افتتاح فرع المجلس القومي للطفولة والأمومة بشرق النيل في بني سويف    احتياطي النقد الأجنبي لمصر يتجاوز 50 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2025 لأول مرة في التاريخ    وزير النقل يمازح عاملين بقطار النوم: نجيب ساويرس مبيدكوش مرتبات خلوا بالكم    4.6% تراجعا في قيمة عجز الميزان التجاري ل4.73 مليار دولار خلال أغسطس 2025    القسام تعلن تسليم جثة الضابط هدار جولدن الساعة الثانية مساء بتوقيت غزة    مصر وقطر تؤكدان دعم جهود تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    أحمد الشرع بواشنطن في أول زيارة لرئيس سوري منذ 79 عاما    اختطاف 3 مصريين في مالي.. من يقف وراء فدية ال5 ملايين دولار؟    الجزيري وماهر يقودان تشكيل الزمالك المتوقع في نهائي السوبر    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    تشكيل الزمالك المتوقع أمام الأهلي في السوبر.. الجزيري يقود الهجوم    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    فيديو.. الأرصاد: أجواء خريفية مستقرة حتى نهاية الأسبوع    الداخلية تضبط 330 كيلو مخدرات و150 سلاحا ناريا خلال يوم    وفاة الكاتب مصطفى نصر بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    «معلومات الوزراء» يستطلع آراء المصريين حول المتحف المصري الكبير    3 مجانية.. القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك بنهائي كأس السوبر    اليابان.. تحذير من تسونامى بعد زلزال بقوة 6.7 درجات    حملة توعوية بيطرية مكثفة لدعم صغار المربين بالبحيرة    «أمن المنافذ»: ضبط 3354 مخالفة مرورية وتنفيذ 347 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    موعد امتحانات منتصف العام الدراسى بالجامعات والمعاهد العليا    الموعد الرسمي لمعاش تكافل وكرامة لشهر نوفمبر 2025 (احسب معاشك)    النائب على عبد الونيس: المتحف المصرى أيقونة حضارية تؤكد عبقرية المصريين    «الجراند بول» في قصر عابدين.. كل ما تريد معرفة عن حفل الأمراء والنبلاء (التذاكر تبدأ ب1500 يورو)    العالم بطريقته    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة لقطاع غزة    طريقة عمل سلطة البطاطس بالزبادي.. لمسة من البساطة والابتكار    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الجيزة وكفر الشيخ    جامعة الدول العربية تكرم مدحت وهبة المستشار الإعلامي لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان تقديرا لجهوده    وزير الداخلية يأذن ل 22 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    غارة من مسيرة إسرائيلية على محيط بلدة الصوانة جنوبي لبنان    الأمم المتحدة: أزمة نزوح غير مسبوقة في السودان.. وتصاعد العنف في الفاشر    انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!    لأول مرة فى تاريخ ألمانيا.. تامر حسنى يشعل الاجواء فى ستاد يايلا أرينا الألمانى بحضور 30 ألف شخص    «المتحف المصرى الكبير» أقوى من «الجاهلية»    القاهرة السينمائى يحلق بكبرياء على جناحى اتفاق السلام والمتحف الكبير    شعلة حب لا تنطفئ.. ما هي الأبراج المتوافقة في الزواج والعلاقات العاطفية؟    باستثمارات قطرية وإماراتية: الساحل الشمالى الغربى «ريفيرا مصر»    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 9-11-2025 في محافظة قنا    تقديرًا لأمانته.. مدرسة بقنا تكرم تلميذًا أعاد «انسيال ذهب» لمعلمته    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    عميد المعهد القومي للأورام: قدمنا خدمة إضافية لنحو 32 ألف مريض 2024    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «المعاهد التعليمية» تدخل أحدث طرق علاج السكتة الدماغية بمستشفياتها    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 نوفمبر    أحمد جعفر: تريزيجيه اكتر لاعب سيقلق دفاع الزمالك وليس زيزو وبن شرقي    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأحد 9-11-2025 في مصر    «إنت بتغير كلامي ليه! أنا عارف بقول إيه».. نقاش ساخن بين أحمد فتحي وخالد الغندور بسبب نجم الزمالك    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    التقارير الفنية أمام النيابة.. تطورات في قضية أطفال اللبيني    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد لتواجد إمام عاشور.. ومباراة القمة تكتب دائمًا شهادة ميلاد العديد من النجوم    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



66% معدل البطالة في قطاع غزة، 11 18% نسبة الانخفاض في دخل الفلسطينيين بفعل الس
نشر في التغيير يوم 26 - 09 - 2004


\r\n
حتى أنا لو بقيت صحافيا يقرأ الصحف، ويأخذ منها خبر ذلك الجدار العازل لما عرفت الأمر على حقيقته، ولقبلت أقاويل جهاز الدعاية الاسرائيلية عن ان الغرض من الجدار ليس عزل الفلسطينيين جميعا وانما عزل الاشرار القتلة وحدهم وحماية المدنيين الاسرائيليين المسالمين من عدوانهم.
\r\n
\r\n
ولكن هل هو جدار عازل بين الفلسطينيين والاسرائيليين فحسب؟ انه جدار عقابي، عدواني، فاسق، يمطر شروره على الجميع. وهو لا يعزل الفلسطينيين عن الاسرائيليين فحسب وانما عن العالم اجمع. وقطاع غزة على سبيل المثال لا يصبح بذلك معزولا عن اسرائيل وحدها وانما على مصر كذلك، طالما ظل الاسرائيليون يسيطرون على الممر المؤدي منها الى مصر، وعلى البحر الذي تقع على ساحله غزة، وعلى المطار الذي يمكن ان يطير منه الناس من ذلك القطاع.
\r\n
\r\n
وفي الضفة الغربية يبني الاسرائيليون السور الفاصل وهو ليس سورا كما يشير اسمه، وانما هو حائط صخري يعلو بارتفاع عشرين قدما، وهذا الحائط مسور بأسلاك أمنية من الجانبين ومحروس بنقاط عديدة للمراقبة والتفتيش تمتد على مسافة مئتي ميل تقريبا، وهو بذلك يشطر فلسطين الى شطرين من الشمال الى الجنوب.
\r\n
\r\n
وهما ليسا شطرين متساويين وانما يعطي للفلسطينيين 22% من أرضهم التي احتلت بعد 1948. ومن «شطارة» الاسرائيليين انهم لم يشيدوا ذلك الجدار على «أرضهم» وانما على الأرض الفلسطينية، وعندما يقترب الجدار من المستوطنات الاسرائيلية فانه يجنح نحوها ليحتويها غير مبال بما صادره من ارض الفلسطينيين وعندما يقترب من القرى الفلسطينية فانه يعمد الى اقتطاع بعض ارضها وجعلها بمثابة منطقة عازلة. حدث هذا تقريبا لسبع عشرة قرية.
\r\n
\r\n
ان شركات الدعاية الاسرائيلية تقول ان المقصود ليس عزل القرى الفلسطينية واقتطاع اراضيها، ولكن شارون نفسه يقول انه سيزيد في خطة الفصل والاقتطاع بزيادة حائط آخر غرب الاراضي الفلسطينية بموازاة نهر الاردن، أي بين الضفة الغربية والاردن مع ان «الارهابيين» لا يأتون الى اسرائيل من هناك. وبذلك سيكتمل عزل الضفة الغربية بعد ان اكتمل عزل قطاع غزة، وليس هنالك ما هو أسوأ من هذا العنف من «الغيتو» في تاريخ بني الاسنان.
\r\n
\r\n
ولكن ليس هذا اخر القصة لأن «غيتو» غزة والضفة الغربية تم شطرهما بواسطة نقاط التفتيش التي يمكن ان تمنع الفلسطينيين من التجول بين الخليل ونابلس مثلا، او بين بيت لحم ورام الله، او بين خانيونس وغزة.. الخ، وحتى عندما يعلن الاسرائيليون انسحابهم من المدن الفلسطينية فان ذلك لا يعني ان نقاط التفتيش ستنسحب ايضا، بل ستبقى هناك. وهكذا فان سجن الفلسطينيين لن يتقلص وانما اصبح السجن أكبر مساحة مما مضى.
\r\n
\r\n
هذا العزل داخل العزل افرز آثارا اقتصادية سلبية لا تطاق. فان العامل الفلسطيني الذي يعيش في بيت لحم، مثلا، اذا لم يصل الى عمله في القدس الشرقية، فانه سيفقد ذلك العمل اذا ما تكرر منه التأخير.
\r\n
\r\n
وهذا ما ينطبق على الباعة الذين يعرضون بضائعهم فانه قد لا يستطيع أن يصل الى زبائنه أو لا يصلون اليه، وتشير الاحصائيات التي أصدرها البنك الدولي في الفترة بين 1994 1996 الى أن العزل ادى الى خفض دخل الناس في الضفة الغربية بمعدل يتراوح بين 11 الى 18 بالمئة. وفي قطاع غزة بما يتراوح بين ثلاثين الى أربعين بالمئة، وطالت البطالة نحو 66 بالمئة من السكان هناك.
\r\n
\r\n
تحت خط الفقر
\r\n
\r\n
وفي عام 2000 عندما هبت الانتفاضة الثانية ساءت الاحوال اكثر واكثر حيث وصل عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الى نحو خمسين بالمئة. والسبب ليس فقط فقد فرص العمل في اسرائيل، وانما قتل العزل كافة امكانات الصناعة الفلسطينية لأن قطع الغيار والمواد الخام تأتيها من اسرائيل.
\r\n
\r\n
وبالاضافة الى ذلك تم قطع اكثر من مئة وثمانين الف شجرة من المزارع الفلسطينية، ودمرت حوالي 7,3 ملايين متر مربع من الاراضي الزراعية، وهذا ما زاد معدل الفقر والبطالة أكثر من ذي قبل بحيث اصبح ثلثا عدد السكان في الضفة الغربية و81% في غزة يعيشون تحت خط الفقر. وهذا هما تقوله الاحصاءات الرسمية عن خط الفقر:
\r\n
\r\n
ان تعيش اسرة من شخصين بالغين واربعة اطفال بطاقة استهلاك اجمالية تقل عن دولارين وعشرة سنتات! والآثار النفسية لكل ذلك وخيمة جدا، حتى انها اثرت علي انا شخصيا لوقت طويل، ولأول مرة سمعت عن فلسطينيين ينتحرون، ليس بمعنى الانتحاريين او الاستشهاديين المعروفين، وانما هم ينتحرون اسى مما يلقون، ولأول مرة ارى فلسطينيين مضعضعين بأثر الجوع.
\r\n
\r\n
وعلمت ان بعض الاطفال اصبحوا يتخلفون عن المدارس لأن ارجلهم لا تقوى على حملهم اليها بفعل الجوع، وبعضهم عمره لا يتعدى الثامنة يفضل ان يلتحق بعمل يضمن له وجبة غذاء، ولأول مرة حتى في حياتي اخالف قانونا من قوانين مهنة الصحافة، عندما اجريت تحقيقا مع رب اسرة فلسطيني شكا لي من عضة الجوع، فاخرجت ما في جيبي، ونفحته به، وقد زاد حرجي وحرجه عندما قبل تلك المنحة المتواضعة وما كان ليتقبلها وهو أنوف لولا الجوع.
\r\n
\r\n
من أعز نفراً؟
\r\n
\r\n
اضافت نقاط التفتيش المتكاثرة امتهان على امتهاناً لكرامة الفلسطينيين ما هي نقطة التفتيش؟ هذا السؤال الصغير شديد المعضلة. انها ليست شيئا محددا ابدا. انها ما يقول الجيش او الشرطة الاسرائيلية انها نقطة تفتيش. انها تبدو احيانا في صورة كشك صغير يتمركز بداخله جنود وعلى جوانبه أكياس الرمل الرابض خلفها بعض الافراد المستعدين لاطلاق النار لأدنى مخالفة، أو اشتباه، أو سوء فهم، او سوء نية لدى الجنود أنفسهم، حيث يتلذذون احيانا بتعذيب الناس بتعطيلهم عن مشاويرهم المهمة لساعات وساعات.
\r\n
\r\n
ومع ان الفلسطينيين يقفون تلقائيا امام تلك النقاط حتى من قبل ان يؤمروا بالوقوف، الا ان ذلك لا يعفيهم من الاهانة والامتهان بأمرهم بالجلوس والانتظار حتى لو كانت زوجة أحدهم في لحظات المخاض وهي في طريقها الى المستشفى، وذلك ريثما يفرغ الجندي من ارسال الاسماء بالراديو الى البوليس السري .
\r\n
\r\n
ويتأكد من هوية الركاب، وقد يؤمرون بالجلوس على الصخر الملتهب او على الطين او الحشائش ساعات طوال، وربما اوقفوا على أرجلهم واشهر الجند السلاح في وجوههم للارهاب، اواخذوا للتفتيش عرايا ذكورا واناثا، واعرف في هذا قصة رجل أبي كريم يعمل ناظرا لاحدى المدارس ويمر على نقطة التفتيش عينها كل يوم ولكن يحلو للجند أحيانا ان يأخذوه للتفتيش .
\r\n
\r\n
وهو عريان يمر طلابه عليه وهو على هذه الحال.القانون المتبع في نقاط التفتيش هو أنه لا يوجد أي قانون يحكم عملية التفتيش، وان وجد فانه قانون متبدل يضعه الجند ويغيرونه كما يشاءون.
\r\n
\r\n
واهم من القانون هي مهمة القانون فعلى ضوئها يوضع القانون ان وضع أصلا. ومهمة القانون هي اعلام الفلسطينيين وافهامهم بمن هو أعز نفرا: الاسرائيليون أم هم؟ والاجابة عند الاسرائيليين واضحة ولكن المطلوب من الفلسطينيين أن يقروا بها ويستيقنوها. وحدثني صديق اسرائيلي من اصل روسي عمل جنديا بعد تجنسه فقال:
\r\n
\r\n
ان من المهم جدا ان نوقف الفلسطينيين على ذلك النحو على الرغم من احساسنا بأنهم لا يحملون قنابل ولا احزمة ناسفة ولا يهددون الأمن. والسبب هو انهم يبدون وديعين مطيعين ويظهرون وكأنهم ضحايا ونحن المجرمون وهذا انطباع يجب ان يتغير، ولذلك فلا بد ان نستفزهم ونهيج مشاعرهم ونظهرهم في صورة المشاغبين المجرمين.
\r\n
\r\n
الارتطام بالحظ السيئ
\r\n
\r\n
هكذا يروعون الفلسطينيين ويرهقونهم في غير طائل. وهذه تجربة مريرة لصديق لي فلسطيني من رام الله اسمه غسان الخطيب، كان يعمل رئيسا لاتحاد طلاب جامعة بيرزيت، وكانت أمه مريضة في نابلس، ولم يكن يمكنه ان ينتظر حتى يستخرج تصريحا للسفر لزيارتها، وتحتم عليه أن يغامر ويسلك طرقا ملتوية تتفادى نقاط التفتيش.
\r\n
\r\n
ان المسافة بين رام الله ونابلس لا تتعدي الثلاثين ميلا تحتاج الى مسيرة اربعين دقيقة بالسيارة، ولكن هذا الشاب قطعها في أربع ساعات، لأنه لم يركب سيارته ولا سيارة عامة وانما استعان بمن حملوه على سياراتهم احيانا في الطريق وانزلوه قبل نقطة التفتيش التالية، حيث اخترق السهول والحقول ماشيا لقد فعل بالضبط ما يفعله الاستشهاديون مع أنه هنا ما ذهب ليستشهد. ان الاستشهاديين لا يمرون على نقاط التفتيش، وانما يمر عليها المسالمون، فتحفزهم الغطرسة الاسرائيلية على سلوك سبيل الاستشهاديين.
\r\n
\r\n
ان القصص من أمثال هذه كثيرة، ولكن قلما يكتب عنها. وهاكم قصة أسوأ. ارتطم يوسف ابو عوض بحظ سيئ ذات يوم، اذ وجد جنديا نكدا في نقطة تفتيش خارج قريته قريبا من مدينة الخليل، كان ذلك في خريف عام 2000م، وكان يوسف وصديق له عائدين من العمل مساء اذ امر بالوقوف وأخذت منهما بطاقتا الهوية، ثم أمر يوسف بأن يرجع الى سيارته فيبقى فيها ولا يتحرك، واخذ الجندي يقذفه بالحصى والاحجار الصغيرة فأصاب السيارة بأذى كبير وكانت سيارة مؤجرة ويوسف مسئول عنها تماما فكيف يدفع للشركة تكاليف تلك الاضرار المتراكبة.
\r\n
\r\n
لقد اصابه انزعاج شديد وحق له ان ينزعج من هذا التصرف الاستفزازي الحقير «ربما كان الجند يريد، ان ينتقم ليعرف اطفال الحجارة باصابة سيارة المواطن المسكين». وقفز يوسف من سيارته مستنكرا رجمها بالحجارة وصاح بالجندي: لماذا تفعل ذلك؟ فرد عليه الجندي بألفاظ نابية وأمره بالسكوت والرجوع الي سيارته.
\r\n
\r\n
ورد يوسف: انني لم أبدأ بالشر لا كلاما ولا فعلا فلماذا تفعل ماتفعل؟ وذهب الى سيارته واستأنف منها احتجاجه: لا يوجد حظر تجول ولا مظاهرات الآن فلماذا تمارس اعمال الشغب مع سيارتي؟ انك طلبت مني ابراز الهوية فاعطيتك اياها فماذا بعد ذلك؟
\r\n
\r\n
استشاط الجندي، وزاد في غيه ونبو الفاظه، وهدد يوسف بأنه سيسدد رصاصه اليه فورا، فقال هذا: ان شئت فافعل فأنت الجاني، ولم يتردد الجندي في تسديد رصاصه الى رأس يوسف من على بعد اربعة اقدام فقط، حيث اخترق الرصاص رأس الضحية ثم انفجر! كان يوسف حين قتل في الحادية والثلاثين من العمروترك وراءه زوجته البالغة خمسة وعشرين عاما وابنة في السادسة وابنا في الخامسة من العمر.
\r\n
\r\n
وذكر شاهد عيان اسرائيلي انه صرخ في الجندي القاتل كيف تقتل شخصا بهذا الشكل يا مجنون، ماذا كان بامكان شخص مثل هذا ان يفعل لك؟ ولم يحتج القاتل بشيء. وعندما رفعت اسرة يوسف شكوى مستعينة باحدى جماعات حقوق الانسان الاسرائيلية جرى تحقيق في الحادثة وقيل ان يوسف كان يزمع أخذ سلاح الجندي منه.
\r\n
\r\n
وهو أمر غير منطقي ولا مقبول بأي معيار لأن نقطة التفتيش اياها كان بها ستة جنود كان القاتل واحدا منهم فكيف يستطيع شخص أعزل ان يأخذ سلاحا من جندي يقف بجواره خمسة جنود مدججون بالسلاح؟!
\r\n
\r\n
انها مجرد حيلة تبريرية جاهزة قيلت لتبرئة الجندي القاتل، واسخف منها التبرير الذي ارفق بها حيث قيل أن يوسف فعل ذلك بدافع الكآبة، واليأس ، والمزاج النفسي المرضي.
\r\n
\r\n
المهمة الكبرى
\r\n
\r\n
لو كان الفلسطينيون قوما بدائيين من السذج لصدقنا ما يقال عنهم من نحو هذا القول، ولكنهم شعب قوي عريق في الثقافة وحصل قدرا هائلا من التعليم يربو عددهم على الثلاثة ملايين نسمة في بلادهم مع عدة ملايين اخرى في الشتات، حيث بعثروا في كل شعاب الارض لكي تحل على حسابهم مشكلة يهود الشتات، ويراد للبقية الباقية من الفلسطينيين في بلادهم من لم يهاجروا أو لم يقدروا على أن يهاجروا او يتحملوا ما لا يحتمل على الاطلاق.
\r\n
\r\n
ان الفلسطينيين ينالون سياسيا تأييدا اكثر من مئة دولة في العالم. ولكن ما اغناهم ذلك شيئا وما اغناهم وعد اشقائهم في جامعة الدول العربية بتقديم العون فمعظم الأموال التي ترصدها الجامعة العربية لصالحهم لا توفي بها الدول المانحة وان وفت بها سقطت في جيوب مريبة قبل ان تصل الى فلسطين أو قليلا بعد ان وصلت الى هناك. اما العون العسكري فقد انقطع تماما منذ عهد طويل. وتاريخيا فانه لم يصل منه الا اقل القليل.
\r\n
\r\n
يروى بعض قدامى المحاربين الاسرائيليين انهم لدى وصولهم الى احدى المدن الفلسطينية الكبرى اثناء حرب 1948 فوجئوا بعدم اعتراضهم بأية مقاومة من أي نوع، ثم باصطفاف الناس للترحيب بهم، وذلك الى ان سقط سلاح جندي اسرائيلي، ورأى الناس عليه شارة يهودية، فصعقوا لأنهم كانوا يظنون ان الجيش الذي دخل عليهم هو الجيش العراقي وقد جاء لنجدتهم من عدوان الجيش الاسرائيلي.
\r\n
\r\n
ومن سخريات الوضع الفلسطيني ان القيادة الفلسطينية أمست تستنصر بالولايات المتحدة اكثر مما تستنصر بالاشقاء العرب. وأميركا وهي تنصر الفلسطينيين لا تفعل اكثر من ان تطلب منهم ان يسدوا افواههم بأيديهم ويكفوا عن الشكوى واللغط حتى لا يسببوا ارتباكا للسياسة الخارجية الاميركية فيما يتصل بالشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
وقد اعطتهم حقهم الذي لا مزيد عليه بعد ان شكلت لهم حكومة لم تستشرهم في شكلها ولا وظائفها ووضعت على قمتها رئيسا مدى الحياة ياسر عرفات.واكتشف الفلسطينيون ان المهمة الكبرى للحكومة الجديدة هي ممارسة القمع الشبيه بالقمع الاسرائيلي.
\r\n
\r\n
أمة الشرف الأعلى
\r\n
\r\n
هذا البلاء المزدوج لا يستحقه بلا ادنى شك هذا الشعب النبيل. عندما تسأل الفلسطينيين لماذا لا تكونوا لانفسكم دولة كما كون كل شعب في العالم دولته، تأتيك الاجابة جاهزة من افواههم: اسرائيل لا تسمح بذلك. وهذا القول أو نحوه كان يقوله قبل سنوات قلائل الطاجيك، والتركمان، والاوزبك، والجورجيون عندما تسألهم لماذا لا تنشئون دولتكم القومية: الروس لا يسمحون بذلك.
\r\n
\r\n
والآن فان لكل قومية من تلك القوميات دولتها الخاصة، بل كاد الاكراد ان يحققوا حلم اقامة الدولة القومية، واما الفلسطينيون فكأنهم يبتعدون كل يوم عن تحقيق ذلك الحلم هذا الا اذا قيل أنه قد تحقق فعلا بدولة عرفات.
\r\n
\r\n
هذا الجحود الذي يلقاه الفلسطينيون هو ابعد شيء عن طبعهم الأصيل الذي يلقون الناس به. وليس امتع من ان تكون ضيفا لدى الفلسطينيين، حيث يبادرونك بكرم لا افتعال فيه، لانهم لا يحسون بأنهم يفعلون الا الواجب عليهم للضيوف.
\r\n
\r\n
هذا طبع كاد ان يختفي من العالم المتمدن، ولكنك تجده راكزا عند اولئك القوم الكرام.. ومهما كان مضيفك فقيرا، او لاجئا يعيش على الكفاف، فانه سيرحب بك ويجلسك في مكان مريح من داره، ثم تأتي سراعا اقداح الشاي، والعصير والقهوة، والفواكه، ويقوم مضيفك بتقطيعها امامك بنفسه ويقدمها لك واذا فرغ قدحك بادر فصب فيه الشاي من جديد، ثم يأتي التمر والتين والحلوى والشاي من جديد.
\r\n
\r\n
ويسألك مضيفك عن صحتك واحوالك مرارا وتكرارا مما يشعرك بتعاطف واخاء انساني شديد الدفء. وان كنت صحافيا تسأل عن حدث او تطلب أخبارا وقصصا فانه يتأهب ليكون في العون، وان تطلب الأمر احضار أشخاص آخرين سعى في احضارهم الى المجلس. ويحضر من يحضر بلا دعوة فيجد الترحيب ويشارك في نقاش الموضوع المطروح.
\r\n
\r\n
واذا انتهى المجلس قدم لك ضيفك الدعوة للمبيت بداره ان خشي على سلامتك من اخطار الطريق، وان اصررت على الذهاب اصر على مرافقتك ليؤمنك مما يخشى وقوعه من أخطار.لقد حظيت بهذه المعاملات الانسانية كثيراً من قبل الفلسطينيين، وتيقنت أخيرا انها لا تبذل من أجلي.
\r\n
\r\n
فكرم هؤلاء الناس مبذول لكل من يلاقونه. ولا يتوقف على شخصية الضيف ومكانته ابدا. انما يتوقف على شخصية المضيف نفسه، ألم أقل أنهم يحسون ان الكرم واجب مفروض عليهم، فالذي يبذل الكرم هنا يحس أنه انما يدفع ضريبة النبل النفسي الذي يتمتع به، ولا يريد ان يسقط عنه بحال!
\r\n
\r\n
هذه الخلة التي تسم الفلسطينيين بعامتهم تفسر عندي لغز صمودهم الطويل. فمن يعتقد أنه نبيل وكريم الى هذا الحد يصعب ان ينهار، ان الشرف لدى هؤلاء أهم من كل شيء آخر. فاذا اصطدمت قيمة الشرف بكل القيم الاخرى كالقوة والقانون أو حتى المصلحة الخاصة فانهم لا يضحون بالشرف أبدا. شرف الأسرة الذي يضحون من أجله بمن ضللن سواء السبيل، وشرف الأمة الذي يمكن ان يضحوا من أجله بأرواحهم جميعا.
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.