وعندما يتحقق ذلك فإن حدود الاتحاد ستمتد لغاية حدود العراق وسوريا وإيران. ويعتبر هذا تطوراً ذا أبعاد تاريخية ليس لتركيا فقط ولكن للعالمين العربي والإسلامي أيضاً. ويكتسب هذا التطور أهمية متزايدة، لأنه يأتي في وقت أصبحت فيه علاقات الولاياتالمتحدة الأميركية مع العالم الإسلامي مشحونة بالعنف والكراهية، وبشكل لم يكن له مثيل من قبل. والقادة الأوروبيون، عندما قاموا بمد أيديهم إلى تركيا، فإنهم أرسلوا في الحقيقة إشارة معناها أنه ينبغي عدم السماح أبداً للجروح التي تعتري العلاقة بين الإسلام والغرب بالتفاقم، وإنما يجب العمل على البحث عن سبل لعلاجها. وهي رسالة تحتاج الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص إلى الالتفات إليها، وإدراك كنهها ومغزاها. \r\n \r\n ورئيس الوزراء التركي \"رجب طيب أردوغان\" حقق نصراً سياسياً كبيراً، ببروزه كشخصية رئيسة على المسرح الدولي. فهو كان قد رهن مصداقية حكومته، وسمعته الشخصية، بل وربما مستقبله السياسي بالحصول على ضوء أخضر من الاتحاد الأوروبي، للبدء في المفاوضات المؤدية لانضمام بلاده إلى الاتحاد. وهذا الهدف كان هو الهدف الذي مثل أولوية قصوى لدى الرجل خلال العامين الماضيين. فمجمل أجندته الجسورة للإصلاح الداخلي: إلغاء عقوبة الإعدام، تجريم التعذيب، وحماية الأقليات، ومنح الأكراد المزيد من الحريات، وتقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وتعزيز الديمقراطية- كانت موجهة لغاية واحدة وهي الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n والآن تمت مكافأة \"رجب طيب أردوغان\"، وذلك بعد أن حصل على الضوء الأخضر المطلوب. ففي قمة \"بروكسل\" التي عقدت في 16-17 من شهر ديسمبر الحالي، قدم رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي عرضاً لتركيا بالبدء في مفاوضات الانضمام في الثالث من شهر أكتوبر 2005، وهو ما قبلته الحكومة التركية. \r\n \r\n كانت هناك بالطبع بعض العقبات التي عادة ما تحدث في اللحظة الأخيرة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبيرة. فقادة الاتحاد الأوروبي، طلبوا على سبيل المثال من\" أردوغان\" الاعتراف بجمهورية قبرص- أي الجزء اليوناني من الجزيرة المقسمة. ولكنه كان من الصعب على رئيس الوزراء التركي القيام بذلك خصوصاً إذا ما تذكرنا أن سكان الجزيرة القبارصة اليونانيين كانوا قد رفضوا في شهر إبريل الماضي الخطة المطروحة من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة \"كوفي عنان\" بإعادة توحيد الجزيرة. وفي ذلك الوقت بذل \"أردوغان\" جهداً كبيراً لإقناع القبارصة الأتراك بالتصويت لصالح خطة \"عنان\" وهو ما قاموا به بالفعل. ولكن القبارصة اليونانيين، أفسدوا الصفقة عندما رفضوا خطة \"عنان\". لذلك فإن القيام الآن بمكافأة هؤلاء السكان من خلال الاعتراف بجمهورية قبرص، كان أمراً مستحيلا من الناحية السياسية، علاوة على أن الرأي العام التركي لم يكن سيقبله بأي حال من الأحوال. \r\n \r\n لذلك تم التوصل إلى تسوية بديلة في العاصمة البلجيكية \"بروكسل\". حيث وافق \"أردوغان\" على مد اتفاقية الجمارك الموقعة 1963 بين تركيا وبين عدد من الدول الأوروبية بحيث تشمل الأعضاء العشرة الذين انضموا حديثاً للاتحاد الأوروبي بما في ذلك جمهورية قبرص. ومن الناحية القانونية لا يستتبع ذلك قيام تركيا بالضرورة بالاعتراف بالحكومة القبرصية. فهذا الاعتراف سيحدث عندما تتوحد الجزيرة مستقبلا، أو بمجرد أن تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n لقد عزز \"رجب طيب أردوغان\"، وطور، التوجه الغربي لدى تركيا الذي نشأ على أيدي مصطفى كمال في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. كان مصطفى كمال أتاتورك \"أبو الأتراك\" هو مؤسس الجمهورية التركية التي أعلنت في التاسع والعشرين من أكتوبر 1923، عقب سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. وبعد مرور ما يقل عن عام على تاريخ إعلان الجمهورية التركية، تم إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً في الثالث من مارس 1924. وقامت تركيا عقب ذلك بإلغاء المدارس الدينية، والمؤسسات الدينية، والمحاكم الشرعية، واستبدالها بوزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم. في حين قام الدستور الجديد الذي تم إقراره في تلك الفترة بالفصل بين الدين والدولة. وفي السابع عشر من فبراير1926، قامت تركيا بتطبيق القانون المدني السويسري الذي كان ينص على: إلغاء تعدد الزوجات، والاعتراف بالزواج المدني، ومنح الحرية لكل رجل بالغ أو امرأة بالغة لاعتناق الدين الذي يرغبه. وفي الأول من نوفمبر 1928، تم استبدال الكتابة بالحروف العربية بالكتابة بالحروف اللاتينية، وفي عام 1930 تم منح المرأة حق التصويت في الانتخابات البلدية، ثم في الانتخابات التشريعية عام 1934. تلك كانت بعض العلامات البارزة في مسيرة تركيا الطويلة نحو أوروبا. \r\n \r\n ويتوقع للمحادثات الخاصة بعضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي أن تكون أكثر صعوبة بكثير. فلازالت هناك بعض العقبات الكأداء المتبقية. لعل أهمها على الإطلاق أن الرأي العام في الكثير من البلدان الأوروبية، ليس مستعداً بعد لتقبل فكرة انضمام تركيا. فالرأي العام في النمسا، وألمانيا، وهولندا بل وحتى في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، يعادي فكرة عضوية تركيا، ويجب بالتالي أن يتم بذل جهد كبير لإقناعه بتغيير هذه الفكرة خلال السنوات المقبلة. \r\n \r\n هناك مخاوف من تعرض أوروبا لاجتياح من قبل المهاجرين الأتراك الفقراء، وهناك أيضاً مخاوف من أن محاولة القيام برفع مستوى تركيا الاقتصادي إلى مستوى باقي دول الاتحاد الأوروبي، سيؤدي إلى إنهاك ميزانية الاتحاد، وأن حضارة أوروبا المسيحية في مجملها ستتأثر سلباً عندما يتم إدماج دولة إسلامية كبيرة يبلغ تعدادها 70 مليون نسمة تقريباً في القارة. كل هذه مخاوف حقيقية ولها ما يبررها، وينبغي مناقشتها بالتفصيل والعمل على إيجاد الحلول لها. ولكن هذه المخاوف تتضاءل عند المقارنة بالحجج الأكثر قوة التي تدعم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. ومن ضمن تلك الحجج أن انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد سيجعل الاتحاد أقوى من الناحية العسكرية ولن يتعرض بعد ذلك إلى مشاكل فيما يتعلق بالحصول على العدد الكافي من القوات اللازمة لإرسالها في مهام حفظ السلام المختلفة التي تضلع بها أوروبا في مناطق الأزمات في العالم. ومنها أيضاً أن تركيا ستوفر العضلات المطلوبة بصورة ماسة للسياسات الأوروبية الخارجية والدفاعية المشتركة. ومن الناحية الجيوبوليتيكية والاستراتيجية، يعد انضمام تركيا أمراً له معنى. فأوروبا الموسعة التي سيصل تعدادها بعد انضمام تركيا إلى 550 مليون نسمة، ستكون قادرة على احتلال المكانة التي تليق بها وسط القوى الكبرى في العالم خلال القرن القادم. ليس فقط بالمقارنة مع دول مثل الولاياتالمتحدة ولكن أيضاً بالمقارنة مع دول أخرى مثل الصين، والهند، والبرازيل وروسيا بعد أن تستعيد حيويتها. \r\n \r\n إن رسالة أوروبا في عالم اليوم الذي تسوده اضطرابات عميقة، هي أن تكون نموذجاً يحتذى به للديمقراطية، والتسامح، والرخاء والمصالحة مع العالم العربي والمسلم. لقد حاولت أوروبا عبر عقود طويلة أن تلعب هذا الدور، ولكن لم يكن صوتها مسموعاً على الدوام لأسباب ليس هذا مجال شرحها. \r\n \r\n وانضمام تركيا، إلى الاتحاد الأوروبي خلال عقد من الزمان - كما هو مأمول- سيجعل هذا النموذج أكثر مصداقية وأكثر فعالية بما لا يقاس. \r\n