سيمنز الألمانية تكشف موعد تسليم أول قطار كهربائي سريع ل مصر    مقتل ضابط ومجندين إسرائيليين خلال معارك شمالي قطاع غزة    قائمة الترجي التونسي لمواجهة الأهلي بإياب نهائي أبطال إفريقيا    الأرصاد الجوية تكشف موعد انكسار موجة الحر    مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية: إنشاء دار للابتكار والمعرفة.. ومجمع ارتقاء للثقافة والفنون    عرض آخر حلقتين من مسلسل البيت بيتي 2 الليلة    رامي رضوان يهنئ زوجته دنيا سمير غانم على فيلمها الجديد روكي الغلابة    أمين الفتوى يوضح أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة: هذا اليوم صيامه حرام    الكشف عن ملعب نهائي دوري أبطال أوروبا 2026    إعلام إسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات شمالي الأراضي المحتلة    برلماني: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    انتبه- 8 أعراض للسكري تظهر على الأظافر    مراقبة بدرجة أم.. معلمة بكفر الشيخ "تهوي" للطالبات في لجنة الامتحان "فيديو"    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    سام مرسي يفوز بجائزة أفضل لاعب في دوري القسم الثاني بتصويت الجماهير    تقارير| بوتشتينو يدخل اهتمامات اتحاد جدة    قيادى بحماس: حملات إسرائيل استهدفت قطر بالأمس القريب واليوم تبدأ على مصر    اتحاد الكرة يكرم حسن وسامي بعد ظهورهما المشرف في كأس الأمم لكرة الصالات    وزير الري يشارك في جلسة "نحو نهج عالمي واحد للصحة" بمنتدى المياه.. صور    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    الجارديان: وفاة رئيسي قد تدفع إيران لاتجاه أكثر تشددًا    إقبال متوسط على انتخابات الغرف السياحية.. والقوائم تشعل الخلافات بين أعضاء الجمعية العمومية    وزير التعليم العالي يبحث مع مدير «التايمز» تعزيز تصنيف الجامعات المصرية    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    اتصالات النواب: البريد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني وحقق أرباحا بمليار و486 مليون جنيه    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    التصريحات المثيرة للجدل لدونالد ترامب حول "الرايخ الموحد"    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    مصر والأردن    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



66% معدل البطالة في قطاع غزة، 11 18% نسبة الانخفاض في دخل الفلسطينيين بفعل الس
نشر في التغيير يوم 26 - 09 - 2004


\r\n
حتى أنا لو بقيت صحافيا يقرأ الصحف، ويأخذ منها خبر ذلك الجدار العازل لما عرفت الأمر على حقيقته، ولقبلت أقاويل جهاز الدعاية الاسرائيلية عن ان الغرض من الجدار ليس عزل الفلسطينيين جميعا وانما عزل الاشرار القتلة وحدهم وحماية المدنيين الاسرائيليين المسالمين من عدوانهم.
\r\n
\r\n
ولكن هل هو جدار عازل بين الفلسطينيين والاسرائيليين فحسب؟ انه جدار عقابي، عدواني، فاسق، يمطر شروره على الجميع. وهو لا يعزل الفلسطينيين عن الاسرائيليين فحسب وانما عن العالم اجمع. وقطاع غزة على سبيل المثال لا يصبح بذلك معزولا عن اسرائيل وحدها وانما على مصر كذلك، طالما ظل الاسرائيليون يسيطرون على الممر المؤدي منها الى مصر، وعلى البحر الذي تقع على ساحله غزة، وعلى المطار الذي يمكن ان يطير منه الناس من ذلك القطاع.
\r\n
\r\n
وفي الضفة الغربية يبني الاسرائيليون السور الفاصل وهو ليس سورا كما يشير اسمه، وانما هو حائط صخري يعلو بارتفاع عشرين قدما، وهذا الحائط مسور بأسلاك أمنية من الجانبين ومحروس بنقاط عديدة للمراقبة والتفتيش تمتد على مسافة مئتي ميل تقريبا، وهو بذلك يشطر فلسطين الى شطرين من الشمال الى الجنوب.
\r\n
\r\n
وهما ليسا شطرين متساويين وانما يعطي للفلسطينيين 22% من أرضهم التي احتلت بعد 1948. ومن «شطارة» الاسرائيليين انهم لم يشيدوا ذلك الجدار على «أرضهم» وانما على الأرض الفلسطينية، وعندما يقترب الجدار من المستوطنات الاسرائيلية فانه يجنح نحوها ليحتويها غير مبال بما صادره من ارض الفلسطينيين وعندما يقترب من القرى الفلسطينية فانه يعمد الى اقتطاع بعض ارضها وجعلها بمثابة منطقة عازلة. حدث هذا تقريبا لسبع عشرة قرية.
\r\n
\r\n
ان شركات الدعاية الاسرائيلية تقول ان المقصود ليس عزل القرى الفلسطينية واقتطاع اراضيها، ولكن شارون نفسه يقول انه سيزيد في خطة الفصل والاقتطاع بزيادة حائط آخر غرب الاراضي الفلسطينية بموازاة نهر الاردن، أي بين الضفة الغربية والاردن مع ان «الارهابيين» لا يأتون الى اسرائيل من هناك. وبذلك سيكتمل عزل الضفة الغربية بعد ان اكتمل عزل قطاع غزة، وليس هنالك ما هو أسوأ من هذا العنف من «الغيتو» في تاريخ بني الاسنان.
\r\n
\r\n
ولكن ليس هذا اخر القصة لأن «غيتو» غزة والضفة الغربية تم شطرهما بواسطة نقاط التفتيش التي يمكن ان تمنع الفلسطينيين من التجول بين الخليل ونابلس مثلا، او بين بيت لحم ورام الله، او بين خانيونس وغزة.. الخ، وحتى عندما يعلن الاسرائيليون انسحابهم من المدن الفلسطينية فان ذلك لا يعني ان نقاط التفتيش ستنسحب ايضا، بل ستبقى هناك. وهكذا فان سجن الفلسطينيين لن يتقلص وانما اصبح السجن أكبر مساحة مما مضى.
\r\n
\r\n
هذا العزل داخل العزل افرز آثارا اقتصادية سلبية لا تطاق. فان العامل الفلسطيني الذي يعيش في بيت لحم، مثلا، اذا لم يصل الى عمله في القدس الشرقية، فانه سيفقد ذلك العمل اذا ما تكرر منه التأخير.
\r\n
\r\n
وهذا ما ينطبق على الباعة الذين يعرضون بضائعهم فانه قد لا يستطيع أن يصل الى زبائنه أو لا يصلون اليه، وتشير الاحصائيات التي أصدرها البنك الدولي في الفترة بين 1994 1996 الى أن العزل ادى الى خفض دخل الناس في الضفة الغربية بمعدل يتراوح بين 11 الى 18 بالمئة. وفي قطاع غزة بما يتراوح بين ثلاثين الى أربعين بالمئة، وطالت البطالة نحو 66 بالمئة من السكان هناك.
\r\n
\r\n
تحت خط الفقر
\r\n
\r\n
وفي عام 2000 عندما هبت الانتفاضة الثانية ساءت الاحوال اكثر واكثر حيث وصل عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الى نحو خمسين بالمئة. والسبب ليس فقط فقد فرص العمل في اسرائيل، وانما قتل العزل كافة امكانات الصناعة الفلسطينية لأن قطع الغيار والمواد الخام تأتيها من اسرائيل.
\r\n
\r\n
وبالاضافة الى ذلك تم قطع اكثر من مئة وثمانين الف شجرة من المزارع الفلسطينية، ودمرت حوالي 7,3 ملايين متر مربع من الاراضي الزراعية، وهذا ما زاد معدل الفقر والبطالة أكثر من ذي قبل بحيث اصبح ثلثا عدد السكان في الضفة الغربية و81% في غزة يعيشون تحت خط الفقر. وهذا هما تقوله الاحصاءات الرسمية عن خط الفقر:
\r\n
\r\n
ان تعيش اسرة من شخصين بالغين واربعة اطفال بطاقة استهلاك اجمالية تقل عن دولارين وعشرة سنتات! والآثار النفسية لكل ذلك وخيمة جدا، حتى انها اثرت علي انا شخصيا لوقت طويل، ولأول مرة سمعت عن فلسطينيين ينتحرون، ليس بمعنى الانتحاريين او الاستشهاديين المعروفين، وانما هم ينتحرون اسى مما يلقون، ولأول مرة ارى فلسطينيين مضعضعين بأثر الجوع.
\r\n
\r\n
وعلمت ان بعض الاطفال اصبحوا يتخلفون عن المدارس لأن ارجلهم لا تقوى على حملهم اليها بفعل الجوع، وبعضهم عمره لا يتعدى الثامنة يفضل ان يلتحق بعمل يضمن له وجبة غذاء، ولأول مرة حتى في حياتي اخالف قانونا من قوانين مهنة الصحافة، عندما اجريت تحقيقا مع رب اسرة فلسطيني شكا لي من عضة الجوع، فاخرجت ما في جيبي، ونفحته به، وقد زاد حرجي وحرجه عندما قبل تلك المنحة المتواضعة وما كان ليتقبلها وهو أنوف لولا الجوع.
\r\n
\r\n
من أعز نفراً؟
\r\n
\r\n
اضافت نقاط التفتيش المتكاثرة امتهان على امتهاناً لكرامة الفلسطينيين ما هي نقطة التفتيش؟ هذا السؤال الصغير شديد المعضلة. انها ليست شيئا محددا ابدا. انها ما يقول الجيش او الشرطة الاسرائيلية انها نقطة تفتيش. انها تبدو احيانا في صورة كشك صغير يتمركز بداخله جنود وعلى جوانبه أكياس الرمل الرابض خلفها بعض الافراد المستعدين لاطلاق النار لأدنى مخالفة، أو اشتباه، أو سوء فهم، او سوء نية لدى الجنود أنفسهم، حيث يتلذذون احيانا بتعذيب الناس بتعطيلهم عن مشاويرهم المهمة لساعات وساعات.
\r\n
\r\n
ومع ان الفلسطينيين يقفون تلقائيا امام تلك النقاط حتى من قبل ان يؤمروا بالوقوف، الا ان ذلك لا يعفيهم من الاهانة والامتهان بأمرهم بالجلوس والانتظار حتى لو كانت زوجة أحدهم في لحظات المخاض وهي في طريقها الى المستشفى، وذلك ريثما يفرغ الجندي من ارسال الاسماء بالراديو الى البوليس السري .
\r\n
\r\n
ويتأكد من هوية الركاب، وقد يؤمرون بالجلوس على الصخر الملتهب او على الطين او الحشائش ساعات طوال، وربما اوقفوا على أرجلهم واشهر الجند السلاح في وجوههم للارهاب، اواخذوا للتفتيش عرايا ذكورا واناثا، واعرف في هذا قصة رجل أبي كريم يعمل ناظرا لاحدى المدارس ويمر على نقطة التفتيش عينها كل يوم ولكن يحلو للجند أحيانا ان يأخذوه للتفتيش .
\r\n
\r\n
وهو عريان يمر طلابه عليه وهو على هذه الحال.القانون المتبع في نقاط التفتيش هو أنه لا يوجد أي قانون يحكم عملية التفتيش، وان وجد فانه قانون متبدل يضعه الجند ويغيرونه كما يشاءون.
\r\n
\r\n
واهم من القانون هي مهمة القانون فعلى ضوئها يوضع القانون ان وضع أصلا. ومهمة القانون هي اعلام الفلسطينيين وافهامهم بمن هو أعز نفرا: الاسرائيليون أم هم؟ والاجابة عند الاسرائيليين واضحة ولكن المطلوب من الفلسطينيين أن يقروا بها ويستيقنوها. وحدثني صديق اسرائيلي من اصل روسي عمل جنديا بعد تجنسه فقال:
\r\n
\r\n
ان من المهم جدا ان نوقف الفلسطينيين على ذلك النحو على الرغم من احساسنا بأنهم لا يحملون قنابل ولا احزمة ناسفة ولا يهددون الأمن. والسبب هو انهم يبدون وديعين مطيعين ويظهرون وكأنهم ضحايا ونحن المجرمون وهذا انطباع يجب ان يتغير، ولذلك فلا بد ان نستفزهم ونهيج مشاعرهم ونظهرهم في صورة المشاغبين المجرمين.
\r\n
\r\n
الارتطام بالحظ السيئ
\r\n
\r\n
هكذا يروعون الفلسطينيين ويرهقونهم في غير طائل. وهذه تجربة مريرة لصديق لي فلسطيني من رام الله اسمه غسان الخطيب، كان يعمل رئيسا لاتحاد طلاب جامعة بيرزيت، وكانت أمه مريضة في نابلس، ولم يكن يمكنه ان ينتظر حتى يستخرج تصريحا للسفر لزيارتها، وتحتم عليه أن يغامر ويسلك طرقا ملتوية تتفادى نقاط التفتيش.
\r\n
\r\n
ان المسافة بين رام الله ونابلس لا تتعدي الثلاثين ميلا تحتاج الى مسيرة اربعين دقيقة بالسيارة، ولكن هذا الشاب قطعها في أربع ساعات، لأنه لم يركب سيارته ولا سيارة عامة وانما استعان بمن حملوه على سياراتهم احيانا في الطريق وانزلوه قبل نقطة التفتيش التالية، حيث اخترق السهول والحقول ماشيا لقد فعل بالضبط ما يفعله الاستشهاديون مع أنه هنا ما ذهب ليستشهد. ان الاستشهاديين لا يمرون على نقاط التفتيش، وانما يمر عليها المسالمون، فتحفزهم الغطرسة الاسرائيلية على سلوك سبيل الاستشهاديين.
\r\n
\r\n
ان القصص من أمثال هذه كثيرة، ولكن قلما يكتب عنها. وهاكم قصة أسوأ. ارتطم يوسف ابو عوض بحظ سيئ ذات يوم، اذ وجد جنديا نكدا في نقطة تفتيش خارج قريته قريبا من مدينة الخليل، كان ذلك في خريف عام 2000م، وكان يوسف وصديق له عائدين من العمل مساء اذ امر بالوقوف وأخذت منهما بطاقتا الهوية، ثم أمر يوسف بأن يرجع الى سيارته فيبقى فيها ولا يتحرك، واخذ الجندي يقذفه بالحصى والاحجار الصغيرة فأصاب السيارة بأذى كبير وكانت سيارة مؤجرة ويوسف مسئول عنها تماما فكيف يدفع للشركة تكاليف تلك الاضرار المتراكبة.
\r\n
\r\n
لقد اصابه انزعاج شديد وحق له ان ينزعج من هذا التصرف الاستفزازي الحقير «ربما كان الجند يريد، ان ينتقم ليعرف اطفال الحجارة باصابة سيارة المواطن المسكين». وقفز يوسف من سيارته مستنكرا رجمها بالحجارة وصاح بالجندي: لماذا تفعل ذلك؟ فرد عليه الجندي بألفاظ نابية وأمره بالسكوت والرجوع الي سيارته.
\r\n
\r\n
ورد يوسف: انني لم أبدأ بالشر لا كلاما ولا فعلا فلماذا تفعل ماتفعل؟ وذهب الى سيارته واستأنف منها احتجاجه: لا يوجد حظر تجول ولا مظاهرات الآن فلماذا تمارس اعمال الشغب مع سيارتي؟ انك طلبت مني ابراز الهوية فاعطيتك اياها فماذا بعد ذلك؟
\r\n
\r\n
استشاط الجندي، وزاد في غيه ونبو الفاظه، وهدد يوسف بأنه سيسدد رصاصه اليه فورا، فقال هذا: ان شئت فافعل فأنت الجاني، ولم يتردد الجندي في تسديد رصاصه الى رأس يوسف من على بعد اربعة اقدام فقط، حيث اخترق الرصاص رأس الضحية ثم انفجر! كان يوسف حين قتل في الحادية والثلاثين من العمروترك وراءه زوجته البالغة خمسة وعشرين عاما وابنة في السادسة وابنا في الخامسة من العمر.
\r\n
\r\n
وذكر شاهد عيان اسرائيلي انه صرخ في الجندي القاتل كيف تقتل شخصا بهذا الشكل يا مجنون، ماذا كان بامكان شخص مثل هذا ان يفعل لك؟ ولم يحتج القاتل بشيء. وعندما رفعت اسرة يوسف شكوى مستعينة باحدى جماعات حقوق الانسان الاسرائيلية جرى تحقيق في الحادثة وقيل ان يوسف كان يزمع أخذ سلاح الجندي منه.
\r\n
\r\n
وهو أمر غير منطقي ولا مقبول بأي معيار لأن نقطة التفتيش اياها كان بها ستة جنود كان القاتل واحدا منهم فكيف يستطيع شخص أعزل ان يأخذ سلاحا من جندي يقف بجواره خمسة جنود مدججون بالسلاح؟!
\r\n
\r\n
انها مجرد حيلة تبريرية جاهزة قيلت لتبرئة الجندي القاتل، واسخف منها التبرير الذي ارفق بها حيث قيل أن يوسف فعل ذلك بدافع الكآبة، واليأس ، والمزاج النفسي المرضي.
\r\n
\r\n
المهمة الكبرى
\r\n
\r\n
لو كان الفلسطينيون قوما بدائيين من السذج لصدقنا ما يقال عنهم من نحو هذا القول، ولكنهم شعب قوي عريق في الثقافة وحصل قدرا هائلا من التعليم يربو عددهم على الثلاثة ملايين نسمة في بلادهم مع عدة ملايين اخرى في الشتات، حيث بعثروا في كل شعاب الارض لكي تحل على حسابهم مشكلة يهود الشتات، ويراد للبقية الباقية من الفلسطينيين في بلادهم من لم يهاجروا أو لم يقدروا على أن يهاجروا او يتحملوا ما لا يحتمل على الاطلاق.
\r\n
\r\n
ان الفلسطينيين ينالون سياسيا تأييدا اكثر من مئة دولة في العالم. ولكن ما اغناهم ذلك شيئا وما اغناهم وعد اشقائهم في جامعة الدول العربية بتقديم العون فمعظم الأموال التي ترصدها الجامعة العربية لصالحهم لا توفي بها الدول المانحة وان وفت بها سقطت في جيوب مريبة قبل ان تصل الى فلسطين أو قليلا بعد ان وصلت الى هناك. اما العون العسكري فقد انقطع تماما منذ عهد طويل. وتاريخيا فانه لم يصل منه الا اقل القليل.
\r\n
\r\n
يروى بعض قدامى المحاربين الاسرائيليين انهم لدى وصولهم الى احدى المدن الفلسطينية الكبرى اثناء حرب 1948 فوجئوا بعدم اعتراضهم بأية مقاومة من أي نوع، ثم باصطفاف الناس للترحيب بهم، وذلك الى ان سقط سلاح جندي اسرائيلي، ورأى الناس عليه شارة يهودية، فصعقوا لأنهم كانوا يظنون ان الجيش الذي دخل عليهم هو الجيش العراقي وقد جاء لنجدتهم من عدوان الجيش الاسرائيلي.
\r\n
\r\n
ومن سخريات الوضع الفلسطيني ان القيادة الفلسطينية أمست تستنصر بالولايات المتحدة اكثر مما تستنصر بالاشقاء العرب. وأميركا وهي تنصر الفلسطينيين لا تفعل اكثر من ان تطلب منهم ان يسدوا افواههم بأيديهم ويكفوا عن الشكوى واللغط حتى لا يسببوا ارتباكا للسياسة الخارجية الاميركية فيما يتصل بالشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
وقد اعطتهم حقهم الذي لا مزيد عليه بعد ان شكلت لهم حكومة لم تستشرهم في شكلها ولا وظائفها ووضعت على قمتها رئيسا مدى الحياة ياسر عرفات.واكتشف الفلسطينيون ان المهمة الكبرى للحكومة الجديدة هي ممارسة القمع الشبيه بالقمع الاسرائيلي.
\r\n
\r\n
أمة الشرف الأعلى
\r\n
\r\n
هذا البلاء المزدوج لا يستحقه بلا ادنى شك هذا الشعب النبيل. عندما تسأل الفلسطينيين لماذا لا تكونوا لانفسكم دولة كما كون كل شعب في العالم دولته، تأتيك الاجابة جاهزة من افواههم: اسرائيل لا تسمح بذلك. وهذا القول أو نحوه كان يقوله قبل سنوات قلائل الطاجيك، والتركمان، والاوزبك، والجورجيون عندما تسألهم لماذا لا تنشئون دولتكم القومية: الروس لا يسمحون بذلك.
\r\n
\r\n
والآن فان لكل قومية من تلك القوميات دولتها الخاصة، بل كاد الاكراد ان يحققوا حلم اقامة الدولة القومية، واما الفلسطينيون فكأنهم يبتعدون كل يوم عن تحقيق ذلك الحلم هذا الا اذا قيل أنه قد تحقق فعلا بدولة عرفات.
\r\n
\r\n
هذا الجحود الذي يلقاه الفلسطينيون هو ابعد شيء عن طبعهم الأصيل الذي يلقون الناس به. وليس امتع من ان تكون ضيفا لدى الفلسطينيين، حيث يبادرونك بكرم لا افتعال فيه، لانهم لا يحسون بأنهم يفعلون الا الواجب عليهم للضيوف.
\r\n
\r\n
هذا طبع كاد ان يختفي من العالم المتمدن، ولكنك تجده راكزا عند اولئك القوم الكرام.. ومهما كان مضيفك فقيرا، او لاجئا يعيش على الكفاف، فانه سيرحب بك ويجلسك في مكان مريح من داره، ثم تأتي سراعا اقداح الشاي، والعصير والقهوة، والفواكه، ويقوم مضيفك بتقطيعها امامك بنفسه ويقدمها لك واذا فرغ قدحك بادر فصب فيه الشاي من جديد، ثم يأتي التمر والتين والحلوى والشاي من جديد.
\r\n
\r\n
ويسألك مضيفك عن صحتك واحوالك مرارا وتكرارا مما يشعرك بتعاطف واخاء انساني شديد الدفء. وان كنت صحافيا تسأل عن حدث او تطلب أخبارا وقصصا فانه يتأهب ليكون في العون، وان تطلب الأمر احضار أشخاص آخرين سعى في احضارهم الى المجلس. ويحضر من يحضر بلا دعوة فيجد الترحيب ويشارك في نقاش الموضوع المطروح.
\r\n
\r\n
واذا انتهى المجلس قدم لك ضيفك الدعوة للمبيت بداره ان خشي على سلامتك من اخطار الطريق، وان اصررت على الذهاب اصر على مرافقتك ليؤمنك مما يخشى وقوعه من أخطار.لقد حظيت بهذه المعاملات الانسانية كثيراً من قبل الفلسطينيين، وتيقنت أخيرا انها لا تبذل من أجلي.
\r\n
\r\n
فكرم هؤلاء الناس مبذول لكل من يلاقونه. ولا يتوقف على شخصية الضيف ومكانته ابدا. انما يتوقف على شخصية المضيف نفسه، ألم أقل أنهم يحسون ان الكرم واجب مفروض عليهم، فالذي يبذل الكرم هنا يحس أنه انما يدفع ضريبة النبل النفسي الذي يتمتع به، ولا يريد ان يسقط عنه بحال!
\r\n
\r\n
هذه الخلة التي تسم الفلسطينيين بعامتهم تفسر عندي لغز صمودهم الطويل. فمن يعتقد أنه نبيل وكريم الى هذا الحد يصعب ان ينهار، ان الشرف لدى هؤلاء أهم من كل شيء آخر. فاذا اصطدمت قيمة الشرف بكل القيم الاخرى كالقوة والقانون أو حتى المصلحة الخاصة فانهم لا يضحون بالشرف أبدا. شرف الأسرة الذي يضحون من أجله بمن ضللن سواء السبيل، وشرف الأمة الذي يمكن ان يضحوا من أجله بأرواحهم جميعا.
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.