فمنذ استقلال البلاد والحكومة السودانية تخوض حروباً منهجية ضد كافة الجماعات العرقية غير العربية في البلاد، كانت اطولها الحرب مع جيش تحرير شعوب السودان في جنوب البلاد. \r\n في دارفور وكرد على ثورة محلية اقدم الجنجويد على نشر جو من الرعب والعنف، فهم يقتلون ويغتصبون ويحرقون من غير ان يردعهم رادع، تدعمهم في ذلك قوات السودان المسلحة التي تقدم لهم تغطية جوية اسهمت كثيرا في ارتفاع الخسائر المدنية في الارواح. \r\n ان عمليات قصف القرى بواسطة الانتونوف العسكرية دليل صارخ لتورط الخرطوم المباشر في سياسة التصفية العرقية الهادفة الى القضاء على اكبر عدد ممكن من الناس من اجل حرمان الثوار من مورد بشري حيوي. \r\n فبعد ان اخلت مئات القرى من سكانها ما فتئت الميليشيات تتعقب ضحاياها حتى حدود معسكرات اللاجئين على حدود التشاد، ناهيك عما تمارسه من عنف على من ظل من هؤلاء الضحايا داخل دارفور. وعلى مرأى ومسمع العاملين ضمن الهيئات الانسانية والشرطة السودانية غير المبالية ترغم هذه الميليشيات ضحاياها على دفع غرامات مالية ولا تتردد في اغتصاب النساء المعوزات اللواتي يغامرن بمغادرة المعسكرات بحثاً عن قوت لاطفالهن والادهى من كل ذلك ومحاولة منها لاعطاء الانطباع بعودة الامور الى مجاريها الطبيعية تبدو الخرطوم مصممة على فرض عودة المرحلين الى قراهم دون اتخاذها لاي اجراءات احتياطية لضمان امنهم او لتزويدهم بوسائل البقاء. \r\n فبعد مرور بضعة شهور على الاحتفالات المخلدة للذكرى العاشرة للابادة الرواندية ما تزال سعة كارثة دارفور وحجمها المخيف تفجع القلوب: لقد ابيد اكثر من 000ر30 شخص ورحل اكثر من مليون داخل اراضي الاقليم بينما بلغ عدد اللاجئين في معسكرات التشاد اكثر من 000ر200. ناهيك عن ان اكثر من 000ر300 شخص مهددون بالموت جوعاً او بسبب نقص الادوية من الان وحتى نهاية العام. \r\n في هذا السياق تبدو النقاشات الجارية في اروقة نيويورك نقاشات خيالية. اما موقف المجتمع الدبلوماسي الدولي المتمثل في غض النظر وصم الاذان مثل موقفه تجاه ارادة الخرطوم السافرة في ترك الجنجويد احراراً في ان يبيدوا ويغتصبوا السكان وفي دعمهم عسكرياً، قلت ان هذا الموقف الدبلوماسي الدولي لن تكون نتيجته غير آلاف الضحايا بالتأكيد. \r\n ومع ذلك فقد دفعت زيارات الامين العام للامم المتحدة ووزير الخارجية الاميركي حكومة السودان على الالتزام علناً من جديد بالانهاء فورا لكافة عمليات الابادة والعنف ضد سكان دارفور. \r\n اما الوحدة الافريقة فتبدو منشغلة بمصداقيتها كجهاز اقليمي لحماية السلم والامن في القارة. ويستحق قرارها بارسال 300 مراقب لدارفور كل التقدير والتحية، مثلما يستحق التقدير والتحية ايضا الاتحاد الاوروبي لقراره تمويل هذا الجهد الافريقي بمبلغ قد يصل الى حدود 12 مليون يورو. \r\n غير ان 300 مراقب منتشرين على مساحة بحجم اقليم فرنسا لن يوقفوا المجازر ان لم يُلزم المجتمع الدولي الخرطوم بايقاف حملته العسكرية فورا! والحال انه على هذا المستوى تحديداً لا شيء تغيّر على الاطلاق. لا شيء غير قرار من مجلس الامن يدعو الخرطوم للتقيد بالتزاماتها ويوضح لها العواقب التي يمكن ان تتعرض لها في حال رفضها، كأن يضطر المجلس لان يطبق عليها سياسة مطابقة للقانون الدولي. \r\n امام الكارثة الجارية فلم يعد يكفي اقتراح عقوبات محددة ضد بعض قادة الجنجويد او ضد بعض القادة السودانيين المسؤولين عن ارتكابهم جرائم ضد البشرية، بل لا بد من فرض عقوبات عسكرية صارمة ضد الخرطوم، فإن لم تتوقف عمليات القصف ضد المدنيين على الفور فإنه يتعين على مجلس الامن ان ينشئ منطقة حظر للتحليق في اجواء دارفور على نحو ما فعل في كردستان العراقية في التسعينات. \r\n وان ظلت المجازر وتهديم القرى والاغتصاب متواصلة، وان ظلت الوكالات الانسانية تجد من يصدها عن القيام بعملها فإنه يتعين على مجلس الامن ان يبادر على الفور بانشاء منطقة امنية للاجئين تحميهم قوة دولية مكونة اساساً من قوات من بلدان الوحدة الافريقية. \r\n رغم «الرسائل القوية» لدبلوماسيينا والنداء بقرار من منظمة الاممالمتحدة يشهر عقوباتها تجاه الخرطوم والذي اطلقه يوم 26 تموز وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي فإننا لا نملك سوى الاسف لمدى انطواء اعضاء مجلس الامن على مواقفهم السلبية الاتكالية وكأنهم يأملون من حكومة البشير ان تفي بوعود ظلت تماطل في تنفيذها على مدى الشهور الثمانية عشرة الماضية، وبينما يثير قرار الكونجرس الاميركي بالاجماع الذي يصف قطاعات دارفور ب«الابادة» الكثير من الانفعالات فإننا حتى اليوم لم نر اي تحسن على الارض على الاطلاق! \r\n بعد الاحتفالات المثيرة التي جرت حول الابادة التي تعرضت لها رواندا والتي اعلن فيها الجميع بصوت عال لا نريد هذا بعد اليوم! قلت بعد كل هذا لا بد وان تضع الوضعية المأساوية في دارفور المجتمع الدولي ومجلس الامن امام مسؤولياتهما.. فالمبدأ المقدس لسيادة الدول في وضعية تقترف فيها الحكومات الفظائع مبدأ باطل ولا اساس له في عالم تهيمن فيه مسؤولية الدول في حماية السكان الواقعين تحت ادارتها وإشرافها. \r\n واذا كنا نحيي جهود التضامن التي اعلنت عنها فرنسا ونشيد بتصريحات الاتحاد الاوروبي في هذا الشأن فإننا نرى ان كل هذا لا يكفي لضمان امن السكان في دارفور. \r\n فعلى الكي دورسيه ان يسعى جاهدا لأن يقنع الخرطوم بأنه ان لم تقدم على تحولات جذرية في سياستها تجاه دارفور فسوف تجد نفسها معزولة امام مجتمع دولي لن يتوقف عن تشديد مواقفه تجاهها. ومن الطيب ان يكون السيد بارنييه قد الح على الدور الاساسي للوحدة الافريقية. فقد بدأ المراقبون الافارقة الاوائل يشهدون على مدى روعهم امام الفظاعات التي شاهدوها. فالخرطوم تراهن على هشاشة النظام الدولي بعد فشله الذريع في العراق وتقدر ان ليس هناك بلد واحد يفكر في هذه الفترة بالذات في اي قرار قوي من مجلس الامن مدعوم بتهديدات عسكرية ملموسة. غير ان فرنسا بالتأكيد تقف موقفاً رائعاً يخوّل لها اعداد نص واضح يسير في هذا الاتجاه! فما زالت رواندا تخيّم على ذاكرتنا جميعاً وذكرى مجازر رواندا هي التي دفعت رئيس الجمهورية للتحرك بسرعة في «ايتوري» Ituri الكونغولي العام الماضي. \r\n ان شجاعة مماثلة لتلك الشجاعة تجاه دارفور سوف توفر علينا الالتفات الى الوراء لكي نتأمل جثثاً كان يمكن بقليل من الشجاعة ومن الاعمال الجادة ان نتفاداها. \r\n \r\n * نائب رئيس «كريسيس غروب» الدولية في بروكسل \r\n لوموند \r\n