وجاء ذلك الخطاب بناء على مشورة من برنت سكوكروفت الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي، والذي كان «واقعيا» ومهووسا بفكرة الاستقرار. ويعتبر بوش الأب الآن أن خطابه كان دعوة «لعدم التحرك السريع»، أكثر مما فهم في وقته بأنه نصيحة للأوكرانيين بإبقاء الولاء لموسكو. \r\n أنا أطلقت على ذلك الخطاب اسم «خطاب كييف الجبان»، وهذا ما أثار حفيظة بوش الأب الذي اعتبر هذا الوصف خطأً، بأنه يلصق صفة الجبن في الخطاب، أكثر من تشخيص خطأ فادح وقع فيه بوش، ومنذ ذلك الوقت لم يتكلم معي. \r\n وعلى العكس من ذلك يكشف رد فعل الرئيس الروسي بوتين على المظاهرات الأخيرة، التي تعكس رغبة الأغلبية من الأوكرانيين في الاستقلال من موسكو عن دكتاتور محكوم بالخوف، فجاءت لحظته التي خاف فيها من كييف، حينما فشلت خطته بتنصيب رئيس لأوكرانيا لا يزيد عن كونه دمية بيد موسكو. ولتحقيق ذلك وضع نظاما انتخابيا زائفا، شبيها بذلك الموجود في روسيا. \r\n والذي كان ناجحا جدا هناك: السيطرة المركزية على الإعلام الأساسي في البلد، والإنفاق الحكومي السخي على مرشح السلطة مع التضييق على مرشح المعارضة، والأكثر من ذلك، المنح الصريحة من موسكو لمرشحها، فيما تم ابتلاع ما يمكن تسميتهم بدمى موسكو الأوكرانيين، من قبل التيار التحتي لما يمكن تسميته ب «قوة الشعب». وقد كشفت هذه القوة الديمقراطية غير المتوقعة عن نفسها، حينما أصبح المعارضون مستعدين لتحدي السلطة في الشوارع وعبر الإنترنت، وحينما تقاعس الجنود والشرطة عن إطلاق النار على المتظاهرين من أبناء بلدهم، وحينما استهجن العالم مساعي موسكو، فأصبحت تكاليف فرض إجراءات مشددة على المتظاهرين غير مطروحة على الإطلاق. \r\n وللذكرى، فقد فشلت قبل ذلك قوة الشعب في ساحة تيان آن مين في بكين، لأن العمال لم يشتركوا فيها، ولأن حكام الصين استدعوا الوحدات العسكرية من مناطق نائية. لكن بالنسبة لهذا الجيل، فإن الانتفاضات السلمية نجحت في بولندا وتشيكوسلوفاكيا وكوريا الجنوبية واندونيسيا وروسيا. \r\n ويتذكر بوتين جيدا، كيف أن قوة الشعب عملت في موسكو لصالح بوريس يلتسين، لتقلب الحكم الشيوعي الذي استمر لسبعين عاما، ولهذا السبب شعر بالارتياع هذا الشهر. إذ رحب خريجو «كَي جِي بي» بالانتصار المزور لدميتهم مبكرا، ومع بدء تصاعد الاحتجاجات استدعى إلى موسكو الرئيس الأوكراني، كي يعطيه وبشكل علني أوامره بالهجوم، ومع فشل كل المحاولات عاد إلى شماعة المعاداة لأميركا. \r\n اتهم بوتين الولاياتالمتحدة في كونها تسعى إلى فرض «ديكتاتورية في ميدان الشؤون الخارجية»، وسخر من «أسلوب بوش الديمقراطي الزائف»، وأشار إلى أن زوجة مرشح المعارضة، وهي أميركية، ثم نوه بالخطر القائم في الطريق، إذا لم تبق الانتخابات المسروقة نتائجها كما هي مسروقة النتائج، وللعلم فخطة بوتين تعتمد على استراتيجية لانسحاب وعلى تشجيع تقسيم أوكرانيا، وامتصاص الجزء الشرقي الميال إلى روسيا، ورفض الجزء الغربي منها الميال إلى أوروبا. وهو يمتلك خطة مماثلة لتقسيم جورجيا. هذا هو رد فعل رجل يخاف من تفشي قوة الشعب، فإلى الآن تسود قناعة عامة بأن الروس بشكل عام يتوقون لسلطة مثل التي يمثلها بوتين، ويؤيدون سيطرته على البرلمان وعلى الحكومة الأقليمية، ويصدقون كل ما يرونه وما يسمعونه من إعلام واقع تحت سلطة الدولة. \r\n ومع ذلك، فقد يرى بوتين في هزيمته بأوكرانيا آثرا ما من جدار برلين. فهو يعرف كم من الأوكرانيين رحبوا بجيش هتلر باعتباره أقل الشيطانين ضررا مقارنة بستالين. \r\n إنه يستشعر الخطر المقبل من أوكرانيا على سلطته فيها، والتي تريد التوجه غربا للالتحاق بالاتحاد الأوروبي. وهو يخاف من أن يجهض اندلاع قوة الشعب داخل جارته الكبيرة أوكرانيا، خطته لتعديل الدستور، ليجعل من نفسه رئيسا مدى الحياة. \r\n وباعتباري مثاليا من الطراز القديم (ومع انتشار الديمقراطية في العالم يتضح أن المثاليين هم واقعيون)، فأنا مقتنع من أنه لن يكون ممكنا إيقاف قوة الشعب. لكن الديمقراطيات الجديدة لن تكون ناجمة عن استنساخنا لها، وأن الشعوب المتحررة ستثير غيظ القوة العظمى. \r\n وأخيرا، انظروا الى هذه اللوحة : فقد وعد صاحب الوجه المشوه بسحب جنوده البالغ عددهم 1800 من العراق، وحينما يتمكن الشباب المضطهد في إيران من قلب الحكم المطلق، سيظل يضغط باتجاه امتلاك القنبلة النووية، وسيعقد الفيدراليون الأحرار في العراق صفقات سرية مع فرنسا ما بعد شيراك، وروسيا ما بعد بوتين، والشبل الديمقراطي الفلسطيني سيستلقي متذمرا بجنب الحمل من إسرائيل. \r\n هل ستكون هذه الأشواك ضمن حديقة زهور المستقبل؟ عليك أن تراهن بالإيجاب، لكن ذلك هو نداء أميركا، إضافة إلى أنه يدخل ضمن مصالحنا الخاصة، وجوهرها أن نعزز ازدهار الحرية. \r\n \r\n *خدمة «نيويورك تايمز» \r\n