\r\n الاسرائيليون والفلسطينيون ليسوا وحدهم الذين يشعرون بالقلق ازاء كل هذه التطورات المتسارعة, وانما يشاركهم في هذا القلق دول الجوار وفي مقدمتها مصر, وسيتبين قريباً بأن لدى اسرائيل ومصر مصلحة مشتركة ورغبة متماثلة: فالجانبان يريدان ويرغبان بأن يسود قطاع غزة الهدوء والعقل والمنطق, واذا ما تتبّع المرء الافكار والمواقف التي يتخذها الرئيس المصري حسني مبارك فإنه يستطيع ان يلاحظ بأن وجهة نظره ترتكز على نقطة وحيدة رئيسية فقط وهي ان سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني هي القادرة فقط على تحقيق الهدوء والنظام في القطاع بعد اتمام انسحاب القوات الاسرائيلية منه, وان هذه السلطة هي التي يتوجب عليها ان تفرض سيطرتها على القطاع وعلى حركة حماس والتعامل مع هذه الحركة بالشكل الذي يخدم مصالحها ومصالح الشعب الفلسطيني. وانطلاقاً من هذه القناعة المصرية يتنقل موفد القيادة المصرية رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية المصرية الجنرال عمر سليمان في رحلات مكوكية بين مقر عرفات في المقاطعة المحاصرة في رام الله وبين مقر القيادة السياسية الاسرائيلية في القدسالغربية. \r\n \r\n وفي هذا الاطار يتفاوض كبار السياسيين في الحكومة الاسرائيلية من خلال ما بحوزتهم من قوة ونفوذ ومن خلال ممارسات فوقية متعجرفة ومتطرفة تعكس خطواتهم المستقبلية من حيث ابقاء سيطرتهم شبه الكاملة على القطاع حتى بعد الانسحاب العسكري المرتقب منه, وترك السلطة الفلسطينية التي يتزعمها ياسر عرفات المكروه والمحاصر اسرائيلياً تتحمل مسؤولية ادارة هذا القطاع ومسؤولية التعامل مع القوى والتيارات المعارضة والمتشددة فيه. ولكن هذا ليس ما يريده رئيس الوزراء شارون فقط من خطته احادية الجانب, فهو يرفض ان يتم الانسحاب من خلال التفاوض مع القيادة الفلسطينية التي لا يعترف بها اصلاً وهو يصّر في الوقت نفسه بأن يكون قرار الانسحاب من غزة احادي الجانب والابقاء على عرفات محاصراً في مقر المقاطعة, لكونه لا يزال يعتبر عرفات شخصاً غير مرغوب فيه. \r\n \r\n وهذا ليس كل شيء: فالمصريون يعلمون جيداً بأنهم لا يستطيعون وحدهم توفير مستلزمات العيش الاساسية لحوالي مليوني مواطن فلسطيني يشكلون عدد سكان قطاع غزة, وبالتالي فإنهم اي المصريون - بحاجة ماسة الى مساعدة ومساندة الامريكيين والاوروبيين ومنظمة الاممالمتحدة لهم. لكن اي تدخل اجنبي او خارجي في ادارة المناطق التي ستنسحب اسرائيل منها, وبخاصة من جانب الاوروبيين, قوبل حتى الان بالرفض, ليس من قبل حكومة شارون الحالية فقط, بل ومن جانب كل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. ويبدو ان حكومة شارون بالتحديد لا تزال ملتزمة بهذا الموقف حتى الان. \r\n \r\n وهناك اختلافات جوهرية ورئيسية بين ما يتميز به الوضع الراهن المتأزم وبين الطروحات والتصورات التي حدد شارون ملامحها في شهر شباط من هذا العام, عندما كشف النقاب لاول مرة عن خطة الانسحاب احادية الجانب من قطاع غزة وازالة المستوطنات اليهودية من القطاع, ويخشى بعض المراقبين بأن يجد شارون نفسه مضطراً في نهاية المطاف للتراجع او التنصل من خطته المقترنة به شخصياً, لكن مثل هذه المخاوف لا تبدو مبررة او محتملة ولا اساس لها. فشارون لم يعد في وضع يستطيع من خلاله التراجع او التنصل من مبادرته الذاتية, فهو يعلم ويعرف تماماً بأن خطة الانسحاب تلبي رغبات الغالبية العظمى من الاسرائيليين, كما تلبي رغبات غالبية الناخبين الليكوديين, وفوق كل ذلك فإن شارون لن يسمح بأي شكل من الاشكال ان يصعّب من توجهات الرئيس الامريكي جورج بوش المؤيدة بشكل كامل للسياسات التي ينتهجها هو, وان يعرضه بالتالي الى نكسة جديدة تضاف الى النكسات الخطيرة التي يتعرض لها الرئيس الامريكي من جراء سياساته ومغامراته الفاشلة في العراق والشرق الاوسط, كما ان شارون ليس مستعداً للتراجع عن سياساته وخططه, فهو يعلم بأنه اذا ما حاول التراجع عن خطته الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة فإنه سيساهم في الحاق الضرر بحليفه الامريكي بوش وبخاصة في معركته الانتخابية الرئاسية التي تحتاج الى معجزة الهية تمكنه من استعادة تفوقه ومصداقيته امام الناخبين الامريكيين. \r\n \r\n وحتى ما يثار من تكهنات بشأن احتمال انهيار التحالف الحكومي الاسرائيلي الحالي, فإن مثل هذا الاحتمال لا يبدو مرجحاً في هذه المرحلة من الصراع الداخلي الذي تشهده الساحة الاسرائيلية. صحيح ان حكومة شارون قد فقدت الاغلبية في الكنيست الاسرائيلي »البرلمان«, لكن تلك الحكومة لا زالت تأمل بإمكانية الوصول الى تفاهم شراكة مع حزب العمل الاسرائيلي المعارض, والذي يبدو بأنه على استعداد للدخول في مثل هذا التحالف لانقاذ شارون وخطته. \r\n \r\n وباختصار شديد, فإن خطة شارون للانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة, ستظل قائمة وصامدة, وان القرار الخاص بهذا الشأن اصبح قراراً نهائياً لا رجعة عنه,. واذا كان هذا القرار على جانب كبير من الاهمية, فإن ما هو اهم من ذلك يكمن في السؤال التالي: ماذا يمكن ان يحصل بعد ذلك? فوزير الخارجية الامريكي كولن باول سبق له ان اوضح السياسة التي ستنتهجها ادارة بوش خلال المراحل القادمة للعملية التي ستجرى في الضفة الغربية, وكما جاء على لسان باول فإن على الفلسطينيين في الضفة الغربية ان يتمسكوا بالمناطق التي بحوزتهم والخاضعة لهم. وقال في مقابلته مع محطة التفلزيون الامريكية »CNN« في السادس من حزيران ان الولاياتالمتحدة ترفض بشكل قاطع تقطيع اوصال المناطق الفلسطينية الى كونتونات صغيرة, لكن مثل هذه التصريحات لا تتفق مطلقاً مع تصورات شارون. \r\n \r\n وبمجرد ان يتم اخلاء قطاع غزة من اي تواجد عسكري اسرائيلي بموجب خطة الانسحاب فإن سلسلة من التناقضات والخلافات ستطفو على السطح بين سياسات حكومة شارون في الضفة الغربية وبين توقعات وتطلعات المصريين والاوروبيين وحتى الامريكيين ايضاً. \r\n \r\n فالامريكيون سيكونون قد انتهوا من معركة الانتخابات الرئاسية وتركوها خلفهم, وسيكون شارون مضطراً على ما يبدو لخوض انتخابات عامة مبكرة في اسرائيل. وبين هذه وتلك ستكون الساحة مهيأة لبدء »لعبة جديدة« طبقاً لما يقال داخل الولاياتالمتحدة.0 \r\n \r\n »دي فيلت« الالمانية \r\n