قالت تقارير نشرتها صحف غربية أن الانقلاب الذي شهدته مصر والثوارت المضادة في العالم العربي عموما من جانب العسكر والقضاء الفاسد والعلمانيين ، ضد الربيع العربي وضد التيارات الإسلامية المعتدلة التي تقبل بالاحتكام لصناديق الانتخابات ، أنتج ما كان يخشي منه الغرب وهو تراجع (الإسلام السياسي) المعتدل وتقدم (الاسلام الجهادي) العنيف ، ما قد ينعكس مستقبلا علي انتشار العنف في العالم العربي وانعكاسه علي الغرب . وقالت تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" و"أيكونوميست" و"فورين أفيرز" إن تشويه الربيع العربي والانقلاب عليه أعطى تنظيم القاعدة وحلفائه من التيارات الجهادية التي تتبني العنف والقوة ولا تقتنع بفكرة الديمقراطية الغربية فرصة فريدة لإثبات صحة موقفهم بأن الإسلام لن ينتصر إلا بالقوة والتخلص من هؤلاء الذين يدعون الديمقراطية ولكنهم أول من ينقلبون عليها عندما يخسرون ويفوز الإسلاميون . وشدد تقرير لمجلة (الايكونوميست) علي أن "الانقلاب على الحكومة الإسلامية المعتدلة في مصر ساعد على استرجاع السلطة الإيديولوجية للقاعدة ، والأسلحة التي أغرقت ليبيا وانتشرت في كل المنطقة، والحرب الأهلية السورية أوجدت واحدة من أكثر تشكيلات تنظيم القاعدة في العراق عنفا وتصلبا تحمل اسما مهيبا هو الدولة الإسلامية في الشام والعراق " ، ما يهدد المنطقة كلها بالفوضي بعدما انقلب الغرب وأتباعه العسكريين والعلمانيين في المنطقة العربية علي العملية الديمقراطية السلمية وسجنوا واعتقلوا الفائزين بالانتخابات الحرة من التيارات الإسلامية السياسية المعتدلة التي تؤمن بالتغيير السلمي لا العنف . فيما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن حركات الإسلام السياسي المعتدل التي صعدت بعد الربيع العربي وتولت السلطات في عدد من بلدانه من المغرب، تونس وليبيا ومصر والتي قدمت الأمل والرد الطبيعي على جماعات العنف الجهادي من القاعدة وتلك المرتبطة بها وأجهضت اليوم عبر السياسيين العلمانيين المتحالفين مع الجنرالات ودول الخليج الغنية بالنفط، تتراجع الان لصالح التيار الجهادي الذي اكتسح الساحة وأثبت أنه علي حق في رفضه القبول بالعملية الديمقراطية السلمية . "القاعدة" المستفيد الاول من السيسي أما مجلة (فورين أفيرز) فقالت أن تنظيم القاعدة والإسلام الجهادي هو المستفيد الأول من فوز السيسي وتوليه رئاسة مصر علي أنقاض رئيس منتخب في انتخابات حرة هو الرئيس مرسي بعد انقلاب الجيش عليه ، وأن كثيرين باتوا علي قناعة الإخوان أنه لا يمكن للسلمية في مصر أن تعيد حقوق من قتلهم العسكر والشرطة ، ولا تعيد الديمقراطية التي جري إجهاضها ليعود العسكر الي السلطة مرة أخري . وقالت في مقال كتبته (مارا ريفكين) أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تحمل فكر القاعدة، والجهاد باتت تؤكد أن انقلاب مصر وإبعاد الإسلاميين المعتدلين الفائزين في الانتخابات ، هو أكبر دليل علي صحة موقفها بأن العنف - لا المشاركة السلمية في السياسة – هو السبيل الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية . الجهاديون : الحقوق لا تسترد إلا بالقوة وهو ما أكده تقرير (نيويورك تايمز) الذي أكد أن زحف الجهاديون اليوم بدون أن يوقفهم أحد؛ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وسيطرتهم على مناطق تمتد من حدود كل من العراق وسوريا وأملهم في إنشاء خلافة إسلامية"، أظهر أنهم "في حالة نشوة بعد أن ثبتت رؤيتهم بأن الحقوق لا تستعاد إلا بالقوة، كما قال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي انشق عن القاعدة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري محمد مرسي على يد الجيش" . وقال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عقب الانقلاب علي الرئيس مرسي "إن على الإسلاميين الاختيار بين صناديق الذخيرة وصناديق الاقتراع"، وأن "يتفاوضوا في خنادق المعركة لا الفنادق"، ووصف انتخاب الإخوان المسلمين بالجماعة "العلمانية في ثوب إسلامي" وينقل تقرير نيويورك تايمز عن زعيم حركة النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي قوله إن : "المتطرفين عادة ما حذروا المعتدلين من عدم الثقة بالجيش و"للأسف" كانت "توقعاتهم صحيحة" . ويرى الغنوشي أن الحل بالنسبة للإسلاميين ليس القتال بالسلاح، ولكن التمسك أكثر بالتعددية، التسامح وفن التنازل "علاج الديمقراطية الفاشلة لا يكون إلا بديمقراطية أكثر"، " فالديكتاتورية المتدثرة بدثار الدين هي أسوأ أنواع الديكتاتوريات" . شراكة الإسلاميين والقوي الاخري وتقول الصحيفة إن الإسلاميين من عدة دول اجتمعوا في مؤتمر عقده مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان، العاصمة الأردنية لبحث دروس النجاح والفشل، كانت النتيجة التي خرج بها المؤتمرون حسب مدير المركز جواد الحمد أنه "يجب على الإسلاميين تطوير فكرة الشراكة مع القوى الأخرى" . ومع أن من هم خارج الحركات الإسلامية قد ينظرون لهذا النقاش على أنه بعيد ولا أهمية له حيث تعيش الحركات الإسلامية في أزمة عميقة لم تشهدها منذ إنشاء الإخوان المسلمين في عام 1928 ، فقد تحولت الجماعة لعباءة خرجت منها حركة الإسلام السياسي في كل أنحاء العالم العربي، وأقامت فروعا لها في كل دول العالم العربي وخرج منها حركات متشددة بعد أن فقدت الصبر بأسلوب الجماعة التدريجي وحملت السلاح لتحقيق أهدافها وأهم هؤلاء أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة . وعندما فاز مرسي بالرئاسة في مصر عام 2012 ظن الكثيرون داخل الحركة الإسلامية حتى نقادها أن فوز الإخوان المسلمين جعل من القاعدة حركة مهملة ، ولكن جاء 3 يوليو 2013 بعد الانقلاب وسجن مرسي، وبرلمانيو الإخوان، وتحطيم هيكلية الجماعة وسجن أكثر من 16.000 من مؤيديها وقتل أكثر من ألف في الشوارع وهم معتصمون أو يحتجون ، ليؤكد أن القاعدة تتقدم وتحقق انتصارات . وأمام التحديات التي تواجه الإسلاميين والأزمة التي حلت بهم يرى فريق منهم أن ما جرى هو نكسات مؤقتة سرعان ما سيتجاوزنها وسيخرجون منها أقوياء ، فالحركة الإسلامية عانت من محن في مصر الخمسينيات وتركيا الثمانينيات وجزائر التسعينيات من القرن الماضي ، وعليه فالثورة المضادة عام 2013 كشفت عن طيف من القوى التي اتحدت معا من دول الخليج الغنية بالنفط،والقوى الغربية والنخب البيروقراطية المتمرسة من النظام القديم "الدولة العميقة". ولكن مقابل هذا ، هناك فريق من الإسلاميين بمن فيهم شبان الإخوان يبحثون عن أجوبة عما فعله قادتهم من أخطاء ، ولو حصل وعاد الإخوان للسلطة، يتساءل هذا الفريق : هل على الإخوان التخلي عن مدخلهم التدريجي ويقومون بشكل حاسم بتطهير قوات الأمن وأجهزة القضاء وغيرها؟ وهل يجب أن يبحثوا عن تعاون مع قوى غير إسلامية مثل حركة 6 إبريل. وتنقل الصحيفة عن محمد صوان، زعيم الإخوان المسلمين في ليبيا الذي قال إن جماعته يجب أن تبذل جهدا للتعاون مع الجماعات الليبرالية، حيث قال إن المعركة في العالم العربي ليست حول الإسلام والهوية ولكنها عن المبادئ الرئيسية للديمقراطية والحرية والحقوق ولا علاقة لها بالمعركة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين .