وعلى رغم أنها لا تمثل إحدى أهم وأكبر القوى في العالم الإسلامي المترامي الأطراف إلا أن تنظيم \"القاعدة\" وحركة \"طالبان\" والجماعات الإسلامية المتشددة بالإضافة إلى المتزمتين من الطوائف الأخرى قد عقدت العزم فيما يبدو على اقتلاع النفوذ الأميركي والغربي من داخل مجتمعاتهم. أما واشنطن من جانبها فقد تعهدت بسحق الجماعات الإرهابية الإسلامية وبناء ديمقراطية علمانية في ما أسمته بالشرق الأوسط الجديد. وبينما تتحرك الجماعات الإسلامية بدافع مشترك من الوطنية والدين فإن واشنطن تحركها عوامل الخوف والأيديولوجيا. ويبدو أن أياً من الطرفين لن يكون بمقدوره تحقيق النجاح ولكن المعركة ستنطوي على تكاليف باهظة. \r\n \r\n على أن التطرف قد استوطن في الداخل والخارج على حد سواء. وأثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية وجه الليبراليون انتقادات شرسة لجورج دبليو بوش بأنه استغل الحقوق الإنجيلية البروتستانتية من أجل إعادة انتخابه كرئيس لفترة ثانية. ولم يدرك الليبراليون الديمقراطيون إلا مؤخراً أن علمانيتهم هي التي أدت بهم إلى تجرع الهزيمة في تلك الانتخابات. وكان الجمهوريون قد لجأوا إلى استغلال مواضيع ثقافية وأخلاقية مثل الإجهاض والمثلية الجنسية وحقوق المرأة من أجل إلهاء الناخب العادي عن المسائل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي لديها ارتباط مباشر بمعيشته اليومية، والتي تتفق من الناحية العملية مع ما طرحه الديمقراطيون من برامج. \r\n \r\n وعلى كل فإن الديمقراطيين تأثروا بعزوف ونأي بعض مؤيديهم الطبيعيين بسبب علمانيتهم والتزامهم غير المحتمل بمسائل حقوق المرأة والدفاع عن حقوق الشواذ وهي مسائل تؤيدها النخبة الديمقراطية ولكنها لا تثير اهتمام الناخبين في الطبقة العاملة أو الطبقة الوسطى. ويبدو أن الديمقراطيين في كثير من الأحيان آثروا عدم الاستجابة لمثل هؤلاء الناخبين الذين قدموا الدعم الكبير لفرانكلين روزفلت في مشروعه الذي عرف باسم \"الصفقة الجديدة\" وكذلك للرئيس هاري ترومان في الضربات التي وجهها إلى المصالح الانتهازية لرجال الأعمال. \r\n \r\n لقد بتنا نشهد بروز قدر مشابه من العلمانية في أوروبا حالياً، حيث وجد البرلمان الأوروبي نفسه في ضجة أثارها المرشح الإيطالي في المفوضية الأوروبية الجديدة روكو باتيجليوني عندما عبر عن آراء غالبية الكاثوليك التقليديين في مسألتي الزواج والمثلية الجنسية. وكان قد أشار إلى أن الدور \"الطبيعي\" للمرأة يجب أن يقتصر على تنشئة الأطفال ورعاية المنزل. وأضاف مشيراً إلى أن المثلية الجنسية هي بالضرورة إثم يتعارض مع التعاليم الدينية. وعلى رغم أن هذه الممارسات لم تكن تثير الكثير من الجدل والاهتمام في البرلمان الأوروبي في السابق، ولكن لجنة الحريات المدنية في البرلمان شجبت الآراء التي عبر عنها باتيجليوني واعتبرتها غير مناسبة لخدمة أهداف الاتحاد الأوروبي الذي يدين لأصوله التاريخية التي تعود إلى التعاون الوثيق لفترة ما بعد الحرب ما بين الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية المسيحية. \r\n \r\n وجاء رد فعل الفاتيكان غاضباً ووصف رفض آراء باتيجليوني بأنه من الأفعال الجديدة المناوئة للمسيحية. ويذكر أن الحرب بين العلمانية التنويرية والكنائس المسيحية قد بدأت منذ القرن الثامن عشر واستمرت إلى القرن العشرين في فرنسا. وما زالت المعركة بشأن وجود وتمويل المدارس الكاثوليكية في فرنسا التي اندلعت في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي ماثلة في الأذهان قبل أن يتأجج نزاع جديد في القرن الحادي والعشرين بشأن ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في المدارس العلمانية. \r\n \r\n وفي أميركا المعاصرة ظلت الحقوق الفردية المتعلقة بالحرية والديمقراطية تصطدم بعملية التمييز العنصري المنصوص على منعها في الدستور إلى أن تم حل المشكلة في حقبة الستينيات. وإلى وقت قريب في العشرينيات من القرن الماضي كانت جماعة ال\"كوكلكس كلان\" التي نشأت في الجنوب أثناء فترة إعادة إعمار ما خلفته الحرب الأهلية تشهد انبعاثاً متجدداً في الشمال والغرب الأميركيين في ولايات مثل أنديانا وأوهايو وأوريجون وكاليفورنيا وأوكلاهوما قبل أن تكتسب نفوذاً سياسياً متعاظماً في جميع هذه المناطق بحلول عام 1924. \r\n \r\n لقد ظلت هذه العصابات تؤجج العداوات بين البروتستانت والكاثوليك وتثير الديانات الأخرى بهدف إرهاب وتهديد اليهود وتضع البيض في مواجهة السود بينما ظلت تدافع عن العنصر الأميركي النقي ضد المهاجرين والمعتدين من القوى الأجنبية الخارجية. وقد تجلت هذه المخاوف بوضوح في معارضة البروتستانت لترشيح جون كينيدي للرئاسة في عام 1960 عندما وصموه بأنه سيتلقى أوامره من بابا الفاتيكان. \r\n \r\n إن ظهور الحق الإنجيلي في البروتستانتية الأميركية اليوم يعتبر النسخة المعاصرة ل\"لصحوة العظيمة\" التي كانت قد شهدتها البروتستانتية الأميركية في الماضي والتي تمحورت في التطرف والتشدد والوطنية الانعزالية. ولكنها في هذه المرة تمكنت من التعبير عن نفسها عبر السياسيين الجدد المتنفذين في الأجهزة الإعلامية الذين راحوا يروجون لفكرة أن الولاياتالمتحدة الأميركية لديها حق إلهي مقدس، متناسين أن التعاليم المسيحية لا تتعارض مع الحرية الدولية ولا مع مواثيق الأممالمتحدة. \r\n \r\n لقد باتت تحرك الزمن المعاصر نفس الأساطير التي شهدتها أوقات أخرى من التاريخ. على أن أولئك المندفعين بوحي الأسطورة في عالم اليوم هم الذين يملكون ترسانة من الأسلحة قلما توفرت لأي جهة ما في الزمن الغابر. وسيظل وحي الأسطورة والرغبة الملحة في لعنة الأعداء يشتدان كلما اشتد أوار النزاع والصراعات. هذا هو السيناريو الذي ظل يسيطر على مجريات الأمور في العام الماضي والذي ربما ندفع ثمنه لأعوام قادمة!. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس انجلوس تايمز\" \r\n \r\n