زيارة أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الألمانية بالقاهرة للعاصمة برلين    غدا.. قطع المياه عن مدينة الباجور في المنوفية    5 شهداء في قصف إسرائيلي على خان يونس ومدينة غزة    مصر تتوج ب 6 ميداليات في البطولة الأفريقية للسامبو    بعثة منتخب مصر تغادر إلى المغرب للمشاركة في الدوري العالمي للكاراتيه    الزمالك يُعلن انتهاء موسم أحمد الجفالي    غدا.. انطلاق امتحانات الثانوية الأزهرية بمشاركة أكثر من 173 ألف طالب وطالبة    البوستر الرسمي لفيلم "عائشة لا تستطيع الطيران" ضمن الأفضل بجوائز لوسيول    «الخطيب مش هيوافق».. كيف تفاعلت جماهير الأهلي مع أنباء اقتراب كريستيانو؟    لوكهيد مارتن تكشف مفاتيح بناء قبة ترامب الذهبية.. وتصفها ب"رؤية رائعة"    «التخطيط» تعلن حصول قرية «الحصص» بالدقهلية على شهادة «ترشيد» للمجتمعات الريفية الخضراء    ديو جديد مع الشامي.. هل تُفيد الديوتوهات المتكررة تامر حسني جماهيريا    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    تقارير تكشف.. لماذا رفض دي بروين عرضين من الدوري الإنجليزي؟    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    ابتعد أيها الفاشل، قارئة شفاة تكشف سر صفع ماكرون على الطائرة    الحزمة الأولى من مبادرة التسهيلات الضريبية.. مجلس الوزراء يوافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية.. التعديلات تستهدف تخفيف الأعباء الضريبية مراعاة للبعدين الاجتماعي والاقتصادي    تيتة نوال خفة دم مش طبيعية.. وفاة جدة وئام مجدي تحزن متابعيها    هيئة فلسطينية: فرض النزوح القسرى واستخدام التجويع فى غزة جريمة حرب    9 عبادات.. ما هي الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة؟    نائب وزير الصحة تتابع مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمى للسكان والتنمية    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    زيارات ميدانية ل«نساء من ذهب» بالأقصر    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأجيال المقبلة ستكافح للافلات من التراث الغربي الكارثي في العراق
نشر في التغيير يوم 23 - 10 - 2004

وفي ظرف 17 شهرا فقط بعد انتهاء حرب والدي، كان المنتصرون قد رسموا حدود ايرلندا الشمالية ويوغوسلافيا ومعظم الشرق الأوسط. ولقد أمضيت معظم سنوات عمري المهني أتابع الناس داخل هذه الحدود وهم يحترقون.جلست ذات يوم مع مالكولم ماكدونالد، الوزير البريطاني الأسبق لشئون المستعمرات، لمناقشة تسليمه مرافئ المعاهد الايرلندية الى دي فاليرا قبل الحرب العالمية الثانية، حارما بذلك بريطانيا من ثلاثة موانئ عظيمة خلال معركة الأطلسي.
\r\n
\r\n
وكانت تلك خطوة جلبت لماكدونالد ازدراء أبديا من جانب ونستون تشرتشل. لكن كان لابد لنا من الانتقال في نهاية المطاف للحديث عن محاولات ماكدونالد اليائسة لحل «مشكلة فلسطين» في الثلاثينيات. وفي مجلس العموم وقف تشرتشل غاضبا يشجب ماكدونالد لمحاولاته فرض قيود على هجرة اليهود الى فلسطين، ومازلت أحتفظ بالملاحظات التي دونتها في أوراقي خلال لقائي به.
\r\n
\r\n
قال لي ماكدونالد يومها: «دار بيننا جدال ساخن جدا في مجلس العموم، وعندما التقينا بعد ذلك في ردهة الانتظار، اتهمني تشرتشل بالانحياز للعرب، وقال ان العرب أناس همجيون ولا يأكلون شيئا سوى روث الإبل. وكان بمقدوري ادراك انه لا جدوى من محاولة اقناعة بتغيير آرائه.
\r\n
\r\n
وفجأة قلت له انني أتمنى لو كان لي ولد، فسألني لماذا وأجبته انني كنت أقرأ كتابا بعنوان «أوائل حياتي» من تأليف ونستون تشرتشل وكنت أتمنى لأي من أبنائي أن يعيش تلك الحياة. وفي تلك اللحظة ترقرقت الدموع في عيني تشرتشل، وضمني بذراعية قائلا «مالكولم.. مالكولم!». وفي اليوم التالي وصلني طرد بريدي من تشرتشل فيه نسخة تحمل توقيعه من أحدث مجلداته الصادرة من كتاب حياة مارلبورو.
\r\n
\r\n
كان والدي معجبا بتشرتشل الى حد التقديس، ولقد توسل لأحد أصدقائه ليحصل على نسخة كتاب تحمل توقيع تشرتشل مهداة له. ولذلك احتفظ في مكتبتي اليوم بنسخة من كتاب «مارلبورو: حياته وأوقاته» كتب عليها «مهداة من ونستون تشرتشل، 1948» بخط يد تشرتشل نفسه.
\r\n
\r\n
ومازلت أخرج هذا الكتاب من حين لآخر لأنظر الى عبارة الاهداء تلك وأتأمل حقيقة ان صاحب الخط هو الرجل الذي أرسل جيوشنا الى معركة غاليبولي، وصافح مايكل كولينز، وقف وحيدا ضد أدولف هتلر، وشن حملة لمناصرة الصهيونية في فلسطين، وأرسل الملك فيصل الى العراق كجائزة ترضية بعد خسارة سوريا التي أخذها الفرنسيون.
\r\n
\r\n
«الوضع الذي واجه حكومة بريطانيا في العراق في بداية عام 1921، لم يكن مرضيا على الاطلاق» هذا ما كتبه تشرتشل في كتابه «الازمة العالمية: الآثار الكارثية» في معرض حديثه عن الانتفاضة على الحكم البريطاني. وفي تلك السنة نفسها كانت صديقته غرترود بيل تحاول تأسيس «حكومة عربية يدعمها مستشارون بريطانيون» في بغداد بحيث يصبح بمقدور جيش الاحتلال البريطاني مغادرة العراق.
\r\n
\r\n
وكتبت بيل تقول: «لا أدري ماذا يبيت الحلفاء من نوايا مخادعة بشأن المفوضيات، لكنني بدون أي تردد أقف في صف عصبة الأمم في المطالبة بالافصاح عن تلك النوايا .. الجميع في أقاليم الفرات يقولون ان الناس هناك لن يرضوا بتعيين مسئولين من السنة ومجلس الحكم الانتقالي يمضي في تعيينهم.. وأخيرا قبل شيعي من كربلاء منصب وزير التعليم».
\r\n
\r\n
حضرت بيل مؤتمر تشرتشل الشهير أو الشنيع في القاهرة حين قرر البريطانيون مستقبل معظم الشرق الأوسط. وبالطبع، كان حاضرا في المؤتمر تي اي لورنس ومعه كل من هب ودب من البريطانيين الذين ظنوا أنفسهم بارعين في فهم المنطقة. وكتبت بيل لاحدى صديقاتها بنبرتها المتحمسة المبالغ بها «كان مؤتمرا رائعا، وفي اسبوعين عالجنا موضوعات أكثر مما تمت معالجته في سنة كاملة، وكان تشرتشل رائعا».
\r\n
\r\n
إنه فعلا أمر يثير الانبهار فلقد ظن البريطانيون ان بمقدورهم ترتيب أمور الشرق الأوسط وحل المشكلات العالقة في 14 يوما. وهكذا رسمنا حدود العراق ورسمنا المستقبل للنكبة «الكارثية» بفلسطين حسب تعبير تشرتشل نفسه لاحقا. ولن أنسى أبدا الطريقة التي كان يتحدث بها مالكولم معي في منزله قبل 26 عاما عندما قال لي «انني فشلت في فلسطين، ولذلك أنت الآن في بيروت».
\r\n
\r\n
وبالطبع، فقد كان ماكدونالد محقا، فلو استطعنا فعلا ترتيب الشرق الأوسط كما ينبغي لما أمضيت ال 29 سنة الأخيرة من حياتي في السفر من حرب دموية إلى أخرى وسط أكاذيب وألاعيب قادتنا ووكلائهم الذين عينوهم ليحكموا العرب. ولو قمنا حقا بترتيب الشرق الأوسط، لما قتل كين بيغلي في العراق مؤخرا.
\r\n
\r\n
هل نستطيع ان نهرب من ماضينا؟ هل يمكننا في يوم من الايام ان نقول نحن في الغرب وشعوب الشرق الاوسط «كفى! دعونا نفتح صفحة جديدة» أخشى اننا لا نستطيع ذلك. فخيانتنا ووعودنا الزائفة لليهود والعرب على حد سواء خلقت مرضا عضالا مستعصيا على العلاج. علة لن تزول ولا يمكن ان تزول ولن يغفر لنا المصابون بها لأجيال مقبلة.
\r\n
\r\n
انظر، على سبيل المثال، كيف حرضنا صدام حسين على غزو ايران عام 1980، كيف ناصرناه ورعيناه طيلة سنوات الحرب الثماني، قدمنا له خلالها الصادرات بالدين والسلاح والطائرات والمواد الكيماوية لصنع الغازات. وعندما ننظر الى الوراء في الزمن الآن ندرك اننا كنا نفعل شيئا آخر. فبدعمنا لحرب صدام، كنا نساعد جيلا بأكمله من العراقيين ليتعلموا كيف يقاتلون ويموتون.
\r\n
\r\n
اتصلت، مؤخرا، بصديق قديم لي في استراليا يدعى توني كليفتون. فلقد كنا أنا وهو نغطي الحرب الايرانية من كلا جانبي الجبهة. وقال لي كليفتون في المحادثة الهاتفية: «فكر في كل هؤلاء الملايين من العراقيين الذين تعلموا كيف يقاتلون جيشا كبيرا. كانوا يستخدمون دباباتهم كمواقع ساكنة ويوجهون سبطانات مدافعهم بشكل أفقي لوقف الايرانيين. لكن لم يكن يسمح لهم باستخدام مبادراتهم الذاتية. والآن بعد رحيل صدام، أصبح بوسع أولئك الضباط المتمرسين استخدام مبادراتهم ومقدراتهم القتالية ضد الأميركيين. أعتقد ان هذا هو سبب نجاح المقاومة الى هذا الحد».
\r\n
\r\n
أعتقد ان كليفتون على حق، وان حرب الثمانية أعوام التي وفرنا لها نحن أسباب الاستمرار على ثقة وثيقة بما يجري حاليا في العراق وبالوحشية التي يتم انتهاجها من قبل المقاتلين العراقيين والقتلة الانتحاريين.وماذا عن الأميركيين أنفسهم؟ عكفت مؤخرا على اعادة قراءة التوصيف المذهل التي قدمه سيمور هيرش عام 1970 لمذبحة ماي لاي في فيتنام. ويبدو لي الآن الاعتياد على القتل والقسوة في فيتنام مشهدا مألوفا الآن.
\r\n
\r\n
أرسل الأميركيون جيشا محترفا الى العراق، لكن الخطير في الأمر ان هذا الجيش ألف قتل النساء والأطفال في الفلوجة ودأب بكل بساطة على انكار ان غاراته الجوية تقتل الابرياء والاصرار على ان ال 120 شخصا الذين قتلوا في عملية سامراء جميعهم كانوا من «المتمردين»، وان كان من المستحيل تصديق هذا الكلام.
\r\n
\r\n
ماذا عن أحدث مجزرة تقع في حفل زفاف، أهي «نجاح» آخر للأميركيين ضد الارهابيين؟ ولانه أصبح من الصعب جدا على الصحافيين التنقل في أنحاء العراق، لم يعد هناك أي شهود مستقلين على هذه الحرب الشنيعة. من يدري ماذا يجري الآن في الرمادي والحلة وجميع المدن الأخرى التي تقوم فيها القوات الأميركية بغاراتها الوحشية؟
\r\n
\r\n
توني بلير لا يزال يعتقد ان غزوه المشين للعراق لم يكن خطأ. ويبدو انه لا يزال يؤمن بنسخته الخاصة من «الحرب العظمى في سبيل الحضارة»، كما آمن بها والدي في يوم من الأيام. والآن أتساءل عن الأهوال التي تخبئها هذه الكارثة لأبنائنا وأحفادنا الذين سيسألون أنفسهم أيضا ما اذا كان بمقدورهم الهروب من التاريخ.
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.