ففي الوقت الذي يوضح فيه بوش في خطابه الى شارون ان اسرائيل لا يجب ان تنسحب انسحابا كاملا الى خط الهدنة لعام 1949، ويجب السماح لها بالاحتفاظ بالسيادة على عدد من «المراكز السكانية» اليهودية في الضفة الغربية، فقد ذكر بوضوح «أن أي اتفاقية وضع نهائي سيتم التوصل اليها، فقط، على اساس تغييرات يتم الاتفاق عليها بطريقة مشتركة، تعكس هذه الحقائق». ويعني هذا، انه بالرغم من ان للولايات المتحدة بعض الآراء الخاصة بذلك، فإنه من غير الممكن ترسيم حدود نهائية بدون موافقة الفلسطينيين. وسيصبح الفلسطينيون احرارا في الاصرار على ترتيبات، تشمل تعويضات عن الاراضي، والتوصل الى اتفاقية نهائية مقبولة منهم. وبالمثل، فإن بوش عبر عن اعتقاده بأن «حلا عادلا ومنصفا وواقعيا» سيتطلب استقرار اللاجئين في دولة فلسطينية مستقبلية وليس في اسرائيل ولكنه لم يقترح ابدا عدم اجراء مفاوضات حول الموضوع. ان بيانه، الذي يعكس، بصراحة، واقعا يعترف العديد من الناس في الجانبين به بطريقة غير علنية، ليس أكثر من رؤية أميركية حول الوجهة التي ستتخذها المفاوضات. وبهذا المعنى، فإنها تشبه دعوة بوش السابقة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهذه لم تكن سياسة أميركا في السابق، مما يعبر عن وجهة نظره المعروفة بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لن يحل إلا بخلق مثل هذه الدولة. وإذا كان المجال ما يزال مفتوحا للتفاوض، فما الذي اثار غضب الفلسطينيين؟ حدث هذا ببساطة، لأن الفلسطينيين شعروا بأنهم أهملوا وأبعدوا من العملية. وهم في ذلك على حق. فقد صيغت الرسائل الأميركية الإسرائيلية من دون محادثات موازية مع الفلسطينيين. وإذا كانت مثل تلك المحادثات، والتي كان يمكن تركيزها حول الكيفية التي سيستفيد بها الفلسطينيون من انسحاب شارون من غزة، قد حدثت، فقد كان من شأنها ان تجعل ردود فعل الفلسطينيين أكثر اعتدالا. وبالطبع، ستكون لدى الفلسطينيين همومهم وقضاياهم رغم ذلك، ولكن كان ممكنا ان يشير قادتهم إلى محادثاتهم مع الإدارة، وأن يوضحوا أنهم ما زالوا يبحثون عن تأكيدات وضمانات بأن يستجاب لتطلعات الفلسطينيين من خلال المفاوضات. وكل ذلك كان يمكن أن يجعل التحرك إلى الأمام أمرا ميسورا. إن البناء على مبادرة شارون يعد شيئا حيويا. فقد ظللنا خلال السنوات الثلاث الماضية، مغلقين داخل نطاق من الأوضاع الجامدة والحروب بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولم يتسع المجال لأية عملية سلام، بل كان الحوار الوحيد هو حوار العنف. ويمكن لمبادرة شارون، على الاقل، أن تبدد هذا الجمود. فعندما تنسحب إسرائيل من غزة، ويتم اخلاء المستوطنات هناك، وتخلى بعض المستوطنات في الضفة الغربية، فإن المجال يكون قد انفتح أمام الفلسطينيين للسيطرة على المناطق التي انسحبت منها إسرائيل. وأمام الولاياتالمتحدة خياران: إما المساعدة في صياغة هذا الواقع الجديد بطريقة تقوي وتعضد أولئك الفلسطينيين الذين يؤمنون بالتعايش السلمي، أو تقف بمعزل عن كل ذلك، وتترك الإسرائيليين ليقذفوا المفتاح من فوق الجدار، والدعاء لأن تكون العواقب سليمة بعد الانسحاب. وإذا اخترنا هذا الخيار الأخير، فإن حماس ستصبح أكثر قوة، وستنسب لنفسها النصر الذي تحقق بالانسحاب، مؤكدة للجميع أن العنف له ثمرات. وإذا كنا حريصين على إبقاء شعلة الأمل في الوصول إلى حل للنزاع مشتعلة، فإن هذا يجب ألا يحدث. وعلى أولئك الفلسطينيين الذين لا يتطلعون إلى مستقبل يسود فيه الإسلام الراديكالي، أن ينهضوا للتصدي للتحديات الراهنة، وأن يتحملوا المسؤولية لبسط الأمن وإقامة حكم جيد نظيف، والعمل بكل المساعدة التي يمكن أن نوفرها لهم، على استغلال الوضع الجديد لتحسين موقفهم. إن المخاطر جد كبيرة بالنسبة إلينا جميعا. \r\n * المبعوث الأميركي السابق في الشرق الأوسط مدير معهد سياسات الشرق الأدنى خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص ب«الشرق الاوسط»