ليس ارتفاع عدد الأطفال الذين يعبرون من غير رفقة الأهل، الحدود بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك، قضية هجرة بل أزمة لاجئين، كما يقول ميشال برانيه من اللجنة النسائية للاجئين. ومنذ تشرين الأول (اكتوبر) 2013، تقدر وزارة الأمن الداخلي الأميركية عدد الأطفال الذين وصلوا الى الحدود الأميركية ب 52 الفاً. وتشير احصاءات مكتب واشنطن لشؤون اميركا اللاتينية الى ان حرس الحدود اعتقل أكثر من 9 آلاف طفل سلفادوري بين تشرين الأول 2013 وأيار (مايو) 2014، وإلى ان العدد هذا هو نظير واحد على 240 طفلاً من مجمل اطفال سلفادور. واليافعون من المهاجرين هم أكثر هشاشة أمام أخطار رحلة الهجرة: فهم يجبهون بمفردهم خطر العصابات والمغتصبين وكارتيلات المخدرات، والسقوط من قطارات الشحن التي يتسللون اليها ويستخدمونها في تنقلهم. ولكن لا يخفى ان رحلة الهجرة ليست مصدر الخطر الوحيد على هؤلاء الأطفال، فوفق الهيئة العليا لشؤون اللاجئين في الأممالمتحدة، أكثر من نصف الأطفال ممن يبلغون الحدود الأميركية لحق بهم الضرر في مسقط رأسهم: عنف عصابات مسلحة منظمة وعصابات اتجار بالبشر. الحكومة الأميركية منقسمة على سبل تذليل أزمة القاصرين المهاجرين بمفردهم. وموضع نقاش هو جواب اسئلة من نوع هل تعزّز أو تجمّد المساعدات المقدمة لهم؟ هل تشدّد القيود وترفع «الضغوط» على حكومات اميركا الوسطى لوقف المهاجرين القاصرين؟ وهل تعدّل القوانين الخاصة بمعاملة المهاجرين القاصرين الذين يأتون فرادى الى الولاياتالمتحدة؟ في 28 الشهر الماضي، اعلن الرئيس باراك اوباما انه سيطلب من الكونغرس تعزيز صلاحيات وزارة الأمن الداخلي بما يخوّلها ترحيل القاصرين السلفادوريين والهندوراسيين والغواتيماليين. ووفق القوانين الحالية يسلّم المهاجرون القاصرون الآتون من بلد غير حدودي، الى مكتب توطين اللاجئين فيقيمون في ضيافة نظام الرعاية الأميركي او عند اقاربهم، قبل إحالتهم على محكمة المهاجرين. ويتسنى لهؤلاء القصّر توكيل محام يدافع عنهم. ويسعى أوباما الى تسريع آلية التعامل مع هؤلاء ليعود الى حرس الحدود تحديد ما إذا كان اللاجئ الصغير مخوّلاً المثول أمام قاضٍ أميركي في أسرع وقت ممكن أو يُرحَّل فوراً الى البلد الذي جاء منه. وتطعن مجموعات حقوق الإنسان والمهاجرين في استراتيجية اوباما التي تُرغم آلاف الأطفال على العودة الى ما فروا منه من أخطار وظروف غير إنسانية. لكن الجمهوريين يرون ان سياسة اوباما متساهلة مع هؤلاء الأطفال وتحضّهم على الهجرة. والحال ان النقاش الدائر يهمل سمة الأزمة المركبة: العوامل الاجتماعية والاقتصادية وراء اقدام القاصرين على النزوح والهجرة. فاليأس يعمّ غواتيمالا وهندوراس والسلفادور على وقع ارتفاع معدلات الجرائم والعنف وضعف المجتمعات المدنية، والفاقة الاقتصادية. وفقدان الأمل بتحسُّن الأوضاع يشجع الأهالي على أن يطلبوا من أولادهم التوجّه شمالاً الى الولاياتالمتحدة على أمل النجاة من الفاقة والموت. فمعدل الجرائم في هندوراس مرتفع ارتفاعاً يعصى على التصديق: 90.4 جريمة من كل مئة ألف شخص. وليست سياسة المساعدات الأميركية في محلها. فإدارة اوباما ترفع قيمة المساعدات المالية لصناديق اميركا الوسطى، وهي بذلت 25 مليون دولار لبرنامج «يو أس أيد» لمكافحة العنف والجرائم في سلفادور و40 مليون دولار لبرنامج أمن المواطن التابع ل «يو أس أيد» في غواتيمالا من غير تقويم الآثار السلبية لهذه المساعدات على غرار تقويض حكم القانون ودوران عجلة الاقتصاد على الأمد الطويل. وتاريخ الولاياتالمتحدة في المساعدات والتدخل في اميركا اللاتينية طويل وشائك. فعلى خلاف الأهداف المرجوة منها، ساهمت هذه المساعدات في إذكاء العنف وزعزعة استقرار دول اميركا اللاتينية. ووجهت سهام النقد الى مبادرة «ميريدا» التي تقدم مساعدات مالية للمكسيك وأميركا الوسطى في مكافحة الجرائم. فهذه المبادرة تموّل مكافحة تجارة المخدرات في الدول هذه لكنها لا تعالج ارتفاع «حركة الطلب» على المواد هذه في الولاياتالمتحدة. ومساعي مكافحة المخدرات في المكسيك فاقمت معدلات العنف، فالمجموعات الإجرامية الكبيرة ينفرط عقدها و»تتشظى»، إثر اعتقال كبار «أمراء» المخدرات. ويطالب الجمهوريون الأميركيون بوقف المساعدات الأميركية، لكن قطعها يهدد بانفراط عقد بعض المؤسسات «المرهقة أو المترنحة» في اميركا اللاتينية وقد يذكي عنف الحكومات في الدول هذه ضد اليافعين إذا رهن استئناف المساعدات بوقف موجات هجرة القاصرين. ولكن لا فائدة ترتجى من اقتصار المساعدة الأميركية على ضخ الأموال على أمل اختفاء «المشكلة»، ولا إمساك المساعدات عن حكومات اميركا الوسطى ما لم تذلّل الأزمة. ولا يسع الحكومة الأميركية في شهر واحد إلغاء تداعيات اضطرابات سياسية واقتصادية تعود الى عقود، عبر رفع قيمة المساعدات المالية او «سحبها» أو العدول عن إصلاحات قانونية جبهت مشكلات سَجْن الأطفال المهاجرين مع الراشدين وحوادث اغتصاب يرتكبها رجال أمن او مهاجرون وترحيل ضحايا الاتجار بالبشر. نوع المقال: الولاياتالمتحدة الامريكية