\r\n اما بداية القرن الجديد فبداية يطبعها الخوف من تصاعد العنف المتفشي ولا سيما من اللجوء الى اسلحة الدمار الشامل على يد جماعات خاصة. خوف تعذية احداث مهولة كهجومات الحادي عشر من ايلول 2001 وهجومات الحادي عشر من آذار 2004 . غير انه مع ذلك لا شيء ينبئ بانزلاقٍ شامل كالذي قاد العالم الى الصراعين الدوليين الكبيرين في القرن الماضي . \r\n لكن شريطة ان يتعرف «المجتمع الدولي» على مناطق الكرة الارضية المريضة حقاً وان يكون قادراً على اعداد العلاجات المناسبة. ولا شك ان اهم هذه المناطق هي الشريط الواسع الذي يضم القوس العربي الاسلامي والعالم الايراني الى تخوم الهندوس حيث يعيش واحد من عشرة من سكان المعمورة. \r\n لكن قبل الحديث عن العلاج لا بد من تشخيص للامراض فبالنسبة لهذه المنطقة تحديداً فإن اول مشكلة ما بين الولاياتالمتحدة، القوة المهيمنة بشكل دائم وما بين حلفائها بما في ذلك حلفاؤها في المنطقة ناتجة عن غياب تشخيص مشترك ما بين هذه واولئك. فحتى يتأتى هذا التشخيص الموقد لا بد من القاء نظرة ثاقبة على التاريخ . ففي خلال القرن التاسع عشر كانت تلك البلدان خاضعة بدرجات متفاوتة لرهانات صراعات ما بين القوى الاوروبية بما في ذلك روسيا القياصرة مع خلفية تكفك الامبراطورية العثمانية ومراقبة طريق الهند وقد عجلت الحرب العالمية الاولى الانفجار واعادة تشكل وحدات جغرافية وسياسية مصطنعة ومشاريع جيوسياسية متناقضة فيما بينها وبالتالي حاملة لصراعات مستقبلية. \r\n من بين هذه المشاريع مشروع انشاء بؤرة قومية يهودية على ارض فلسطين طبقاً لاعلان بلفور العام 1917 تمخضت عن عواقب وخيمة مستدامة. فما بين الحربين العالميتين ما فتئت السياسة البريطانية تتعثر في قضية فلسطين الشائكة ، وما بعد الحرب العالمية الثانية جاء تراجع القوى الاوروبية وهزيمة البلدان العربية في حرب 1948 / 49 مع دولة اسرائيل الحديثة ليفسر الى حد كبير الانقلابات العسكرية العديدة وشعبية الانظمة القومية والشمولية ومنها شعبية جمال عبدالناصر الاكثر تمثيلاً بسبب الآمال الواسعة التي احياها في المنطقة. لكن هذا النظام وعلى غرار انظمة اخرى لاحقة متشددة (سوريا والعراق) ما لبث ان تعرض لهزات قوية على اثر حرب الايام الستة العام 1967 ، لكنه ظل قائماً رغم تلك الهزات . \r\n وتجدر الاشارة الى ان اهمية الصراع الاسرائيلي العربي ناتجة من كون ان هذا الصراع يخلط ما بين مصالح تراها البلدان الغربية والبلدان المتورطة مباشرة في هذا الصراع مصالح حيوية. فهذا الصراع الذي ظل دوماً بلا تسوية ما فتئ يثير ويهيج المتطرفين ويقلل من فرص الديمقراطية. \r\n ولذلك فلا يمكن تحقيق اي استقرار سياسي ولا اي تنمية اقتصادية مستدامة في المنطقة ما لم يتم تحقيق تسوية عادلة للمشكلة الفلسطينية. \r\n في نهاية السبعينات جاء سقوط نظام شاه ايران الموالي لاميركا مع انتصار آية الله الخميني ليسجل منعطفاً هاماً في المنطقة ساعتها اكتشف العالم الغربي «الخطر الاسلامي» قبل ان يتم التطرق الى «صدام الحضارات». ومنذ ذلك الحين ما فتئ هذا الانشغال يلازمه. \r\n على الصعيد الاقتصادي يمكن القول ان العامل الاساسي الذي يؤثر على الشرق الاوسط ويمتد حتى القوفاز هو بطبيعة الحال البترول الذي ما فتئ ينمو منذ بداية القرن العشرين والذي اصبح رهانا حيوياً ابتداءً من الحرب العالمية الثانية - فبسبب البترول تحديداً اعاد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة بناء الجسور جزئياً مع سياسة القياصرة التي قطعها بعد ثورة اكتوبر في محاولة لايجاد موطئ قدم في الشرق الاوسط. \r\n وبعد حرب اكتوبر 1973 ادى قلب التحالفات الذي قام به انور السادات الى معاهدة السلام الاسرائيلية المصرية العام 1979 . \r\n وبعد ذلك وبعد انهيار اتحاد السوفياتي نفسه العام 1991 ما لبث الاحباط ان اصاب الآمال المعلقة على تسوية شاملة في الشرق الاوسط بسبب اغتيال اسحاق رابين العام 1995 وما نتج عن ذلك من تشدد وتصلب في المواقف وقد سعى بيل كلنتون طويلاً لتفادي التورط في هذا الوضع منتظراً انتهاء عهدته الاولى لكي يتحرك في هذا الاتجاه. \r\n فالولاياتالمتحدة المتواجدة في الشرقين الادنى والاوسط منذ بداية القرن الماضي ولا سيما عبر مؤسسات خاصة ما تزال تحظى بالاحترام لحد الآن، ما فتئت تتمتع باوراق رابحة هائلة بعد عام 1945 لا سيما وانها كانت تحمل ايديولوجية مناهضة للاستعمار. غير ان الولاياتالمتحدة مع الاسف لم تبذل اي جهد على مر الايام من اجل الحفاظ على رصيد التعاطف الذي كانت تتمتع به فصارت بدورها تظهر بمظهر الدولة الاميريالية بعد اقصاء الاوروبيين ومن بعدهم اختفاء السوفيات . فالولاياتالمتحدة بحكم ميولها لدعم الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة دعماً لا شروطاً وتمسكها بمصالحها البترولية الضيقة ما فتئت تتلاعب مع الانظمة العربية ومع ايرانوباكستان على السواء. \r\n * البنلادينية \r\n هكذا تفرغت الولاياتالمتحدة للسياسة الواقعية بمعناها الاكثر بذاءة فراحت تطيح بالبعض تارة (مصدق العام 1953) وتدعم الآخرين تارة اخرى (العربية السعودية) او تعززهم للامساك بهم بشكل افضل (السادات ومبارك منذ العام 1978) وتحرك القوى المحلية (المجاهدين في الحرب ضد الغزو السوفياتي لافغانستان في الثمانينات . وحين قررت غزو العراق تقلب نظامه دون الاعداد الجيد والجاد لما بعد الحرب ودون تجربة كافية ما لبثت الولاياتالمتحدة ان خلقت ولو بشكل لا ارادي بؤرة قوية من الفوض. \r\n وفي هذا السياق يبدو المخطط الاخير الذي تبنته الولاياتالمتحدة تحت عنوان «الشرق الاوسط الكبير» والذي لا يدخل في اي من حساباته الجرح الفلسطيني على الاطلاق والذي يلزم الانظمة الاستبدادية بانجاز اصلاحات ديمقراطية، قلت يبدو هذا المخطط مخططا طائشاً، ومن اوجه عديدة غير ذي جدوى. \r\n وجدير بالذكر ان العديد من الغربيين سرعان ما اوعزوا هذه القصة المأساوية لعدم توافق الاسلام مع الحداثة. غير ان مثل هذا الادعاء الذي تفقده التجربة التركية ادعاء لا اساس له. ترى من الذي لا يرى ان العراق مثلاً الذي يملك البترول والماء وطاقة بشرية عالية الجودة.، كان قادراً على ان يستخدم طاقاته لبناء دولة لامة على نحو ما كان يحلم بها الكثير في الستينات؟ في حالة العراق تحديداً الخطأ بالتأكيد خطأ الدكتاتور المخلوع، ولكنه ايضاً خطأ كل الذين ما فتئوا يدعمونه ويساندونه حتى ما بعد نهاية الحرب ما بين العراق وايران في الثمانينات. \r\n ان علاج هذه المنطقة التي تمتد من المغرب الاقصى الى باكستان وهي المنطقة التي تحتوي فيها الظاهرة الاسلامية اليوم الكثير من الاحباطات المتراكمة على مدى اكثر من قرن من الزمن قلت ان علاج هذه المنطقة سوف يستغرق من الوقت اكثر مما يستغرقه المرض كلما توسع وتعمق . وللوصول الى حالة الشفاء لا يكفي بالتأكيد التفكير بمنطق «الحرب ضد الارهاب» . \r\n لأن هناك نقطة بداية تفرض نفسها فرضاً على الجميع الا وهي التسوية العادلة للمسألة الاسرائيلية الفلسطينية. \r\n يقال في واشنطن ان واحداً مثل جون كيري او حتى جورج بوش الثاني قد يستطيع عند بداية عهدته ان يكلف بيل كلنتون - التي تكشف مذكراته التي نشرت مؤخراً عن مدى اسفه لعدم تمكنه من الوصول الى النهاية في هذه المسألة بتسوية هذه المشكلة. \r\n لا بد ايضاً من الشروع في محادثات دبلوماسية حقيقية مع البلدان التي لا يمكن تحقيق اي استقرار بدونها ابتداء بايران. ويجب على الخصوص ادراج مسألة احتمال امتلاك ايران للسلاح النووي في اجندة اوسع مع ادراج كافة الجوانب الامنية في المنطقة وبشكل عام الكف عن اللعب بفكرة تغيير الانظمة. على هذه الانظمة بالتأكيد التكيف مع الاوضاع وفقاً لمصالحها الخاصة. فالضغوط الخارجية يمكن ان تساهم في ذلك بقوة ولكن بشكل غير مباشر مع استعمال وسائل الحث والتشجيع بدلاً من وسائل العنف والتهديد. \r\n وللاوروبيين دور اساسي يجب ان يلعبوه في عمل المصالحة الاساسي هذا، بحكم قربهم من المنطقة وبموجب تجربتهم وثقلهم الاقتصادي. لكن الاوروبيين غير مهيئين بما فيه الكفاية لاتخاذ الاجراءات السياسية الاساسية . فالولاياتالمتحدة وحدها هي القادرة على تحقيق ذلك. \r\n وهذا تحديداً هو ما ننتظره من الرئيس الرابع والاربعين بعد توليه الرئاسة القادمة للولايات المتحدة. \r\n