\r\n مما لا شك فيه ان هدف المصريين من القيام بعمل ما، لا يرجع الى الاحساس بوجود فرصة، ولكن ايضا، الى ادراك مصر للأخطار المحتملة. ان آخر ما تريده مصر هو انتشار الفوضى في غزة، او وقوعها تحت سيطرة «حماس»، كما هي الآن، على حدود مصر. \r\n ومن المفارقات ان قرار شارون بالانسحاب من غزة، ادى الى تبني مصر الدور الذي كانت تلعبه من قبل الولاياتالمتحدة، فمصر الآن هي التي تسعى الى تنسيق انسحاب اسرائيل، وتولي السلطة الفلسطينية المسؤوليات. ومصر هي التي تسعى الى مواجهة القلق الأمني الاسرائيلي لضمان استكمال الانسحاب. ومصر هي التي تحاول اعادة تنظيم وإعادة تشكيل وتدريب قوات الأمن الفلسطينية، وتعزيز دور رئيس الوزراء الفلسطيني. \r\n هل يمكن ان تنجح مصر في مساعيها؟ \r\n لتحقيق ذلك على القاهرة التغلب على صعاب تواجهها من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. ففي اسرائيل ربما اتخذ شارون قراره، ولكنه لا يستطيع تجاهل قلق المؤسسة العسكرية، لا سيما أن حزبه يقاوم الانسحاب. وحتى قبل اول حادثة قتل لإسرائيليين في صحراء النقب في بلدة سيدروت بصواريخ من نوع القسام، كانت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تشعر بقلق من وصول اسلحة نوعية ذات قدرة تدميرية اكبر (صواريخ كاتيوشا وصواريخ سام) الى غزة فور انسحاب اسرائيل. وبسبب ذلك، فإن قوات الجيش الاسرائيلي فضلت الاحتفاظ بمعبر فيلادلفيا، وهو عبارة عن شريط ضيق من الارض يفصل بين غزة ومصر، بالرغم من رغبة رئيس الوزراء في الانسحاب الكامل. وإذا ارادت مصر استكمال الانسحاب الاسرائيلي فعليها ان تؤكد للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية انها تعمل من اجل اغلاق قنوات انفاق التهريب. وحتى الآن فإن القيادات العسكرية الاسرائيلية التي تحدث اليها غير مقتنعة، \r\n غير ان التحديات مع الفلسطينيين ربما تكون اصعب، فالسلطة الفلسطينية في غزة عاجزة عن تأدية وظائفها الأمنية، وتوجد عدة منظمات أمنية مرتبطة بأجنحة مختلفة من فتح، وذات قيادات مختلفة. والأكثر من ذلك، فعلى هذه القوى المتصارعة التنافس مع «حماس» و«الجهاد». وتريد مصر خلق تناسق بسماح ياسر عرفات بتجميع المنظمات الأمنية في ثلاث هيئات ذات تسلسل قيادي ومنفصلة عن فتح. وتريد مصر من قادة قوى الأمن الجديدة، الحضور الى القاهرة للتوصل الى تفاهم حول مسؤولياتها، وحول كيفية تأديتها، وكيف يمكن لمصر مراقبة ادائهم، وكيف ستدعمهم. وبعد التوصل الى مثل هذا التفاهم، سيرسل المصريون 150 مستشارا للعمل ومراقبة قوات الأمن الجديدة في غزة. \r\n انها خطة منطقية. وفيما وجدت الخطة تأييدا من رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع، جاء تأييد عرفات لها على مضض وإثر ضغوط. موافقة عرفات تعني تقريبا الرفض في هذه المرحلة، لكن الرئيس لن يتخلى مطلقا عن السيطرة على غزة، فضلا عن انه لن يسمح بظهور شخص آخر كمحرر للقطاع. \r\n هل يعني ذلك ضياع كل شيء؟ \r\n ليس بالضرورة، إلا ان الامر سيتطلب ممارسة ضغوط متواصلة على عرفات من جانب مصر، بما في ذلك الإعلان عن ميل عرفات الى وضع العقبات. فعرفات لا يأبه كثيرا بانتقاداتنا، ولكن اذا اعلن الاصدقاء التقليديون للفلسطينيين عن مساعي عرفات لعرقلة احراز أي تقدم في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن ذلك سيكون له أثره فيه. \r\n الرئيس مبارك وغيره من القادة العرب وجهوا انتقاداتهم لعرفات في سياق غير رسمي. ويمكن القول ان دور مصر، في ما يحدث في غزة، من المحتمل ان يؤدي الى تغيير في الحسابات التقليدية، اذ يمكن لمصر ان تصبح وسيطا في التوصل الى تفاهم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بشأن التوقيت الخاص بالخطوات التي ستتخذها اسرائيل توطئة للانسحاب، والخطوات التي سيتخذها الجانب الفلسطيني في المقابل، ووسائل تنسيق تسلم السلطة، فضلا عن المناطق المحددة التي ستعمل فيها قوات الجيش الاسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية معا. \r\n هذا النوع من التنسيق، يمكن ان ينجح في حال وجود وقف حقيقي لإطلاق النار. ليس ثمة شك في مصر ستلعب دورا في هذا الجانب، إلا ان الدور المصري لن ينجح، في الغالب، اذا لم يحظ بمساندة نشطة من جانب الولاياتالمتحدة. ففترة الشهرين التي اقترحتها مصر على ياسر عرفات كي يوافق على دمج الاجهزة الأمنية الفلسطينية، ربما توحي لبعض الاسرائيليين والفلسطينيين بأن مصر لا تميل الى الضغط والاستعجال لأنها تدرك ان الادارة الاميركية منشغلة الآن. \r\n معروف عن التعليقات الخاصة بالشرق الاوسط الظهور والاختفاء السريع، اما الآن، فقد حان الوقت للانسحاب من غزة، اذ من الافضل تعزيز المساعي المصرية في اسرع فرصة قبل فوات الاوان. \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» \r\n \r\n خاص ب«الشرق الأوسط» \r\n \r\n