\r\n \r\n وأقيم «مشروع مستقبل العراق» قبل الحرب بأكثر من سنة، وتولت وزارة الخارجية قيادته، وشاركت فيه 16 وكالة فيدرالية أخرى ومئات العراقيين، وبلغت تكاليفه 5 ملايين دولار. وكنت أنا مهندس مجموعة العمل المعنية بالمبادئ الديمقراطية في المشروع ومنسق اجتماعاتها، وهي المجموعة التي يطلق عليها العراقيون «أمّ مجموعات العمل كلها». وكُلفت المجموعة بمسؤولية وضع استراتيجية للمرحلة الانتقالية السياسية بعد خلع صدّام. \r\n كنت أعلم أن«مشروع مستقبل العراق» لم يكن حلاً سحرياً لكل مشكلات العراق. لكن قيام البنتاجون بصرف النظر عن المشروع- وتقويضه- كان أحد أكثر أخطائه حساسية. \r\n وظن مسؤولو البنتاجون أن المسعى أكاديمي أكثر من اللازم، وتجاهلوا توصياته لمجرد أنه كان مبادرة من وزارة الخارجية. وفي سياق المعركة البيروقراطية حول نطاق الصلاحيات، كان المدنيون في مكتب وزير الدفاع يحتقرون حتى الدبلوماسية نفسها التي تتمحور بحكم طبيعتها حول الحوار والتسويات. ورأى رامسفيلد وأعضاء دائرته الداخلية أنهم قادرون على تحرير أمة دون محادثات مع الشعب الذي سيحررونه. فالبنتاجون لم تكن لديه لا سياسة ولا برنامج، بل كل ما لديه كان شخصاً واحداً هو أحمد الجلبي الذي اتفق مع رؤية البنتاجون التي تتمحور حول تحويل العراق إلى مختبر للتطوير الديمقراطي واستخدامه كنقطة انطلاق لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير. \r\n وكان لدى وزارة الخارجية منهج مختلف من حيث الأساس، إذ انخرطت في حوار مع العراقيين الذين يمثلون مختلف الفئات الإثنية والدينية. وكان واضحاً منذ بداية عملنا أن تمكين العراقيين الآخرين أمر يتناقض مع هدف البنتاجون المعني بدفع الجلبي إلى سدة الحكم. \r\n وفي اجتماع لهم حضرته أنا مع دبلوماسيين أوروبيين لمناقشة إعادة إعمار العراق ، أكّدت حاشية رامسفيلد على أن « الجلبي أشبه بالأنبياء». ففي البداية شكّك الناس فيه، لكنهم وصلوا إلى إدراك حكمة أساليبه«. وعندما تردد أحد وكلاء الجلبي في الانضمام إلى مجموعة العمل، قال لي فيما بعد إن مسؤولي مكتب نائب الرئيس أقنعوه بالمشاركة، وأكّدوا له على أن آراءه ستكون لها السيادة في حال مشاركته. \r\n ومن المؤكد أن قرار إدارة بوش بالتخلص من حزب البعث وحلّ الجيش العراقي كان قراراً ذا دوافع أيديولوجية. ومن الناحية العملية، أرادت الإدارة أيضاً التخلص من مراكز الثقل السياسي التي كان من شأنها إعاقة صعود الجلبي إلى السلطة. \r\n ومنذ البداية، كان مسؤولو البنتاجون وموظفو مكتب نائب الرئيس يرصدون عن كثب مجموعة العمل. وباعتبار أنهم حضروا كل الاجتماعات بصفة مراقبين، كان هؤلاء مطلعين تماماً على كل العملية. لكن العراقيين ذوي العقليات المستقلة كانت لهم آراؤهم الخاصة في العملية الانتقالية. وعندما حاول ممثلو حزب المؤتمر إقناع مجموعة العمل بتأييد تشكيل حكومة عراقية في المنفى بقيادة الجلبي، ما كان لأحد من العراقيين الآخرين أن يشارك فيها. \r\n وعلى رغم أن مجموعة العمل كانت عاجزة عن التوصل إلى إجماع حول تنفيذ العملية الانتقالية قبل أشهر قليلة من بدء العمل العسكري، اتجهت الخطط الأميركية نحو عقد مؤتمر كبير للعراقيين الأحرار في ديسمبر عام 2002. وعندما تم دفع الجلبي إلى هامش الاجتماع، فقد البنتاجون الثقة في قدرة العراقيين على إدارة شؤونهم وأحبط العملية التي يقودها العراقيون والتي كان من شأنها أن تبلغ ذروتها بقانون أساسي ومجلس تشريعي منتخب. \r\n ولا تغيب المفارقة عن أحد باعتبار أن منهج الإدارة الحالي يعكس بالضبط صورة الخطط السابقة التي وضعها »مشروع مستقبل العراق«. فحرمان العراقيين من الحكم الذاتي أثار استياءهم من وجود الاحتلال الأميركي. ولذلك يشكل الإخفاق في تسليم السلطة إلى العراقيين أساس الاستياء والتمرد في الوقت الراهن. \r\n وقد طفا كثير من التوترات الحالية على السطح في «مشروع مستقبل العراق» أثناء فترة الحشد للحرب. لكن الإدارة لم ترغب في خروج المصاعب إلى العلن خشية تسببها بتثبيط تأييد الكونجرس للحرب. وأسس البنتاجون المكتب السري المعني بالخطط الخاصة؛ وتم استبعاد مدير المشروع، وهو مسؤول في وزارة الخارجية، من حضور اجتماعات «المكتب المعني بإعادة الإعمار والمساعدات الانسانية». \r\n منذ البداية، كان النفاق والتعتيم من أهم بنود تعريف منهج البنتاجون. وتعرض الجنرال إيريك شينيسكي للتوبيخ عندما اقترح أنه ستكون هناك حاجة إلى .20 ألف جندي لإحلال الاستقرار في العراق. ورفض مسؤولو البنتاجون تقديم تقديرات لتكاليف حرب العراق، وذلك حتى سبتمبر 2003، أي حين عقد الكونجرس جلسات الاستماع المعنية بالنظر في طلب الإدارة لرصد مبلغ 87 مليار دولار. وتم التكتم أيضاً على انكشاف الانتهاكات في سجن أبو غريب. وإضافة إلى ذلك، أثبت البنتاجون أن لديه ممانعة مخيفة للاعتراف بالأخطاء وأنه لايرغب في إجراء تصحيحات للمسار. \r\n \r\n وهناك ضابط رفيع الرتبة قال لي في ردهات البنتاجون إن زملاءه يتذمرون من أن أحد قوانين رامسفيلد الجديدة تقول «لا تسمح أبداً للحقائق بالتداخل مع الواقع». \r\n وكنتيجة لسوء الإدارة في البنتاجون، مات المئات من الجنود الأميركيين والآلاف من العراقيين دون أن تقتضي الضرورة ذلك. ففي العراق، تم تسميم الأصحّاء جَعلُ العمل الصعب أكثر صعوبة. وسقطت مكافحة الارهاب وقضية الديمقراطية العالمية في عداد ضحايا الحرب. \r\n لقد عادت إدارة بوش إلى حيث بدأت. فبعد سنة من الاحتلال المصاب بالاخفاق، بات اهتمام الإدارة يتركز أخيراً على تسليم السلطة إلى العراقيين وتأسيس الحكم الذاتي. لقد تأخر هذا سنة كاملة عن الجدول الزمني، لكن ذلك لا يعني أن أوان تحرير الديمقراطية في العراق قد فات. \r\n \r\n