في استخدام القوة العسكرية. ولكن المشكلة قد تأتي من قوى متوسطة أو أصغر حجماً وهي تحاول أن تغير الأمر الواقع عبر استخدام القوة النووية العسكرية لإجبار واحدة أو أكثر من القوى العظمى للتدخل بشكل أو بآخر. \r\n \r\n \r\n