هنالك رجلان يتحملان مسؤولية هذا الفلتان المريع. فالحلف غير المقدس بين الرئيس جورج بوش ورئيس حكومة إسرائيل أرييل شارون حملهما على متابعة سياسات مفلسة واحتيالية تضرم النار في العالم وتغذي لدى ضحاياهما مزيجا متفجرا من الغضب والكراهية والعزم على الانتقام، بحيث يصعب أن نجد أحدا يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه هذه العربدة المدمرة. \r\n \r\n ولقد شهد العالم هذا الأسبوع بكثير من الاشمئزاز كيف استخدمت أميركا حق الفيتو في مجلس الأمن على قرار يناشد إسرائيل وقف حملة القتل الهمجية التي راح ضحيتها ما يقرب من مائة فلسطيني خلال الأيام العشرة الأخيرة. \r\n \r\n هذا في حين تغرق أميركا أكثر فأكثر في المستنقع العراقي الذي صنعته بنفسها حين تابعت عبثا محاولاتها للقضاء على التمرد الذي تواجهه في أنحاء البلاد بقوة السلاح. \r\n \r\n ولقد أصبح واضحا الآن أن هنالك أمرين فقط من شأنهما أن يؤديا إلى تهدئة الوضع واستقراره في هذه البلاد البائسة: انسحاب قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية السريع وغير المشروط وتحويل مسؤولية الحفاظ على القانون والنظام إلى جيش العراق الوطني الذي يعاد تشكيله تحت قيادة عراقية. يتبع ذلك تخلي أميركا عن أي خطة لإقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق فيما تعلن بصورة لا لبس فيها أنها لا تطمع بنفط العراق. هذا مع اننا نرى كيف ان الأمور تسير حاليا في الاتجاه الخاطئ مما يوحي بأنها لم تصل بعد إلى القاع في انحدارها الكارثي. \r\n \r\n لكن إذا كنا الآن في وقت ينذر بالكثير من المخاطر فإنه أيضا الوقت الملائم لانتهاز الفرصة، وذلك لسببين رئيسيين. الأول أن الرئيس الأميركي القادم سواء كان جورج بوش أو خصمه الديموقراطي جون كيري، سوف يضطر لإجراء مراجعة جذرية سواء بالنسبة للحرب في العراق أو بالنسبة للنزاع العربي الإسرائيلي، إذ لا يمكن ترك الوضع يتعفّن على هاتين الجبهتين لأنهما، باعتراف الجميع، المسألتان اللتان جعلتا العالمين العربي والإسلامي يثوران على الغرب. فهنا إذاً يمكن اكتشاف جذور الإرهاب. \r\n \r\n فأياً كان ساكن البيت الأبيض لا بد له أن يراجع السياسة الأميركية تحت ضغط الأحداث. ولعل الأمل الأكثر شيوعا عند الناس أن يُستبعد من دوائر الحكم أولئك المستشارون المسؤولون عن الفوضى الحالية. \r\n \r\n والسبب الثاني أن حلفاء أميركا في العراق هم على وشك التمرد. فالبولونيون والإيطاليون والأستراليون يريدون استعادة قواتهم من العراق، هذا إضافة إلى أن رئيس الحكومة البريطانية توني بلير تعهد رسمياً، سواء كان ذلك نتيجة تأنيب الضمير على سوء تقديره للأوضاع أو نتيجة حسابات سياسية للمستقبل، بأن يجعل النزاع العربي الإسرائيلي قضيته الأولى وذلك بعد انتهاء الانتخابات الأميركية مباشرة. \r\n \r\n وبلير ينذر أميركا بأنه بعد أن كان حليفهم المخلص في العراق يريد الآن استعادة حريته في العمل والمبادهة والتقرب من توافق الأكثرية الأوروبية، خصوصا بالنسبة الى النزاع العربي الإسرائيلي. \r\n \r\n أي مستقبل للأراضي الفلسطينية؟ \r\n \r\n لا شك أن هذه التطورات، أي الانتخابات الرئاسية في أميركا وصحوة بلير المتأخرة، تخلق «نافذة انتهاز» سياسية وديبلوماسية، أمام الدول العربية والفلسطينيين. فهل يستغل الطرفان هذه الفرصة النادرة للقبض على زمام مصيرهم أم يستمران على النهج الحالي الذي يتميز بالسلبية والخنوع من جانب الزعماء العرب وبالمقاومة العنيفة، بما فيها العمليات الانتحارية، من جانب صفوف المناضلين؟ \r\n \r\n لا يمكننا أن ننكر بأن غريزة الفلسطينيين المقهورين تخلق لديهم شعورا لا يقاوم بالانتقام إزاء الحملات الهمجية الإسرائيلية. فهناك دماء كثيرة أريقت بحيث لم يعد في وسعهم إلا الانتقام بأي وسيلة وبأي ثمن. لكن هل ترى هذه هي الاستراتيجية الأكثر حكمة؟ \r\n \r\n إن التقدير الواقعي للوضع في الأراضي المحتلة يوحي بأن إسرائيل سوف تواصل وربما تضاعف الاستيلاء على الأرض في الضفة الغربية، سواء نفذت خطة الانسحاب من غزة في العام القادم أم لا. فشارون وصحبه المصابون بهذاء كراهية العرب لن يدخروا جهدا للحيلولة دون نشوء دولة فلسطينية، وبالتالي فإن الحل القائم على إنشاء دولتين يبدو أقرب إلى السراب. \r\n \r\n وهنالك الكثير من الفلسطينين الذين أخذوا يعتقدون بأن قيام دولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون متمتعين بالمساواة في الحقوق قد يكون الخيار الأفضل. فلماذا لا يطرح شعار «شعبان في «دولة واحدة» الذي نادى به مايكل طرزي، المستشار القانوني لمنظمة التحرير في مقال نشرته صحيفة «هيرالد تريبون» يوم الثلاثاء الماضي؟ غير أن هذا الخيار لا يلقى صدى إيجابيا لدى الإسرائيليين لأنه سوف يعني حتما نهاية الصهيونية. فهو إذاً خيار غير عملي في المستقبل المنظور. \r\n \r\n أما الحل المرجح والشديد الكآبة، فهو أن تعمل إسرائيل بعد أن تنتهي من توسعها خلال السنوات العشر القادمة، على التنازل عما تبقى من «أراض فلسطينية محرومة من المياه وغير صالحة للزراعة»، على حد قول المستشار طرزي، لتصبح ولاية تابعة للأردن. \r\n \r\n وعندئذ سوف تؤدي الهجرة الكبرى للفلسطينيين الذين سُلبت أملاكهم، إلى الأردن، إلى زعزعة المملكة وربما قلب النظام الهاشمي، الأمر الذي يعني أن تجد إسرائيل نفسها في حرب عصابات قد تدوم مائة عام، هذا إذا لم يهزمها جيرانها وقد ضاقوا ذرعا بها. \r\n \r\n هل تكون هذه فرصة العرب الأخيرة؟ \r\n \r\n تبقى هنالك إمكانية، بعيدة لكنها واقعية، بأن تُتبع استراتيجية من شأنها أن توقف، وربما تقلب، اتجاه انحدار جميع الأطراف المعنية نحو التهلكة. وذلك بأن يقوم الفلسطينيون، تدعمهم الدول العربية والدول ال25 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبموافقة الولاياتالمتحدة، بعرض اتفاق تعاقد جديد وجريء على إسرائيل للوصول إلى تعايش سلمي. \r\n \r\n مثل هذه الخطوة المستنيرة التي ترمي إلى حل للنزاع تتطلب انضباطا كبيرا من جانب كافة الفصائل الفلسطينية التي تتوحد أخيرا على سياسة واحدة مشتركة، وعلى ديبلوماسية ماهرة وحازمة من جانب الولاياتالمتحدة والأوروبيين والعرب. ويمكن لصفقة السلام هذه أن تقوم على البنود الآتية : \r\n \r\n 1- تخلي المقاتلين الفلسطينيين عن الهجمات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف ضد إسرائيل. \r\n \r\n 2- احياء مشروع السلام السعودي الذي قبلت به جميع الدول العربية في مؤتمر القمة عام 2002 في بيروت- ذلك المشروع الذي يمنح إسرائيل السلام والعلاقات الطبيعية مقابل الانسحاب إلى حدود 7691. \r\n \r\n 3- قبول الفلسطينيين بمشروع كلينتون كما جرى تنقيحه وقبوله في محادثات طابا، وبمبادرة جنيف التي أطلقها يوسي بيلين وياسر عبد ربه. \r\n \r\n 4- يقوم الأمين العالم للأمم المتحدة بمتابعة المفاوضات والعمل على تسهيلها وإنجاحها، يعاونه في ذلك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. \r\n \r\n 5- التزام أميركي دائم بضمان أمن إسرائيل ضمن حدود 7691. \r\n \r\n 6- التزام مشترك من قبل الدول الصناعية ودول الخليج بجمع مليارات الدولارات اللازمة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتمويل إزالة المستوطنات من الأراضي الفلسطينية. \r\n \r\n مثل هذا الحل يتطلب بطبيعة الحال ممارسة قيادة حكيمة والتزاماً أخلاقياً من جانب الأطراف جميعها. وقد يبدو الأمر طوبويا مفرطا بالتفاؤل، لكن الحل البديل هو الفلتان بل ربما المزيد من الفلتان الدموي الحالي. \r\n \r\n * خبير بريطاني بشؤون الشرق الأوسط. \r\n