ولكن ذلك كله لن يحدث، فالرئيس بوش وفريقه غير مستعدين للانتحار بل سيحاولون على الأرجح إنقاذ أنفسهم عن طريق التهرب والتخبط (ولعل اختيارهم في هذا الوقت الحافل بالأزمات الحادة لفرض عقوبات على سورية بدل السعي إلى الحصول على مساعدتها في إعادة الاستقرار في العراق، يدل على جهل عميق للمسرح الشرق أوسطي). ربما كان الأمل الأفضل والوحيد هو أن تسقط إدارة بوش بعد أن فقدت صدقيتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تاركة لفريق جديد أن ينظف آثار الفوضى الكارثية. قائمة الأخطاء لا شك أن الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش عديدة، غير أن أبرزها هي تلك التي دفعتها إلى إعلان حرب غير قانونية وغير مشروعة ضد العراق من دون موافقة الأممالمتحدة. فلقد تبين أن الادعاءات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل التي تشكل تهديداً وشيكاً للعالم، وبأن صدام حسين له علاقة بهجمات 11 أيلول 2001 كانت احتيالية وكاذبة. كذلك فإن توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية يتحمل مسؤولية شخصية إذ ردد كالببغاء هذه الاتهامات وتصرف كقائد مندفع للحرب بدلا من أن يدفع بوش إلى التراجع عن شفير الحرب، إذ لو فعل ذلك لتردد بوش كثيرا في الذهاب إلى الحرب وحده. في هذه الأثناء وجهت الاتهامات إلى القوات البريطانية بارتكاب مجازر في العراق دونما استفزاز أو تبرير قانوني، وإن كانت هذه الأعمال لا تعادل، رغم بشاعتها، ما فعلته القوات الأميركية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إلى أي مدى يجب الذهاب للبحث عن مصدر العفن ؟ لا شك أن الأخطاء التي ارتكبت قبل الحرب قد هيأت المجال للحرب ذاتها. ففي الأيام التي سبقت النزاع كان الهدف المعلن للحرب بنزع سلاح العراق مجرد ورقة تين لإخفاء الأسباب الحقيقية التي تتلخص بإزالة خطر يهدد التفوق الأميركي في منطقة الخليج والتفوق الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب. ولو كانت أميركا وبريطانيا صريحتين بالنسبة الى أهدافهما من الحرب، لواجهتا ولا شك اعتراضات قوية، لكن دون أن تفقدا الصدقية التي تفتقران إليها اليوم. لقد أرادت الفئة اليمينية المتطرفة في إدارة بوش، وقد أسكرتها القوة العسكرية، أن تثبت التفوق العالمي الشامل لأميركا. ولعل العنصر الرئيسي في هذه الاستراتيجية الرامية إلى السيطرة على العالم هو الحصول على مدخل لا يعوقه شيء إلى احتياط النفط في الشرق الأوسط. ولقد أغراهم الحلم بتحويل العراق، بما يملكه من احتياط نفطي ضخم، إلى دولة عميلة لأميركا تشكل مركز ثقل بديلا. وهنالك العديد من هؤلاء الصقور في واشنطن، خصوصاً نائب وزير الدفاع بول وولفويتز، ومساعد الوزير للسياسة الدفاعية دوغلاس فيث، لا يخفون رأيهم الذي يعتبر أن المصالح الأميركية والإسرائيلية متشابهة. فهم يدافعون دائما عن ضرورة دعم قوة إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، مع التصميم على عدم منح الحركة الوطنية الفلسطينية أي شيء. هؤلاء الرجال وغيرهم من «أصدقاء إسرائيل» داخل الحكومة وخارجها هم المسؤولون عن تحليل إدارة بوش الخاطئ للتهديد الإرهابي. اذ ظلوا يرفضون بشكل قاطع الاعتراف بأن الهجمات الإرهابية ضد أميركا هي رد فعل على السياسات الإسرائيلية وبخاصة على التأييد الأعمى لإسرائيل وغض النظر عن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين. بدلا من ذلك اخترع هؤلاء البدعة القائلة بأن «الإرهاب الإسلامي» هو نتاج الدول الفاشلة، ونتاج دين عنيف ومتعصب، وأنظمة حكم متسلطة ومناهضة لإسرائيل. وكنتيجة لذلك فإن ضمان أمن أميركا وإسرائيل يكمن في تغيير هذه الأنظمة وإصلاح مجتمعاتها بالقوة إذا لزم الأمر. هذا ما كان الأساس المنطقي للحرب : أن تكون الخطوة الأولى في مخطط إعادة تشكيل المنطقة بما يتفق والمصالح الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. طرد الرجال المسؤولين لقد ظهر اليوم بوضوح أن كل سياسات المحافظين الجدد، الحرب الوقائية، والعلاقة المزعومة بين «الدول المارقة»، والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، والحاجة إلى فرض إصلاحات «ديموقراطية» على العرب، والمحافظة على المصالح الأميركية والإسرائيلية، تبين أن كل هذه السياسات الخرقاء جديرة بأن تلقى في سلة المهملات. فالولايات المتحدة بقيادتها الحالية لا تعتبر أداة ذات صدقية لإجراء التغيير الديموقراطي. ولو كان الرئيس بوش يتمتع بأي سلطة حقيقية لكان عليه أن يطرد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه وولفويتز ومساعده فيث الممثلين المزعومين للقيادة المدنية في البنتاغون، والمسؤولين عن المس بسمعة أميركا. لقد كان وولفويتز المهندس الأول للحرب، إذ قام بصحبة صديقيه فيث وريتشار بيرل الرئيس السابق لمجلس السياسة الدفاعية، بحملة لقلب نظام صدام حسين منذ العام 1998 لقد اختطف هؤلاء الهجمات الإرهابية في 11 ايلول ليدعموا الأجندة التي وضعوها. كان فيث يرأس وحدة الاستخبارات السرية في البنتاغون والتي تدعى مكتب الخطط الخاصة، والتي تعاونت مع أحمد الجلبي و«الموساد» الإسرائيلي لتزوير الأدلة الخاصة بالتهديد العراقي لكي يبرروا الحرب. ومن المعروف عن فيث أنه قال إن معاهدة جنيف المتعلقة بسجناء الحرب هي عبارة عن قوانين «لخدمة الإرهابيين». ولقد كان تجاوزه للقواعد الحربية والأنظمة الخاصة بأسرى الحرب عاملاً أسهم في الجرائم التي ارتكبت أخيراً في السجون العراقية. لا جدال والحالة هذه بأن على أميركا وبريطانيا أن تغادرا العراق وتسلّما مستقبل العراق للعراقيين بمساعدة الأممالمتحدة. وأما القول إن العراق سيتمزق وينهار إذا انسحبت القوات الأميركية فما هو إلا حجة واهية تستخدم لتبرير الحرب. فالعراقيون شعب ناضج يتطلع إلى الأمن والاستقلال بعيدا عن أي تدخل أجنبي. وهم يملكون الكوادر العسكرية والمدنية القادرة على تحمل مسؤوليات بلادها والعازمة على تجنب أي عودة إلى الديكتاتورية أو النزاعات الطائفية و العرقية. كل ما يريدونه من أميركا هو المال الواجب دفعه لإصلاح ما دمرته الحرب وما فعلته العقوبات التي فرضت على العراق طيلة 13 سنة. فعلى أميركا إذن أن تخرج وتدفع ما عليها. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط. «الحياة» \r\n استراتيجية أميركية للخروج من المستنقع - باتريك سيل \r\n \r\n \r\n أثارت عمليات تعذيب السجناء العراقيين على أيدي حراسهم الأميركيين، وما تبعها من ذبح همجي لرهينة أميركية، غضبا واشمئزازا في العالم بأسره. وجاءت الصور الشنيعة لتثير شعورا بالغثيان وإحساسا باللامعقول أمام هذا القدر من اللاإنسانية. فكيف أمكن لمثل هذه الجرائم أن ترتكب؟ ويبدو أن التدين الزائف لأميركا وثقافة العنف والكراهية، والإهمال المتعمد للقانون الدولي ولمعاهدات جنيف المتعلقة بحقوق السجناء، بل لقوانينها الوطنية لحماية مواطنيها، يبدو أن كل ذلك أدى إلى انهيار أبسط القيم الأخلاقية، سواء على أيدي أميركا أم على أيدي أعدائها. وكنتيجة لذلك، يجد العالم نفسه في حال من الضياع الأخلاقي، وهو يشاهد كيفية ارتكاب أبشع الجرائم بلا مبالاة بالضوابط والشرائع... إنها التركة المدمرة التي تخلفها إدارة الرئيس جورج بوش. غير أن الذعر والفوضى الخطيرين يجب ألا يصرفا انتباهنا عن القضية السياسية الرئيسية الكامنة في جذور المشكلة، وهي أن أميركا التي هي أقوى دولة في العالم سارت في اتجاه منعطف خاطئ من شأنه إذا لم يتم تداركه أن يؤدي بها وبنا جميعا إلى الجحيم. بل هنالك من يقول إننا بلغناه فعلا وسنبقى فيه أجلاً طويلاً. ترى كيف تمكن معالجة هذا الوضع ؟ لو كنا في عالم مثالي لقلنا ان على أميركا أن تعترف بأخطائها وتطرد أولئك الذين ارتكبوها وتنتهج سياسة جدية من أساسها، وتحاول أن تسترد على الأقل بعض سلطتها الضائعة. ولكن ذلك كله لن يحدث، فالرئيس بوش وفريقه غير مستعدين للانتحار بل سيحاولون على الأرجح إنقاذ أنفسهم عن طريق التهرب والتخبط (ولعل اختيارهم في هذا الوقت الحافل بالأزمات الحادة لفرض عقوبات على سورية بدل السعي إلى الحصول على مساعدتها في إعادة الاستقرار في العراق، يدل على جهل عميق للمسرح الشرق أوسطي). ربما كان الأمل الأفضل والوحيد هو أن تسقط إدارة بوش بعد أن فقدت صدقيتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تاركة لفريق جديد أن ينظف آثار الفوضى الكارثية. قائمة الأخطاء لا شك أن الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش عديدة، غير أن أبرزها هي تلك التي دفعتها إلى إعلان حرب غير قانونية وغير مشروعة ضد العراق من دون موافقة الأممالمتحدة. فلقد تبين أن الادعاءات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل التي تشكل تهديداً وشيكاً للعالم، وبأن صدام حسين له علاقة بهجمات 11 أيلول 2001 كانت احتيالية وكاذبة. كذلك فإن توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية يتحمل مسؤولية شخصية إذ ردد كالببغاء هذه الاتهامات وتصرف كقائد مندفع للحرب بدلا من أن يدفع بوش إلى التراجع عن شفير الحرب، إذ لو فعل ذلك لتردد بوش كثيرا في الذهاب إلى الحرب وحده. في هذه الأثناء وجهت الاتهامات إلى القوات البريطانية بارتكاب مجازر في العراق دونما استفزاز أو تبرير قانوني، وإن كانت هذه الأعمال لا تعادل، رغم بشاعتها، ما فعلته القوات الأميركية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إلى أي مدى يجب الذهاب للبحث عن مصدر العفن ؟ لا شك أن الأخطاء التي ارتكبت قبل الحرب قد هيأت المجال للحرب ذاتها. ففي الأيام التي سبقت النزاع كان الهدف المعلن للحرب بنزع سلاح العراق مجرد ورقة تين لإخفاء الأسباب الحقيقية التي تتلخص بإزالة خطر يهدد التفوق الأميركي في منطقة الخليج والتفوق الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب. ولو كانت أميركا وبريطانيا صريحتين بالنسبة الى أهدافهما من الحرب، لواجهتا ولا شك اعتراضات قوية، لكن دون أن تفقدا الصدقية التي تفتقران إليها اليوم. لقد أرادت الفئة اليمينية المتطرفة في إدارة بوش، وقد أسكرتها القوة العسكرية، أن تثبت التفوق العالمي الشامل لأميركا. ولعل العنصر الرئيسي في هذه الاستراتيجية الرامية إلى السيطرة على العالم هو الحصول على مدخل لا يعوقه شيء إلى احتياط النفط في الشرق الأوسط. ولقد أغراهم الحلم بتحويل العراق، بما يملكه من احتياط نفطي ضخم، إلى دولة عميلة لأميركا تشكل مركز ثقل بديلا. وهنالك العديد من هؤلاء الصقور في واشنطن، خصوصاً نائب وزير الدفاع بول وولفويتز، ومساعد الوزير للسياسة الدفاعية دوغلاس فيث، لا يخفون رأيهم الذي يعتبر أن المصالح الأميركية والإسرائيلية متشابهة. فهم يدافعون دائما عن ضرورة دعم قوة إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، مع التصميم على عدم منح الحركة الوطنية الفلسطينية أي شيء. هؤلاء الرجال وغيرهم من «أصدقاء إسرائيل» داخل الحكومة وخارجها هم المسؤولون عن تحليل إدارة بوش الخاطئ للتهديد الإرهابي. اذ ظلوا يرفضون بشكل قاطع الاعتراف بأن الهجمات الإرهابية ضد أميركا هي رد فعل على السياسات الإسرائيلية وبخاصة على التأييد الأعمى لإسرائيل وغض النظر عن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين. بدلا من ذلك اخترع هؤلاء البدعة القائلة بأن «الإرهاب الإسلامي» هو نتاج الدول الفاشلة، ونتاج دين عنيف ومتعصب، وأنظمة حكم متسلطة ومناهضة لإسرائيل. وكنتيجة لذلك فإن ضمان أمن أميركا وإسرائيل يكمن في تغيير هذه الأنظمة وإصلاح مجتمعاتها بالقوة إذا لزم الأمر. هذا ما كان الأساس المنطقي للحرب : أن تكون الخطوة الأولى في مخطط إعادة تشكيل المنطقة بما يتفق والمصالح الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. طرد الرجال المسؤولين لقد ظهر اليوم بوضوح أن كل سياسات المحافظين الجدد، الحرب الوقائية، والعلاقة المزعومة بين «الدول المارقة»، والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، والحاجة إلى فرض إصلاحات «ديموقراطية» على العرب، والمحافظة على المصالح الأميركية والإسرائيلية، تبين أن كل هذه السياسات الخرقاء جديرة بأن تلقى في سلة المهملات. فالولايات المتحدة بقيادتها الحالية لا تعتبر أداة ذات صدقية لإجراء التغيير الديموقراطي. ولو كان الرئيس بوش يتمتع بأي سلطة حقيقية لكان عليه أن يطرد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه وولفويتز ومساعده فيث الممثلين المزعومين للقيادة المدنية في البنتاغون، والمسؤولين عن المس بسمعة أميركا. لقد كان وولفويتز المهندس الأول للحرب، إذ قام بصحبة صديقيه فيث وريتشار بيرل الرئيس السابق لمجلس السياسة الدفاعية، بحملة لقلب نظام صدام حسين منذ العام 1998 لقد اختطف هؤلاء الهجمات الإرهابية في 11 ايلول ليدعموا الأجندة التي وضعوها. كان فيث يرأس وحدة الاستخبارات السرية في البنتاغون والتي تدعى مكتب الخطط الخاصة، والتي تعاونت مع أحمد الجلبي و«الموساد» الإسرائيلي لتزوير الأدلة الخاصة بالتهديد العراقي لكي يبرروا الحرب. ومن المعروف عن فيث أنه قال إن معاهدة جنيف المتعلقة بسجناء الحرب هي عبارة عن قوانين «لخدمة الإرهابيين». ولقد كان تجاوزه للقواعد الحربية والأنظمة الخاصة بأسرى الحرب عاملاً أسهم في الجرائم التي ارتكبت أخيراً في السجون العراقية. لا جدال والحالة هذه بأن على أميركا وبريطانيا أن تغادرا العراق وتسلّما مستقبل العراق للعراقيين بمساعدة الأممالمتحدة. وأما القول إن العراق سيتمزق وينهار إذا انسحبت القوات الأميركية فما هو إلا حجة واهية تستخدم لتبرير الحرب. فالعراقيون شعب ناضج يتطلع إلى الأمن والاستقلال بعيدا عن أي تدخل أجنبي. وهم يملكون الكوادر العسكرية والمدنية القادرة على تحمل مسؤوليات بلادها والعازمة على تجنب أي عودة إلى الديكتاتورية أو النزاعات الطائفية و العرقية. كل ما يريدونه من أميركا هو المال الواجب دفعه لإصلاح ما دمرته الحرب وما فعلته العقوبات التي فرضت على العراق طيلة 13 سنة. فعلى أميركا إذن أن تخرج وتدفع ما عليها. \r\n * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط. «الحياة»