لذلك فإن الخطة المتعلقة بنقل الشؤون الأمنية للعراقيين تدريجياً، والتي يعكف الأميركيون عليها في الوقت الراهن تبدو وكأنها محكوم عليها بالفشل منذ البداية. بيد أن قيامنا بإلقاء نظرة أكثر قرباً على أساليب \"الإرهابيين\"، قد يعطينا إشارات، أو أدلة يمكن أن تفيدنا في اتباع نهج أفضل لمقاربة الموضوع الأمني في العراق. \r\n \r\n فالمتمردون البالغ عددهم زهاء 15 ألف فرد، هم في الحقيقة مخربون تراودهم أحلام مختلفة طويلة الأمد، تتراوح ما بين الحلم المستحيل الخاص بإعادة نظام حكم البعث إلى السلطة، وبين حلم إقامة حكومة دينية أصولية استبدادية في العراق. ولكن عدم جدوى تلك الأهداف في الأمد الطويل لا يعني أنها غير مفيدة في الأمد القصير لأصحابها. فالجنود الذين التحقوا حتى الآن بقوات الأمن العراقية، والبالغ عددهم 150 ألف جندي لا يستطيعون أن يفعلوا سوى القليل في التصدي لهؤلاء المتمردين. وحتى لو زادت أعداد هؤلاء الجنود حتى وصلت إلى 500 ألف جندي من خلال دورات التدريب التي تقام على عجل، فإنهم سيظلون غير فاعلين ومفتقرين إلى الكفاءة إلى حد كبير. \r\n \r\n أما القوات العسكرية التقليدية فهي مجهزة لمواجهة الأعداء الذين يعتدون على التراب الوطني وبالتالي فهي غير مجهزة للقيام بالعمليات التي تتم في المدن، وهي تحديداً العمليات التي يمكن بواسطتها هزيمة خلايا حرب العصابات الصغيرة. وفي الحقيقة أن العراق بحاجة إلى قوات أمنية مدربة خصيصاً على مقاومة \"الإرهاب\" ومواجهة التمرد. ولكن الولاياتالمتحدة الأميركية، وبسبب مستوى التمرد الذي لم تكن تتوقعه، وجدت نفسها مضطرة إلى استخدام قوات الجيش العراقي الناشئ، وقوات الحرس الوطني الحديثة التكوين في مقاومة \"الإرهابيين\" فلم تكن النتيجة كما هو مطلوب. ومعظم أفراد الحرس الوطني تلقوا تدريباً عسكرياً مختصراً، أما قوات الجيش فقد تم إعدادها خصيصاً للدفاع العسكري التقليدي ضد التهديدات الخارجية كما قلنا من قبل. والقيام بالزج بهؤلاء الجنود الآن للقيام بمهام مقاومة التمرد، لا يمثل فقط سوء استغلال للتدريب الذي حصلوا عليه، ولا يعتبر ضياعاً للنفقات التي أنفقت على هذا التدريب، ولكنه يعتبر في نفس الوقت نوعاً من السياسات الخاطئة... لماذا؟ لأن الجيش كان أداة للقمع تحت حكم صدام حسين، وبالتالي فإنه لا يجب أن يلعب دوراً أمنياً داخلياً بارزاً في العراق الديمقراطي. \r\n \r\n الحل يكمن في إنشاء قوات أمن داخلي عراقية مدربة تدريباً خاصاً ومنفصلة عن قوات الجيش النظامي. ويجب على هذه القوات أن تشمل قوات متحركة لمقاومة \"الإرهاب\"،وكتائب مشاة خفيفة تابعة للشرطة، بالإضافة إلى الكتائب ذات الأسلحة والتكتيكات الخاصة والتي يطلق عليها وحدات \"SWAT\". في الوقت الراهن لا يوجد سوى عدد محدود من الكتائب التي حصلت على مثل هذا النوع من التدريب. ولكن عن طريق توفير التنسيق الاستخباراتي، والدعم اللوجستي الأميركي، استطاعت تلك الكتائب العمل بفاعلية وكفاءة، بل وأبلت بلاء حسناً إلى جوار قوات التحالف في الفلوجة وسامراء، كما أنجزت عملية تخليص رهائن في كركوك اقتصر دور الأميركيين فيها على تقديم الدعم اللوجستي فقط، وقامت بالعديد من عمليات الدهم المفيدة. \r\n \r\n وللأسف الشديد، أن التحالف تأخر كثيراً عن الموعد الذي كان محدداً لبناء تلك الوحدات، التي يستغرق تدريبها 16 أسبوعاً على الأقل للرجل الواحد، مقارنة بأسبوعين من التدريب الأساسي الذي يحتاجه جندي الحرس التقليدي. \r\n \r\n وهناك في الوقت الراهن مجندون من القوات العراقية المختلفة يتم تدريبهم في القواعد العسكرية، وأكاديميات الشرطة في مختلف أنحاء العراق، بواسطة أفراد التحالف والضباط العراقيين الذين اجتازوا دورة (تدريب المدربين) المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك يدرس بعض الضباط العسكريين حالياً، في دورات لتعليم فن القيادة في الكليات العسكرية في أميركا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا، كما يتلقى جنود الشرطة تدريباً مكثفاً على مقاومة التمرد في الدول المجاورة بما فيها الأردن. \r\n \r\n والهدف المحدد من قبل التحالف هو إنشاء 33 كتيبة من تلك القوات تضم 25 ألف جندي وهو عدد يبدو معقولا (فلو تمت زيادة هذا العدد عن ذلك، فسينشأ خطر طويل الأمد يتمثل في وجود قوة قادرة على منافسة الحكومة المدنية في السلطة والنفوذ). وأفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف، هي نشر المزيد من ألوية التدريب الأميركية (يفضل أن تضم أعضاء من كتائب القوات الأميركية الخاصة \"الرينجرز\" التي تمثل قوات النخبة في الجيش الأميركي)، بالإضافة إلى عدة مئات إضافية من مدربي قوات الشرطة من الوزارات المحلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في الولاياتالمتحدة الأميركية. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن تلك المساعدة ستكون حيوية، فإن التحالف يجب أن يراعي عدم التضحية بالمبادئ الضرورية للديمقراطية مثل حقوق المعتقلين، والسيطرة المدنية على القوات المسلحة، علماً بأن الأخيرة على وجه التحديد تشكل خطراً كبيراً خصوصاً إذا ما أصبح الجيش منخرطاً في أدوار أمنية داخلية. \r\n \r\n وتدريب هذه القوات المتخصصة سيستغرق وقتاً. لذلك يجب على الولاياتالمتحدة أن تكون مستعدة لتحمل العبء الرئيسي عن توفير الأمن العراقي خلال الستة إلى الإثني عشر شهراً القادمة، وأن تتخذ الخطوات الكفيلة بذلك. وإدارة بوش المغرمة للغاية بإذاعة الأعداد الكبيرة للجنود العراقيين وقوات الشرطة العراقية التي ترتدي الزي الرسمي، والتي تفتخر بذلك على ما يبدو، يجب أن تعرف أن الأمر ليس مجرد أعداد صماء فقط، وأنها يجب أن تقوم بدلا من ذلك بالتركيز على تدريب النوع المناسب من قوات الأمن العراقية كي تقوم بتنفيذ المهام المنوطة بها. \r\n \r\n \r\n بيتر خليل \r\n \r\n المدير السابق لسياسات الأمن القومي لسلطة الائتلاف المؤقتة في العراق \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز