ويقينا فإن هذه المسؤولية, ليست مطلوبة على مستوى المدير القومي الذي سيتم تعيينه فحسب, بل من الواجب أن تمتد لتشمل كافة مستويات الأجهزة الاستخباراتية وأنشطتها. وبينما أوصى تقرير اللجنة بتعيين شخص واحد لا أكثر, لتولي إدارة الأجهزة الاستخباراتية مجتمعة, فإنه جاء يحمل عيبا أو وجه قصور آخر, يتمثل في أنه لم يعط حتى هذا الشخص ما يكفي من سلطات وصلاحيات, للقيام بأعباء مسؤوليته ومهمته, على النحو المطلوب. \r\n \r\n ووفقا لتوصيات اللجنة المذكورة, فإن هذا المدير سوف يفتقر للصلاحيات اللازمة للتقرير والتصرف في ميزانيات معظم الوحدات والبرامج الاستخباراتية التابعة لوزارة الدفاع \"البنتاجون\", سيما برامجها الاستخباراتية الموحدة. ليس ذلك فحسب, بل لن تكون لهذا المدير أي سلطة على ميزانية برنامج الاستخبارات الدفاعية التكتيكية, ولا البرامج ذات الصلة بالأنشطة الدفاعية. هذا على صعيد وزارة الدفاع. أما بالنسبة للأنشطة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي\" إف. بي. آي\", فإنه لن يكون مسؤولا عن الأنشطة الاستخباراتية التابعة له, هو الآخر. كما يظل مجهولا حتى الآن, لمن سوف ترفع تقارير كل من مدير وكالة الأمن القومي \"إن. سي. إي\", وتقارير رؤساء الوكالات الأمنية الاستخباراتية الأخرى على سبيل المثال. \r\n \r\n والشاهد أن في مطالبة مدير الأمن القومي الجديد, بأن يعمل بمساعدة ثلاثة نواب له, ينشغلون هم بدورهم بإدارة وكالاتهم وأجهزتهم الاستخباراتية الخاصة, ما يقلل كثيرا من صلاحياته الإدارية التنفيذية. وفيما لو مضى التصور على النحو الذي ارتأته لجنة التحقيقات في هجمات الحادي عشر من سبتمبر, فإنه ليس متوقعا لمدير الأمن القومي المرتقب, أن يكون أكثر من مجرد شبيه لأحد \"قياصرة المخدرات\"! \r\n \r\n عودة لتقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في الهجمات, فإنه يقدم نموذجا جيدا للكيفية التي يمكن بها إيجاد إطار مركزي للأنشطة الاستخباراتية الأميركية. بيد أنه ليس نموذجا ناجزا ولا مثاليا, لكونه لا يخلو من الكثير من نقاط الضعف والعيوب. فهو يستعير كثيرا من البنى الهيكلية الإدارية والقيادية, التابعة لوزارة الدفاع, التي جرى تأسيسها عام 1986. وفقا لتلك البنى, فإن السلطة تتمركز بيد رئيس القيادة المشتركة, خلافا لما هو عليه الحال لدى بقية الأجهزة والوكالات الاستخباراتية الأخرى. والفكرة هنا في وزارة الدفاع, تذليل القيام بعمليات عسكرية دفاعية مشتركة, بين مختلف الوحدات الاستخباراتية الدفاعية. وفي \"البنتاجون\" فإن كلا من القيادة العسكرية الموحدة, والوحدات العسكرية الأخرى الداعمة لها, تعملان تحت السلطة التنفيذية المخولة لوزير الدفاع. \r\n \r\n غير أن هذا الهيكل الإداري, لا ينطبق على البنية الإدارية المقترحة لقيادة الأجهزة والوكالات الاستخباراتية, التي لا بد من أن نضع اعتبارا لأن قادتها, سوف يرفعون تقاريرهم الإدارية, لأعضاء آخرين في مجلس الوزراء. أكثر من ذلك, فإن فكرة إنشاء قيادة مدنية موحدة للأجهزة والوكالات الاستخباراتية القومية, ربما تكون أنسب لمكافحة الإرهاب, أكثر من أن تضطلع بمهام استخباراتية تمت إلى جوانب أخرى من النشاط الأمني. والمقصود بهذه الأخيرة, أن تنشأ قضايا أمنية مفاجئة, في الخلجان التايوانية مثلا, أو في جبهة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني, أو في شبه الجزيرة الهندية.. إلى آخره. \r\n \r\n وفي سياق البحث عن بديل إداري أفضل, من أجل توفير الضمانات الكافية لأداء استخباراتي قومي أكثر كفاءة ومسؤولية, فقد أوصى تقرير اللجنة بوجود مستوى أكبر من الإشراف من قبل الكونجرس, على سير أداء هذه الأجهزة. ولكن إذا كان ما يمكن قراءته تحت السطور, هو أن يكون مدير الاستخبارات الجديد, أكثر استجابة للكونجرس, فإن هذا المطلب لا يعد ميزة, إنما عيبا ونقيصة, سيما وأن بعض أعضاء الكونجرس اقترحوا أن يعمل المدير لمدة محددة ومعلومة الأجل. يكتمل هذا بالقول, إن لرئيس البلاد السلطة المطلقة على الأنشطة الاستخباراتية, مثلما له السلطة كذلك على الشؤون الدفاعية, على أن تكون من مسؤولية مدير الاستخبارات الامتثال لما يراه الرئيس مناسبا في المجال الاستخباراتي , لا أكثر! \r\n \r\n ولكن من واقع تجربتي العملية في هذا المجال, فإن إنشاء وظيفة مدير للاستخبارات برتبة وزير, لن يقدم أو يؤخر كثيرا, في السلطات والصلاحيات الممنوحة لهذا المدير, أيا كانت رتبته. ذلك أن النفوذ الذي سوف يتمتع به هذا المسؤول الاستخباراتي القيادي, يتوقف في نهاية المطاف على نوعية أدائه في المقام الأول, وعلى مدى اعتماد رئيس البلاد عليه, وكذلك فريق الدفاع الأمني, والثقة التي يمنحانها له. إن المعيار الوحيد لنجاح المدير الذي سوف يتولى هذا المنصب, هو مدى قربه من الرئيس, سيما إن كانت الصلاحيات التي يتمتع بها محدودة أصلا. \r\n \r\n ومع ذلك, فإن السؤال الأكثر إلحاحا, الذي لا بد من الطرق عليه هو : ما هي الصلاحيات والسلطات التي سوف يتمتع بها المدير المقترح, كي يؤدي واجباته ومهامه, وفق ما جاء في توصيات اللجنة المكلفة بالتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ وتنشأ أهمية هذا السؤال من الشعور الضاغط والملح, بضرورة توفير الضمانات التي تمكن هذا المدير, من أداء واجباته, لما فيه خدمة لأمننا القومي, في ظروف لم يتعرض فيها أمن الولاياتالمتحدة الأميركية, لخطر, مثل الذي يتعرض له منذ الهجمات وإلى اليوم. فالعبرة ليس في أن ننشئ الوظائف, ولكن في أن نضمن كفاءة أدائها للدور والمسؤوليات المنوطة بها, في هذا الظرف الحرج والدقيق الذي نمر به. \r\n \r\n \r\n جون دويتش \r\n \r\n نائب وزير الدفاع الأميركي 1994-1995 ومدير الاستخبارات المركزية 1995-1996, أستاذ حاليا بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"