\r\n وعلى رغم أن الإشارات الدالة على قرب تمرد الجماهير كانت واضحة للعيان.. إلا أن أحدا لم يكلف نفسه عناء قراءتها. كان الكل بلا استثناء يبدو منبهرا بخطاب حزب بهاراتيا جاناتا وشعاراته التي تعد الناخبين بحياة أفضل، وبتحديث الهند، وبتحويلها إلى مجتمع تقني متقدم، وإلى جوهرة لامعة في جنوب آسيا. وكانت الدلائل كلها تشير إلى أن السيد إتال بيهاري فاجبايي هو الخيار المفضل للناخبين الهنود.. فما الذي حدث وما الذي غاب عنا؟ \r\n هناك أشياء عديدة غابت عنا منها: أن الأصولية الدينية الهندوسية التي رفع حزب بهاراتيا جاناتا شعاراتها كانت قد استنفدت أغراضها، وبدأ الشعب الهندي يتشوق مرة أخرى لمناقشة الموضوعات المتعلقة بالفقر والحرمان وعدم المساواة الاجتماعية، التي كانت قد خفتت كثيرا في النقاش السياسي خلال فترة حكم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي . \r\n علاوة على ذلك كان موضوع الأصل الأجنبي لسونيا غاندي والذي كان دائما سببا للشعور بالغضب الشديد من قبل الطبقات الوسطى في المدن قد بدأ يستنفد أغراضه هو الآخر. وحاول حزب بهاراتيا جاناتا أن يجعل من هذه النقطة موضوعا للطعن في شرعية سونيا غاندي، على رغم أن الدستور الهندي لا يحول دون قيام أحد من أصل أجنبي بتولي أعلى المناصب في البلاد. \r\n ولم تنجح الحملة التي شنها الحزب على سونيا غاندي، بل إن الذي حدث هو أن الشعب الهندي وبعد أن راقب أداءها كزعيمة للمعارضة داخل البرلمان، بدأ يشعر بأنها قد أصبحت واحدة منه. \r\n ومن رحم النتائج المفاجئة للانتخابات خرج بالأمس خبر أكثر مفاجأة مفاده أن السيدة غاندي قد امتنعت عن قبول منصب رئيس الوزراء، بعد أن صادق حزب المؤتمر على ترشيحها للمنصب. \r\n ما الذي دفعها للقيام بذلك؟ علينا أن نتذكر هنا أن تلك الانتخابات كانت قصتها هي.. وأن الفوز الذي حققه الحزب كان فوزها الشخصي، وأنه قد تحقق بفضل مزيج من الديمقراطية ومن الإرث العائلي (في المعترك السياسي الهندي، يعتبر قيام الزوجات والأبناء والبنات بوراثة الدور السياسي بل والمقعد التشريعي من الأمور المألوفة). وبما أن الأمر كذلك، فقد كان علينا أيضا أن نتوقع أن ذلك سيحدث أيضا مع السيدة غاندي، التي دخلت عالم السياسة على مضض عقب اغتيال زوجها راجيف غاندي، وتمكنت من تحقيق نجاح هائل فيه. وعلى رغم أنها كانت تعرف جيدا أن الفضل في نجاحها يرجع إلى الهالة والسحر المحيط باسم غاندي بقدر ما يرجع إلى مهاراتها السياسية، إلا أن السؤال الذي ظل بلا إجابة بالنسبة لها هو: هل يصلح اسم عائلة كان سببا لتحقيق النجاح في المعارضة في تحقيق نجاح مماثل في منصب رئيس الوزراء؟. \r\n من الجائز أيضا أن السيدة غاندي قد شعرت أن التاج الذي ستضعه على رأسها سوف يتحول إلى تاج من الأشواك. فعلينا هنا أن نتذكر أنه على رغم أن الناخبين قد تناسوا موضوع أصلها الأجنبي إلا أن حزب بهاراتيا جاناتا، والأحزاب الأخرى ذات التوجهات القومية المتطرفة، كانوا لا يزالون مصممين على أن يجعلوا منه قضية القضايا. فبعد فوزها في الانتخابات بعدة أيام كتب صحفي هندوسي معروف ذو ميول قومية متطرفة في إحدى الصحف الهندية الرئيسية قائلا \"إن انتصار سونيا غاندي في الانتخابات يمثل أكبر إهانة تلحق بروح الهند\". كما قام رئيس وزراء ولاية \"مادهايا براديش\" معقل حزب بهاراتيا جاناتا، بإعلان تشكيل حركة تهدف إلى استصدار تشريع يمنع قيام أي شخص من أصل أجنبي بتولي منصب رئيس وزراء الهند. \r\n وهكذا نرى أنه بدلا من أن تساهم تلك الانتخابات في وضع حد للشوفينية والتعصب، فإنها قامت بفتح عصر جديد من عصور الاقتتال الداخلي، كان محتما أن تجد السيدة غاندي نفسها تكافح فيه من أجل نيل حقوقها الأساسية في تولي منصب رئيسي. ونظرا لأنها لا ترغب في الانخراط في هذا الاقتتال فإنها قررت رفض المنصب. \r\n ربما كانت السيدة غاندي على حق في رفضها لأن أصلها الأجنبي كان محتما أن يعوق حركتها في المنصب، وكان سيظل سيفا مصلتا عليها وعلى حكومتها كما توقعت هي تماما. لا أعتقد أن هناك أسبابا أخرى غير التي ذكرتها تدفعها للعزوف عن المنصب غير سبب واحد ربما: هذا السبب هو أنها أرادت من خلال ذلك أن تمهد الطريق لدخول أبنائها حقل السياسة ونجاحهم فيها، خصوصا إذا ما عرفنا أن ابنها قد انتخب للبرلمان، وأن ابنتها قد شاركت بفعالية في الحملة الانتخابية الأخيرة. \r\n وثمة كلمة يتعين قولها هنا. إن سونيا غاندي حتى وهي خارج السلطة ستظل هي القوة التي تقف وراء عرش الحزب الحاكم. فعلى رغم أن الحزب يحفل بالشخصيات البارزة التي لن يستطيع أحد التشكيك في أصلها، إلا أنه من المشكوك فيه أن يكون لدى أي من تلك الشخصيات ذلك التأثير الذي كان لدى غاندي عند الجماهير. \r\n بشكل عام يمكن القول إن الأسبوع الماضي كان أسبوعا قل نظيره في تاريخ الهند. فخلال هذا الأسبوع، وفي لحظة من لحظات الحكمة الجماعية العظيمة للجماهير.. فتحت تلك الجماهير الباب كي يخرج منه التعصب الديني. وفي لحظة عظيمة أخرى من لحظات إنكار الذات، قررت السيدة غاندي الانسحاب وهي في قمة انتصارها.. وهاتان اللحظتان معا اتحدتا لتضفيا نبلا وسموا يدعوان للإعجاب بالديمقراطية الهندية برمتها. \r\n \r\n زميل كلية كيندي للدراسات الحكومية ورئيس تحرير صحيفة Hindu \r\n \r\n \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n