\r\n وإذا قرأتم المزيد من أجزاء ذلك الإعلان، التي كان يندر أن نغامر بقراءتها بعد دروس التربية الوطنية في الصف التاسع، فمن الممكن أن ينتابكم شعور آخر غير الإعجاب: إنه قشعريرة باردة يطلقها إدراك الحقيقة. ذلك أن معظم نص الإعلان مكرس لتعداد التهم الموجهة إلى الملك جورج الثالث، والتي يحمل عدد منها علاقة مخيفة بوقتنا الحاضر. \r\n \r\n وجورج الثالث مُتهم مثلاً ب\"حرماننا في حالات كثيرة من مزايا المحاكمة أمام هيئة محلفين\"؛ أماّ رئيسنا جورج بوش الثاني فأودع في السجن مواطنين أميركيين اثنين هما \"خوسيه باديللا\" و\"ياسر عصام حمدي\" منذ عام 2002، دون إعطائهما مزايا المحاكمات أو الحصول على استشارة قانونية أو أية فرصة لتحدي الأدلة المقدّمة ضدهما. لا بل إن القاضيين العنيدين \"أنتونين سكاليا\" و\"ويليام رينكويست\" حكما مؤخراً على هذه الغطرسة التنفيذية بأنها أمر لا يطاق. \r\n \r\n وسيكون من السخف طبعاً أن نبالغ في تقييم أوجه الشبه بين عامي 1776 و2004. فالذين وقّعوا على إعلان الاستقلال كانوا رعايا استعماريين لرجل صاروا يعتبرونه ملكاً أجنبياً. وكانت إحدى مظالمهم الرئيسية تتعلق بالعبء الضريبي المفروض عليهم لدعم حروب الملك. وبالمقارنة نجد أن ضرائبنا الحالية قد تم تقليصها- ولا سيّما في ما يتعلق بالناس الأقل احتياجاً للمال- كما تم رمي تكاليف الحرب الضخمة على أطفالنا وأحفادنا. ولن يكون من اللباقة أن نصرّ على أوجه الشبه بين جورج بوش الثاني والملك جورج الثالث الذي كتب عنه المؤرخ البريطاني قائلاً \"كان عقله أصغر من عقل أي ملك إنجليزي حكم قبله، مع استثناء الملك جيمس الثاني\". لكن أوجه الشبه موجودة ولا يمكن إنكارها. لقد قال إعلان الاستقلال عن جورج الثالث إنه \"اختار أن يجعل الجيش مستقلاً عن السلطة المدنية ومتفوقاً عليها\". \r\n \r\n واليوم بات مسموحاً للجيش أن يحقق في جرائمه التي ارتكبها هو في العراق. وجورج الثالث \"أعاق عمل إدارة العدل\" أي وزارة العدل. أمّا جورج بوش الثاني فسعى إلى تفادي المراجعة القضائية بإخفاء المحتجزين بعيداً في \"غوانتانامو\"، وقاوم بإصرار وثبات استخدام القانون المعني بحقوق الأجانب في المطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق بهم، وهو قانون يسمح للمواطنين غير الأميركيين بتوجيه الاتهامات أمام المحاكم الأميركية بانتهاكات حقوق الإنسان. \r\n \r\n والموقّعون على إعلان الاستقلال اتهموا ملكهم السابق ب\"إقصاء مواثيقنا وإلغاء قوانيننا الأكثر قيمة، وإحداث تغييرات جوهرية في أشكال الحكم لدينا\". أمّا الإدارة الحالية فإنها تبذل كل ما في وسعها لتأسيس ما يكافئ الحق الإلهي الذي حكم الملوك به، مع إصدارها مذكرات قانونية تؤكّد على أن صلاحيات جورج بوش الثاني \"المتأصلة\" الأساسية تسمح له بتجاهل القوانين الفيدرالية التي تحرّم التعذيب وجرائم الحرب. \r\n \r\n ثم نأتي على ذكر الاتهام الأكثر جرأة والأشد تعميماً واكتساحاً على الإطلاق من كل الاتهامات التي أطلقها إعلان الاستقلال، وهو اتهام يدين الملك جورج الثالث على \"نقل الجيوش الجرارة الكبيرة المؤلفة من المرتزقة الأجانب إلى أعمال القتل والتدمير والطغيان المتعمدة التي بدأت بظروف من القسوة والغدر التي قلّما تجد لها شبيهاً في أكثر العصور وحشية وهمجية، وهي التي لا تليق على الإطلاق برئيس أمة متحضرة\". وهنا عليكم أن تترجموا كلمة \"مرتزقة\" إلى كلمة \"مقاولين\" أو عمال متعاقدين وإلى عبارة \"جيوش تحارب بالوكالة عن الغير\" (هل تتذكرون التحالف الشمالي الأفغاني المتعطش إلى الدماء والكاره للنساء؟)، ثم تَرجِموا العبارة الأخيرة الطويلة لتضعوا في مكانها عبارة سجن \"أبوغريب\" و\"غوانتانامو\". \r\n \r\n لكن الجملة الأخيرة من إعلان الاستقلال هي التي تستحق الدراسة الأدق، وهي تقول: \"وفي ما يتعلق بدعم هذا الإعلان... يعهد كل منا إلى الآخر بحياته وثرواته وشرفه المقدس\". واليوم، هناك الذين يعتقدون أن الحرب على الإرهاب تتطلب التضحية بحرياتنا، وهم يحبون محاولة البرهنة على أن \"الدستور ليس اتفاقية انتحار\". لكن إعلان الاستقلال، وبمعنى ما، كان كذلك بالضبط. \r\n \r\n وبالتوقيع على نص \"جيفرسون\"، كان الموقّعون على إعلان الاستقلال يعرضون حياتهم للخطر. فإنجلترا كانت آنذاك القوة العسكرية الأكبر في العالم، ولم يكن لحفنة من المزارعين أمامها إلا فرصة ضئيلة لتحقيق الغلبة. ولم يكن \"بنيامين فرانكلين\" يمزح ويعبث حين كان يطلق ملاحظاته الظريفة عن الشنق الجماعي أو الشنق الانفرادي. فعندما كان يتم آنذاك إلحاق الهزيمة بالميليشيا الأميركية في ميدان المعركة، كان من الممكن لزعمائها أن يتوقعوا الموت شنقاً باعتبارهم خونة. \r\n \r\n لكنهم وقّعوا على إعلان الاستقلال في أية حال، ليصرّحوا للعالم بأن هناك شيئاً أغلى من الحياة، وهو الحرية. وها نحن بفضل شجاعتهم لسنا مضطرين الآن إلى المخاطرة بالتعرض للموت لكي نحافظ على الحريات التي أورثونا إياها. فكل ما علينا فعله هو أن ندلي بأصواتنا الانتخابية. \r\n \r\n \r\n بربارا إيهرنريتش \r\n \r\n كاتبة أميركية \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"