يبدو أن جميع العناصر متوافرة للتوصل إلى تسوية تنهي الصراع والعنف المستمر في أوكرانيا، فقد أعلن الرئيس الأوكراني المنتخب حديثاً، «بيترو بوروشينكو»، الأسبوع الماضي وقف إطلاق النار من جانب بلاده، وهو ما رد عليه الرئيس بوتين بأحسن منه عندما ساند هذه الخطوة وضغط كما يبدو على الانفصاليين فيما يسمى «جمهورية دونيتسك الشعبية» لوقف إطلاق النار. وفي كل هذه المساعي لتخفيف حدة التوتر والرجوع إلى الوراء بعدما بلغ الصراع مبلغاً خطيراً يلعب الرئيس الأوكراني السابق، ليونيد كوتشما، دور الوسيط الذي ينقل الرسائل بين كييف والانفصاليين باعتبارها طريقة توفر مخرجاً للرئيس الأوكراني الذي رفض الحوار مع من تلطخت أيديهم بدماء الأوكرانيين، في إشارة إلى الانفصاليين الموالين لروسيا الذين تم التوصل معهم إلى تسوية. والأكثر من ذلك، سارع بوتين في إشارة إلى رغبته أيضاً في التهدئة إلى إعلان التخلي عن حقه في استخدام القوة في أوكرانيا بعدما كان البرلمان الروسي قد صادق على طلب الرئيس باللجوء إلى القوة لحماية الإثنية الروسية داخل أوكرانيا. لكن من جهة أخرى، ورغم التقدم الذي أُحرز على الجانب الدبلوماسي وأجواء التهدئة الواضحة، ظل العنف مستمراً على الأرض، فما زال الوضع بعيداً عن وقف القتال، لا سيما بعدما أسقط الانفصاليون طائرة مروحية تابعة لكييف بعد يوم واحد فقط على إعلان وقف إطلاق النار، لتنطلق مجدداً الاتهامات المتبادلة حول المسؤول عن إسقاط الطائرة والجهة الضالعة في خرق الهدنة، بل إن إعلان بوتين تخليه عن حق التدخل عسكرياً في أوكرانيا لحماية مواطنين موالين لروسيا جاء بعد أيام قليلة فقط على تأكيد حلف شمال الأطلسي استمرار الحشد العسكري الروسي بالقرب من الحدود الأوكرانية، ما يعني أن بوتين قد لا يكون جاداً فعلا في التخلي عن حق التدخل العسكري، أو إمكانية استخدام القوة لغزو الأراضي الأوكرانية في حال تدهور الوضع الأمني، وهو وضع قد يعمل بوتين نفسه على تأجيجه وإشعال فتيله لإيجاد المسوغات الضرورية للتدخل العسكري وقضم المزيد من الأراضي الأوكرانية بعدما تمكن قبل عدة شهور من ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ويبدو أن دعم بوتين لإعلان وقف إطلاق النار المعلن من قبل كييف والاتفاق على سحب الميلشيات الموالية لروسيا من أوكرانيا وعودتها إلى موسكو كذبه تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عندما وصف هذا الانسحاب للموالين لروسيا بأنه «تطهير عرقي». والظاهر أن بوتين الذي أدرك قسوة العقوبات الغربية واحتمال تصاعدها في حال تماديه قد انخرط في لعب دور مزدوج، فهو من ناحية لا يتردد في إبداء رغبته في نزع فتيل الصراع والتهدئة من خلال تأييده لوقف إطلاق النار ودعم خيار المصالحة والسلام في أوكرانيا، إلا أنه من ناحية واقعية تواصل الميلشيات الانفصالية أعمالها العدائية، وهو أمر لا يتم إلا بدعم مبطن من موسكو، ووزير الخارجية، وأيضاً من شركة الغاز الروسية التي تُبقى ضغوطها قائمة على كييف وتتحكم في إمداداتها من الطاقة، لكن ربما تكون بعض الجهات الانفصالية قد خرجت عن سيطرة موسكو مثل الجماعة التي أطلقت على نفسها «الجيش الأرثوذكسي الروسي» التي عبرت مؤخراً عن انزعاجها من التذبذب الروسي بين الدعم والضغط لوقف إطلاق النار. غير أنه وفي جميع الحالات يبقى الخبر الجيد أنه ما عاد وارداً احتمال حدوث ذلك السيناريو القاتم الذي تخوف منه البعض وهو لجوء روسيا إلى غزو شامل لشرق أوكرانيا ودخول عدد كبير من القوات الروسية وتمركزها على الأراضي الأوكرانية، لكن الفوضى وهشاشة الوضع تستمر في إثارة قلق المراقبين، كما أن استتباب الأمن ما زال بعيداً وذلك رغم كل التقدم وبوادر الانفراج الأخيرة. نوع المقال: روسيا