ويمكن القول بأن توني بلير هو مؤسس مبدأ الدعوة الى الاصلاح التدريجي السلمي الجديد, المتميز بخصوصية عالية, بعيداً كل البعد عن النماذج القديمة لاشتراكية القرن التاسع عشر. بل على العكس من ذلك تقريباً, فقد قام الاصلاح القديم على اساس الصراع الاجتماعي وايماءاته السياسية, المعتدلة, والتدرجية. اما دعوة دعوة بلير الاصلاحية, فهي مبنية على السلم الاجتماعي. وتسعى الى تحقيق هدف في غاية البساطة: الا وهو العمل على جعل سياسات اليسار متناغمة مع غايات الرأسمالية, ومبادىء الليبرالية الاقتصادية, بالاضافة الى خلق وسيلة للتعاون ما بين البرجوازية الكبيرة, النقابات, والفئات الاجتماعية الاضعف من المجتمع الانكليزي. وينطلق بلير من قناعة بان الرأسمالية الليبرالية آخذة في التوسع والامتداد, بقوة هائلة, وذلك اثر سقوط جدار برلين, ونهاية الشيوعية في الشرق الاوروبي, بحيث تجعلها قادرة على انتاج مقدار كاف من الثروة والغنى, الذي لا يعمل فقط على تلبية حاجات وتطلعات الفئات القوية, بل يتعدى ذلك الى الايفاء بضرورات الطبقات التابعة, وتبعاً لما يعتقده بلير ومجموعة المثقفين الذي يعملون الى جانبه, فان امكانية تحسين الاحوال المعيشية للطبقات والفئات الفقيرة, متناسبة بشكل مباشر مع تطور المذهب الرأسمالي, وتتحول لتصبح تابعة غير ثابتة. فيحصل الفقراء على جزء اكبر من الثروة. وحقوق اكثر فيما يخص النجاحات المتعلقة بالزيادات في المكاسب والارباح. وعليه, فإن من واجب الاصلاح الجديد التعاون مع الرأسمالية الليبرالية, لجعل رأس المال اكثر فعالية, ولهدف محاربة الفساد الاقتصادي, والحمائية »اي الاتجاه الاقتصادي لحماية الانتاج الوطني بفرض الرسوم العالية على البضائع المماثلة المستوردة«, هيمنة الدولة على الخدمات, ومردودات المركز. ويتم بهذه الطريقة العمل على زيادة مقدار الثروة التي يصار الى اقتسامها. \r\n \r\n ولن يكون الهدف هو ذاك الرامي الى جعل معايير تقاسم الثروة اكثر انصافاً, بل العمل بكل بساطة على زيادة مقدار تلك الثروة. \r\n \r\n انها عملية انقلاب تام بالنسبة للاصلاح التقليدي, وللفكر الامريكي الليبرالي, حتى ذلك المعتدل منه, الخاص بروزفيلت, وكنيدي, فالاصلاح التقليدي, والسياسات الديمقراطية الامريكية كانت تعول كثيراً على توفير الدعم اللازم للقوانين على حساب الحاق الاذى بالمكاسب والمنافع, معتقدة بقدرتها على ادارة التوازن ما بين القوانين والمكاسب لفائدة الاولى, ولكن مع ضمان وجود الاخرى, وكانت الاستراتيجية تلك التي تقضي بانبعاث رأسمالية »مسيطر عليها«, بحيث تكون محركاً للتطور, ولكن ليست متحكمة بالمجتمع وبالدولة, اما مذهب بلير فيخرج عن هذا التقليد, فيعترف للرأسمالية بدور قيادي, ويسند لليسار عملاً مهماً, ولكنه ثانوي يتمثل في ادارة خالصة للدولة وللقواعد الاقتصادية العمومية, في مرحلة تعمل في كل الاحوال على الانتقاص من ثقل الدولة والقواعد سواء بسواء. \r\n \r\n وهل يمثل المذهب الذي يتبعه بلير الوجه الحقيقي والذراع القوي لمجمل الاصلاح الغربي للقرن الحادي والعشرين? فلقد ادت هذه المسألة الى فتح باب جدل واسع ومعقد, شمل كافة احزاب اليسار الاوروبي والامريكي, الذي ما زالت غائبة بشأنه المصطلحات الحقيقية, التكتلات, وامكانيات الوصول. ومذهب بلير هذا هو اكثر بكثير من »الكلينتونية« او »الاوليفيزمو« الايطالي, او الاشتراكية الفرنسية ونظيرتها الالمانية, فلا شك في انه قد مثل تحولاً وفتقاً في تاريخ اليسار, وكان الانطباع السائد لغاية عامين مضيا, بان بلير, ربما كان هو الرجل الرابح, بعد ان كان هو الاشجع في دفع ضاغط السرعة الخاص بتجديد اليسار, وبأن كافة قوى اليسار الاصلاحية, بما فيها تلك الاكثر خجلاً, مثل الفرنسية, كانت مجبرة على اتباعه. ولكن لا يفوتنا القول في هذا المقام بأن تنامي حركة المناداة بعالم آخر مختلف, بحيث اصبحت تعم اوروبا بأكملها, وتحول زاباتيرو في اسبانيا ناحية اليسار, والمأساة العسكرية الانكلو - امريكية في العراق, لا بد وان تعمل مجتمعة على تعديل الاطار بشكل جذري, وعليه, فان بلير يغامر بالتعرض للهزيمة بعد مرور عشرة اعوام على توليه الحكم. \r\n \r\n اما سبب ذلك, فيعود بالمقام الاول الى كون سياسته قد تميزت بنقطة ضعف: الا وهي المتمثلة بالاعتقاد بان تطور وبروز ظاهرة العولمة سيتواصلان من دون هزات, بحيث تعمل على تركيز حصص من الثروة تكون اكبر باستمرار, تحظى بها اوروبا, ومنها بريطانيا على وجه الخصوص. ولقد كان تركيز الثروة هذا هو احد الشروط الكفيلة بنجاح مبدأ بلير, وحيث ان عملية العولمة قد تعطلت, فان امكانيات المحافظة على الثروة الغربية مصفحة آخذة في »الترقق«.0 \r\n \r\n عن: الاونيتا الايطالية \r\n \r\n