إن للشعوب خياراتها التي تؤكد على إراداتها وعلى مواقفها، بينما تمارس الأنظمة الحاكمة ووفقا لشبكات مصالحها الإقليمية والخارجية مواقف قد تحسب لها أو عليها لكنها في الغالب ما تتخذ هذه المواقف في ضوء ما اعتادت عليه من شجب واستنكار، أو من عمل في الخفاء قد يصل إلى حد التواطؤ ويؤدي إلى توجهات تتعلق بالخضوع والاستسلام والانبطاح، ومن هنا تأتي الشعوب وتقدم رؤى مختلفة خاصة حينما ترتبط بموجة ثورات الربيع العربي والتي بدت تتراجع بعد بروز عناصر الثورة المضادة وتصدرها الواجهة في محاولة لحصار أثر هذه الثورات وإجهاض استمراريتها والالتفاف حول أهدافها ومكتسباتها. ومن ثم فإن أحداثا كاشفة وفاضحة تشكل خطا في سياسات هذه الأنظمة لتعبر عن عودتها عن طريق الثورة وقيادة ما يمكن تسميته بالثورة المضادة، فضلا عن أحداث يمكن أن تشكل أبعادا إقليمية وخارجية خاصة حينما تتعلق بالعدو الصهيوني تصير فاضحة لهذه المواقف والتوجهات لتجعل ما نراه على الأرض طبعة جديدة لما يسمى ب "دول الاعتدال" القديمة في منظومة السياسة الأمريكية والغربية، دول اعتدال تلك كانت تمارس موقفا مواتيا للعجرفة والإجرام الصهيوني الذي يتخذ من ساحات المعارك استعراضاته في مواجهة المقاومة تارة كان يمارس ذلك في لبنان، وتارة أخرى مارس ذلك في غزة، وبدت المواقف الهزيلة تحت اسم محور الاعتدال تشكل بيئة قابلة لانكسار الارادة والخضوع للهيمنة الاسرائيلية كعنوان كبير للتبعية للغرب وسياساته. أتى الانقلاب في مصر في الثالث من يوليو ليشكل اجتماع هذه الأحداث وتواطؤ هذه الدول في مواجهة الثورات العربية من جانب وفي مواجهة المقاومة للعدو الصهيوني من جانب أخر، وكأن المقاومة قد وجدت لها محضنا من الثورات العربية رغم انشغال الأخيرة بشأنها الداخلي إلا أنها ظلت تعبر عن موقف ثابت من الكيان الصهيوني وسياساته وممارساته، وبدت هذه المواقف التي تعبر عن حالة من حالات الوهن والمهانة والإهانة خطا سياسيا تمثل في الالتفاف حول هذه الثورات وتفريغها من مضمونها، والتواطؤ على عناصر المقاومة ومواجهتها لأعداء الأمة والتي تستهدف كيانها ومستقبلها. وإذا كانت الثورة في مصر في الخامس والعشرين من يناير وتلك الفترات الانتقالية التي تلتها وفق إدارة تحاول إجهاد الثورة وربما إجهاضها فكانت هذه الأحداث في كاشفيتها فرزا للمواقف والاتجاهات سواء على مستوى النخب أو على مستوى السياسيين أو على مستوى المؤسسات المختلفة في كيان الدولة العميقة وفي إطار تشابك مصالحها وتحالفاتها الاجتماعية والمجتمعية وشبكة فسادها التي تشكل مسارا أساسيا في ممارساتها وبلوغ هذه المصالح الدنيئة والأنانية، هذا الفرز مثل حالة كاشفة حتى أنه مع حدوث الانقلاب العسكري بدت هذه المواقف تأخذ شكل انقلاب مماثل في المواقف والاتجاهات أو بترويج وتبرير إعلامي فاجر وسافر أو بالصمت والسكون والسكوت الرهيب حول ممارسات لا يمكن السكوت عنها أو عليها، أبعد من ذلك لقد افتقدت كل هذه القوى ليس فقط مواقف سياسية يجب أن تتخذ ضمن اتساق مع مواقف سابقة بل إنها قد تخلت وفي مشهد مزرٍ عن حتى حدودها الإنسانية الدنيا، فصنعت الكراهية وأسهمت في تفاقمها، وحرّضت على القتل والاستئصال، ومارست أقسى درجات الانحطاط في دفع عموم الناس إلى حافة احتراب أهلي يعبر عن افتقاد هذه النخبة وما هي فى حقيقة أمرها، بنخبة لأدنى درجات المسئولية المجتمعية وحتى تلك الأبعاد الإنسانية. سنجد ذات الموقف للأسف الشديد تتخذه ذات النخب ولكن هذه المرة ليست في أحداث تتعلق بالثورة ولكنها أحداث تتعلق بغزة العزة تلتمس كل عناصر تتعلق بخطاب الخنوع والانبطاح بل والتبرير والتمرير لسياسات الكيان الصهيوني وإجرامه حتى على مستوى المؤسسات الرسمية فها هو وزير الخارجية المصري يتحدث عن أن مصر في علاقاتها بحماس تشهد توترا بسبب الخلاف الايدولوجي من غير أن يلقي بالا لما يمكن تسميته بالمواقف الاستراتيجية الثابتة وبحقائق وجوهر الأمن القومي، فهو يحيل مسئولية حماس عن كل قتل ولا يتهم الفاعل ولكن يتهم المفعول به ويحاول أن يجيل إليه التسبب في استشهاد وفي قتل مزيد من الضحايا التي تقع من مدنيين وأسر كاملة وأطفال صغار لا يمكن إلا أن يدل على تواطؤ لا يمكن تمريره أو السكوت عليه. هل يمكننا في هذه الحال إلا أن نعتبر هذا الخطاب خطاب إهانة للسياسة الخارجية المصرية والأمن القومي المصري الحقيقي، وللأسف الشديد يدور هذا الخطاب الرسمي المتهاون ضمن بيئة مصنوعة ومفضوحة تتحرك ضمن خطاب غير مقبول وغير معقول مضادةلثوابت تتعلق بمواقف الشعب المصري، يخرج هؤلاء علينا بكلمات فاحشة وبأقوال بائسة تعبر عن حالة من التواطؤ المريب، والتبرير لعمل صهيوني إجرامىيترافق مع اتهام حماس بالارهاب، ودول إقليمية وبعض من مواطنيها تجعل من ذلك الخطاب مادة أساسية في تغطية المواقف الإسرائيلية ،حتى أن القيادات الإسرائيلية ذاتها وكذلك الإعلام الإسرائيلي يشيران إلى هذا التواطؤ المريب الذي يشكل في حقيقة أمره كما يقولون غطاءً لاقتلاع حماس والقيام بتلك الحملات التأديبية بل إعادة الاحتلال والسيطرة على قطاع غزة بالكامل. أيعقل أن يكون هذا الخطاب في وسائل إعلامنا وكذلك في بعض وسائل التواصل الاجتماعي فتعبر عن آراء شاذة وخطيرة تحاول أن تعممها على شعب يعرف أن عدوه لن يكون في يوم من الأيام هو حماس المقاومة أو غزة العزة وإنما عدوه يتمثل في بني صهيون الذين يقضمون الأرض العربية ويتوسعون فيها بمساعدة حراس الحدود من الدول الإقليمية والعربية وبمباركة أمريكية وغطاء من دول غربية، هل يجوز من هذا أن نمرر ذلك الخطاب وأن نتعامل معه وكأنه يصدر بلا اصطناع أو تخطيط؟ أو يصدر بلا تواطؤ أو تدبير؟. إن هذه الثورات التي تتعلق بالربيع العربي في كاشفيتها والتي استنفرت عناصر الثورة المضادة التي مثلت حائط صد لمد ثوري وحالة ثورية استندت في قيامها إلى أن تحرير الأوطان مقدمة لتحرير الأمة من تبعيتها المقيتة ومن تجزئتها العميقة التي يحاول هؤلاء إرسال كل ما يتعلق بهذا الشأن وتقدم الطغمة الحاكمة في كل بلد فروض الاستسلام والولاء لأسيادها، وتدخل بيت الطاعة ،فتقوم بذلك بدور كأحد أدوات هذه السياسات الإجرامية تارة بالشجب الهين أو بالتواطؤ اللعين أو بالسكوت المريب، بل إنها قد تتعدى كل ذلك لتقول كلاما لا يمكن أن يقال على لسان عربي أو في أرض عربية، كلام تلفظه الأرض التي تؤكد على معاني الذاكرة المحددة لعدو لا يمكن أن تعتبره هذه الشعوب إلا عدوا، أما هذه النظم في تواطئها وربما في تحالفها الخفي إنما تشكل كنوزا استراتيجية للعدو ومعامل خيانة في مواقفها وفي سياساتها وفي خطابها كما مثلت دائما فى تهاونها وهوانها. آن الأوان أن نستعيد الثورة حتى نستعيد البوصلة والرؤية التي تحدد العدو عدوا، وترفض كل تمويه أو تمرير أو تزوير لحقيقة عدو تكون مقاومته عز وشرف وتمكين لا مقاولة ولا مساومة، نقول وبأعلى صوت أن انتصار غزة سيصب حتما في انتصار الثورة، وانتصار الثورة على الثورة المضادة سيمكن حتما لانتصار غزة، قد يتصور البعض أن موازين القوى لمواجهة الانقلاب وكذا موازين القوى لمقاومة حماس للكيان الصهيوني عند البعض غير متكافئة ولكنني أقول لكم أن الطغيان سواء تمثل في انقلاب أو احتلال هو إلى انكسار وأن إرادة الشعوب إن شاء الله إلى انتصار،هنا فقط سنكون تعلمنا من ثورة كاشفة تتكرر فيها الأحداث وتتوالى فيها الأيام،التى علينا أن نعتبر منها وبها، نعمل لثورتنا ونسترد مكانة أمتنا. رابط المقال: ثورة كاشفة وغزة فاضحة