فمنذ ان اجرت ايران تجربة ناجحة للغاية لاطلاق »صاروخ شهاب« المتطور, وهو صاروخ استراتيجي متوسط المدى وشديد الدقة يستطيع ان يضرب اهدافا على بعد الفي كيلو متر, تولدت قناعات شبه مؤكدة لدى الامريكيين خاصة ولدى الاوروبيين على وجه العموم بأن استعراض القوة الايراني هذا جاء للرد على توجيه ضربة وقائية الى ايران بسبب برنامجها النووي, على غرار الضربة الجوية التي وجهتها اسرائيل الى المفاعل النووي العراقي عام 1981 للحيولة دون تمكين العراق سابقاً وايران حالياً من تطوير قدراتها النووية وامتلاك قنابل نووية. كما يسود الاعتقاد ايضاً من ان احتمال اقدام ايران على امتلاك السلاح النووي من شأنه ان يجعل دولاً اخرى تسعى لامتلاك مثل هذا السلاح, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص هو: هل يوجد بالفعل مثل هذا الخطر?.. فالسلطات الايرانية دأبت منذ فترة طويلة من الزمن على النفي المتكرر والمتواصل لوجود مثل هذه النوايا, واكدت في المقابل انها تركز كل جهودها على تطوير برامجها الخاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وهناك حقائق كثيرة تعتمد عليها السلطات الايرانية لتأكيد اقوالها, وفي مقدمة هذه الحقائق الظرف الموضوعي الذي اشار اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً, عندما اعرب عن قناعته بأن ايران ليست بحاجة لامتلاك السلاح النووي وبأن وجود السلاح النووي لدى ايران لن يحل اية مشكلة وبخاصة ما يتعلق بالامن الاقليمي. فالحكومة الايرانية تعلم جيداً ومقتنعة تماماً بأن فكرة امتلاكها للسلاح النووي من شأنه ان يعقد كثيرا الوضع الدولي لايران وان يزيد من عزلتها الدولية وان يجعل من الصعب تقديم مساعدات خارجية واجنبية لها والحصول على دعم لبناء القدرات الصناعية لديها من اجل استخدام الطاقة النووية في اغراض سلمية. واضافة الى ذلك كله فإن من شأن ذلك ان يضعف الضغوط التي تحاول الوكالة الدولية للطاقة الذرية, ممارستها على اسرائيل من اجل ارغامها على وضع منشآتها ومفاعلاتها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية والمجتمع الدولي. \r\n \r\n وثمة سؤال يطرح بين الحين والاخر وعلى اكثر من صعيد وهو: هل تعتقد الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي جدياً بأن ايران تمتلك او هي على وشك امتلاك السلاح النووي? \r\n \r\n الجواب الذي ورد على لسان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي وعلى لسان اكثر من مسؤول اوروبي لا يؤيد مثل هذا الاعتقاد, وحتى الرئيس الامريكي جورج بوش نفسه اشار بدوره الى هذه الحقيقة عندما قال في احدى خطبه في سياق حملته الانتخابية »ان الايرانيين لا يمتلكون السلاح النووي, ولربما يكون بوش قد تذكر وهو يدلي بهذا الاعتراف«. ما حدث من بلبلة وشكوك لدى اعلانه من دون سند او اساس على الاطلاق ان دولة اخرى هي العراق تمتلك اسلحة دمار شامل وثبت فيما بعد بالدليل القاطع عدم وجود مثل هذه الاسلحة الامر الذي سبب ارباكاً وعدم مصداقية بما يقوله. وربما يجد الرئيس بوش نفسه مرغماً الان على اظهار حذر اكبر في كل ما يقوله في المستقبل بعد فوزه بفترة رئاسية ثانية مدتها اربع سنوات في البيت الابيض. \r\n \r\n لقد نشأ في الاونة الاخيرة وضع بدا وكأنه يبشر بقرب التوصل الى نهاية مفرحة بشأن اغلاق الملف النووي الايراني فطبقاً للتصريحات الصادرة عن المسؤولين الايرانيين في طهران فإن عملية مفاوضات حساسة وايجابية بين ايران واوروبا, قد جرت وتم التوصل خلالها الى اتفاق بشأن اغلاق الملف النووي الايراني وبشكل يلبي مطالب الجانبين والمجتمع الدولي. وبموجب هذا الاتفاق يتوجب على ايران ان توقف من جانبها طوعاً العمل في مجال تخصيب اليوارنيوم الذي يدخل في تصنيع القنبلة النووية, وهذا الاتفاق تم التوصل اليه على خلفية اعمال التفتيش المستمرة التي قامت بها اللجان التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدى 18 شهراً, والتي لم يتم العثور خلالها على اية مؤشرات او شواهد او ادلة تثبت توفر العنصر العسكري في المنشآت النووية الايرانية التي تم تفتيشها. وكما جاء على لسان وزير الخارجية الايراني كحال خرازي في اكثر من مناسبة, فإن ايران تلتزم كلياً بتعهداتها التي قطعتها على نفسها خلال جولات مفاوضات مع الاتحاد الاوروبي. \r\n \r\n صحيح ان الملف النووي الايراني لم يتم غلقه في اجتماع مجلس مديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عقد في ايلول الماضي, بل جرى تشديد الاتهامات الى ايران بشأن تخضيب اليوارنيوم, وهي الاتهامات التي دفعت الوزير الايراني خرازي الى الاعتراف بأن بلاده تعتزم استخدام اليوارنيوم المخصب بهدف انتاج الوقود ولكن ليس من اجل تصنيع وتطوير قنبلة نووية, وانما بهدف استخدام اليوارنيوم في المحطات الكهربائية لاغراض سلمية وليس عسكرية. \r\n \r\n ولا بد من الاشارة هنا الى ان هناك حوالي 60 بلداً في العالم تتوفر لديها احتياطات من البلوتونيوم واليورانيوم المخصب وان من بين هذه البلدان, دول تمتلك السلاح النووي. ويبدو واضحاً الان بأن الكرة قد اصبحت تتواجد في ملعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ستقرر في 25 تشرين ثاني الجاري ما اذا كان مجلس الامن الدولي يتطلب فرض عقوبات على ايران, خاصة وان مثل هذا الاحتمال من شأنه ان يقود الامور الى طريق مسدود, وخاصة بعد المفاوضات الناجعة والايجابية التي جرت في فيينا مؤخراً بين ايران وبين ثلاث من دول الاتحاد الاوروبي, وهي المانيا وفرنسا وبريطانيا. \r\n \r\n الايرانيون من ناحيتهم وكما جاء على لسان الرئيس محمد خاتمي فإن ايران تؤكد استعدادها بعدم انفاق مواردها في مجال تصنيع السلاح النووي, وان خيار المفاوضات هو السبيل الوحيد للوصول الى تفاهم متبادل بشأن هذه المسألة, معرباً عن الاعتقاد في الوقت نفسه بالاعتراف الدولي بالحقوق الايرانية, وبخاصة الحق في امتلاك التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية. \r\n \r\n »دي فيلت« الالمانية