نظراً لأن هذه هي المرة الثالثة التي تندلع فيها حرب صغيرة بين إسرائيل و«حماس» في أقل من ست سنوات، فإن بعض النتائج التي يتوقعها الخبراء تبدو مألوفة بعض الشيء، ومن ذلك أن الهجوم الإسرائيلي في غزة سيؤدي إلى تدمير الرئيس الفلسطيني «المعتدل» محمد عباس، أو أن «حماس» هي في الواقع «تفوز من خلال الخسارة» لأنها أخذت تحصل على دعم جديد بين الفلسطينيين وفي الشرق الأوسط عبر وقوفها في وجه إسرائيل، أو أن قصص الإصابات المدنية والاتهامات بالإفراط في استعمال القوة تدمر مكانة إسرائيل في الغرب. والحال أن كل هذه المزاعم سبق أن سمعناها في 2008 عندما قامت القوات الإسرائيلية بغزو قطاع غزة، وفي 2012 عندما شنت إسرائيل حملة قصف ضد القطاع. وجميعها تبين أنها خاطئة تجانب الصواب. فبعد أكثر من خمس سنوات على انتهاء عملية «الرصاص المسكوب»، مازال عباس في منصبه ولا أحد ثار على حكمه في الضفة الغربية، رغم أنه نقض وعوداً عديدة بإجراء انتخابات رئاسية تأخرت كثيراً منذ انقضاء ولايته الرئاسية قبل أربع سنوات. وبدورها، تُعتبر «حماس» اليوم أضعف مما كانت عليه في 2008، حيث فقدت القدرة على التسبب في خسائر وإصابات لإسرائيل بوساطة هجمات الصواريخ، ولأنها لم تعد تستطيع تهريب الإمدادات عبر الأنفاق من مصر، فإن القتال الحالي أخذ يستنفد ترسانتها بسرعة. وعلاوة على ذلك، فإن الموظفين المدنيين التابعين لها لا يتقاضون أجورهم، وقادتها العسكريون يُقتلون، والسكان انقلبوا عليها. ومثلما لفت إلى ذلك «ديفيد بولوك» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» الأسبوع الماضي، فإن استطلاعاً للرأي أجرته منظمة فلسطينية محترمة يُظهر أن أغلبية كبيرة تعارض حكم «حماس»، كما أن 88 في المئة منهم يقولون إنهم يرغبون في أن يتولى عباس السلطة على غزة. صحيح أن إسرائيل باتت تتعرض لضغط دولي أكبر مقارنة مع 2008، حيث أصبحت حملة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات ضد إسرائيل مرئية أكثر منذ ذلك الوقت. إلا أنها مازالت ظاهرة هامشية، وخاصة في الولاياتالمتحدة. وهذا العام، وعلى غرار المرات السابقة، أثار قتال غزة مظاهرات مناوئة لإسرائيل في عدد من العواصمالغربية، ولكن استطلاعا للرأي نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي أظهر أن 51 في المئة من الأميركيين يتعاطفون مع إسرائيل في القتال الحالي، مقابل 14 في المئة يقفون على جانب الفلسطينيين. غير أن الواقع المحزن هو أن حرب غزة تسير نحو نهاية مألوفة: الكثير من الأشخاص قُتلوا ولكن لا شيء تغير. فإسرائيل ستتجنب إسقاط «حماس» من السلطة في غزة على الأرجح لأنها لا ترغب في العودة إلى حكم القطاع بنفسها. وعباس قد يتنحى عن السلطة خلال الأشهر المقبلة أخيراً وقد لا يتنحى، غير أنه إذا فعل ذلك فلأنه في سن التاسعة والسبعين صار متعباً ومرهقاً، وليس لأنه أُرغم على التنحي. وقد تكون ثمة محاولات جديدة لفتح تحقيقات أممية في جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة أو لمنح مزيد من الاعتراف لدولة فلسطين المتخيلة، ولكن من المستبعد أن يكون لها تأثير كبير. وقد تحاول إدارة أوباما مرة أخرى إطلاق «عملية سلام» بين إسرائيل وفلسطين، رغم فشلها الذريع في محاولتين سابقتين. غير أن ذلك لن يحقق أي تقدم أيضاً، لأن عباس ونتنياهو أظهرا مراراً وتكراراً أنهما غير مستعدين لتقديم التنازلات الضرورية. والواقع أنه قد تكون ثمة طريقة لتغيير الوضع الراهن إلى الأفضل عندما تضع الحرب أوزارها، إلا أن هذه الطريقة تتطلب من كل الأطراف قبول الخيار الذي كان مطروحاً على الطاولة قبيل الحرب الصغيرة – والذي قد يكون فجّر القتال. إنها عملية «الوحدة» الفلسطينية، والتي يتم بموجبها ربط الضفة الغربية بقطاع غزة تحت إدارة مشتركة من خلال الانتخابات. وعلى الرغم من أن «حماس» وافقت على اتفاق وحدة الشهر الماضي، إلا أن متشدديها يعارضون هذا الاتفاق بنفس القوة التي يعارضه بها نتنياهو. والسبب بسيط: ذلك أنه مثلما تُظهر استطلاعات الرأي، فإن من شأن الانتخابات ربما أن تنهي سيطرة «حماس» على قطاع غزة. وقد يكون هذا الاحتمال، إضافة إلى رفض عباس دفع رواتب موظفي «حماس» في غزة، وراء تجدد الهجمات الصاروخية على إسرائيل. ومن جانبه، اغتنم نتنياهو فرصة خطف وقتل الفتيان الإسرائيليين الثلاثة الشهر الماضي لاعتقال أعداد من عملاء «حماس» في الضفة الغربية، وهو إجراء يخرب عملية الوحدة. استراتيجية ذكية للولايات المتحدة يمكن أن تهدف إلى رعاية اتفاق بين إسرائيل وعباس و«حماس» يتم بموجبه الإفراج عن السجناء والتخفيف من الحصار على غزة مقابل التزام «حماس» بوقف طويل لإطلاق النار وانتخابات حرة ونزيهة من أجل حكومة فلسطينية موحدة. والنتيجة يمكن أن تكون جيلاً جديداً من الزعماء الفلسطينيين الذي لديهم تفويض حقيقي من شعبهم. جيل جديد قد يتبين أنه، بشكل عام، يرغب في التفاوض مع إسرائيل أو في إرساء الأسس لقيام الدولة. ولكنه على الأقل سينهي عهداً كئيباً كانت تتجنب فيه مجموعة من الزعماء الفلسطينيين مقترحات للسلام بينما كانت مجموعة أخرى منخرطة في حروب لا طائل من ورائها. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية