«المشاط» تبحث مع بنك التنمية الجديد والأمم المتحدة التعاون بين بلدان الجنوب    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    إعلام إسرائيلي: إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان تجاه منطقة راميم    محمد جابر مستمر مع غزل المحلة لموسمين    إحالة المتهم بإنهاء حياة ابنته والشروع في قتل أشقائها الثلاثة في كفر الشيخ للمفتي    «%88 مساحات خضراء».. 6 معلومات عن مشروع حدائق تلال الفسطاط بمصر القديمة    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    "العدل الأوروبية" تغرّم المجر بسبب سياسات اللجوء    بمليار دولار وارتفاعه 250 مترًا.. معلومات عن برج «فوربس» المقترح بالعاصمة الإدارية    وزير الرياضة يشهد المرحلة التمهيدية من مشروع صقل مدربي المنتخبات الوطنية    البنك الأهلي المصري يطلق تحديثات على منتج «حساب الأهلي وسيط Escrow»    السكرتير العام المساعد بالبحيرة يتابع ملف تقنين أراضي أملاك الدولة.. ويوجه بإزالة التعديات على أملاك الدولة    سفاح التجمع يشعل مواجهة بين صناع الأعمال الدرامية    خاص.. أول رد من يوسف حسن بعد منشور "تجاهل علاجه" في الزمالك    يوم التروية.. سبب التسمية وأفضل الأعمال به والأدعية المستحبة    افتتاح عدد من الوحدات الحديثة بمستشفيات المنيا الجامعية    عيد الأضحى 2024 | أحكام الأضحية في 10 أسئلة    محافظ أسيوط يضع حجر أساس مدرسة المحبة بمدينة المعلمين    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    محافظ الشرقية يفتتح النصب التذكاري للشهداء    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    دعاء ثامن ليالي ذي الحجة.. اللهم اني أسألك العفو والعافية    عاجل- الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى السعودية لأداء فريضة الحج    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    نقل المصابين في مشاجرة عائلتي بكوم إمبو للمستشفى الجامعي وسط حراسة أمنية مشددة    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    11ستمبر.. تأجيل محاكمة 4 متهمين بالتسبب في إصابة مزارع بالعمي    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    ضبط أحد الأشخاص بسوهاج لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الشهادة الثانوية    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    على خطى كرة القدم.. ريال مدريد بطلا لدوري السلة    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة السورية ... محاولة لفهم المجزرة
نشر في التغيير يوم 17 - 06 - 2014

نُظر إلى الثورة السورية من طرف كصراع داخلي، ومن طرف آخر كصراع دولي، معزولة عن سياق الثورات التي بدأت من تونس في 17 ديسمبر/ كانون أول 2010، وتوسعت إلى مصر في 25 يناير/كانون ثاني 2011، ومن ثم ليبيا واليمن والبحرين، مع نشاط ثوري في الأردن والجزائر والمغرب والعراق، وحتى عُمان. ووصل أثرها إلى مدريد وباريس وروما وحتى وول ستريت في نيويورك. لهذا، لم يجرِ فهم الظروف التي حكمت الثورة في إطار البيئة العالمية التي كانت تشهد أسوأ أزمة تمرّ الرأسمالية بها، وأسوأ ظرف عالمي نتيجة الإفقار والتهميش الذي طال الأمم المخلَّفة، وحتى الأمم الرأسمالية، وظهر واضحاً في الثورة في اليونان سنة 2010، والتظاهرات الضخمة، بعد ذلك، في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، وصولاً إلى تركيا والبرازيل وتايلاند، وحتى فنزويلا.
بمعنى أن هذا التوسع الثوري الذي بدأ من تونس كان يجب أن يتوقف، وفق منطق الرأسمالية، ومنطق النظم الحاكمة في البلدان العربية. حيث إنه أشّر إلى أن "العدوى" باتت تنتقل بسرعة البرق، وأن احتقان الشعوب أخذ في التفجر. ومن ثم، لا بدّ من صيغةٍ لوقف كل ذلك، قبل أن يطال المدّ الثوري كل بلدان المنطقة، وربما يتوسع عالمياً مع وجود بوادر ثورة في جنوب أوروبا خصوصاً. لقد أذن انفجار الثورات، بالتالي، بنشوء خطر داهم يطال الرأسمالية وكل النظم العربية. فالبلدان العربية كلها تعاني من المشكلات ذاتها: البطالة المرتفعة، الفقر الشديد، التهميش، انهيار التعليم والصحة والبنية التحتية (حتى في السعودية وعُمان)، حيث جرى تشكيل النمط الرأسمالي، عموماً، وفي الأطراف خصوصاً، انطلاقاً من هيمنة الطغم المالية التي تركّز نشاطها في المضاربات في أسواق الأسهم (باتت عالمية مع العولمة) والعملة والسلع الغذائية والمشتقات المالية والديون وأسواق الأسهم. ما فرض تشكيل اقتصاد ريعي، ينحصر في قطاع الخدمات والسياحة والعقارات والبنوك والاستيراد. وهو ما فرض تمركز الثروة بيد أقلية مرتبطة بتلك الطغم المالية الإمبريالية، وأغلبية تعيش حدّ الفقر، وينحدر وضعها كلما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع عموماً.
هذا الوضع الذي تشكل في الوطن العربي، في العقدين الأخيرين، فرض الخوف الشديد على كل النظم، ما دفع أمير الكويت إلى رشوة شعبه، وكذلك دفع ملك السعودية إلى تقديم الرشوة، وفرض على النظام الجزائري ضخّ كتلة مالية هائلة، من أجل إسكات الشعب، وهكذا، فعلت عُمان. لكن، كان ذلك جزءاً مما جرت ممارسته، لأن الأمر، كما يبدو، لهذه النظم بات أعقد من ذلك، ويحتاج إلى عنصر رادعٍ، يمنع الشعوب عن التمرّد والثورة، حيث هذه الرشوة مؤقتة التأثير، ولا تحل المشكلات القائمة. وهو السبب نفسه الذي جعل قوى إمبريالية تدفع نحو "تدمير" الثورات.
ما جرى في سورية يجب أن يُفهم من هذا المنظور، في جزءٍ منه. حيث لمسنا السياسة السعودية، الدولة التي وجدت أن الثورة تلتف حول عنقها، بعد أن امتدت من تونس إلى مصر، لتصل إلى اليمن والبحرين، ثم سورية. هذه السياسة التي قامت على دعم السلطة مالياً في الأشهر الأولى للثورة على الأقل، ومن ثم عملت على تأكيد خطاب السلطة الذي يقول بإسلامية وأصولية وإخوانية الثورة، عبر دفع أزلامها لتصدر المشهد (عدنان العرعور خصوصاً، وقناة الوصال الطائفية). وأيضاً التركيز على إظهار الثورة كثورة "إسلامية" من خلال إعلامها (وإعلام قطر، وحتى الإعلام الغربي). إلى أن دعمت تشكيل قوى طائفية سلفية، مرتبطة بها، وشجعت "أسلمة" الكتائب المسلحة تحت حجة الدعم المالي. و"هوشت" إعلامياً ضد السلطة، وأوهمت أنها تدعم تغييرها عبر دعم "المعارضة"، ومدها بالسلاح (الذي لا يصل، أو يصل ما لا يسمح بإسقاط السلطة بل يكرس ديمومة الصراع).
كان الهدف هو إيجاد استعصاء، عبر ضمان تماسك السلطة (وكان يتحقق ذلك في تخويف الأقليات الدينية وضمان تماسكها خلف السلطة)، وتحويل الثورة إلى كتائب أصولية مسلحة، ذات نزعة طائفية، تخيف الأقليات، وتعطي السلطة كل المبررات لتكون حاميها (كما تخيف قطاعات مدنية وعلمانية مهمة). ودفع الأمور نحو إشعال الصراع على أساس طائفي، لأن ذلك وحده ما يبقي الأقليات (خصوصاً العلويين هنا) متماسكين خلف السلطة، وبالتالي، قوتها الضاربة ضد الثورة، بدل أن ينخرطوا في الثورة (كان ذلك ممكناً نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها هؤلاء، ونتيجة إهانات وتشبيح آل الأسد في الساحل). تبع ذلك التقتير في التسليح والدعم المالي لكي يكون ممكناً لقوى الثورة أن تنتصر، بل يسمح لها بالدفاع عن مواقعها، من أجل ضمان صراع طويل، لا يُظهر إلا بشاعته.
ولا شك في أن فهم السعودية، وفهم القوى الدولية طبيعة السلطة، كانت المدخل إلى استمرار استفزازها، لكي تزيد من عنفها، وتظهر وحشيتها، وبالتالي، تحوّل الصراع إلى مجزرة، تدمر مناطق ومدن وأحياء كاملة، وتقتل مئات الآلاف، وتعتقل مئات الآلاف، وتبيّن أن عدداً كبيراً منهم قد صفي في السجون. السلطة مافيوية، وهي من أصول "ريفية" شديدة العنف. وسيطرت على أكثر من ثلث الاقتصاد السوري، وباتت تحتكر مجمل الاقتصاد، عبر تحالفها مع البرجوازية التقليدية في دمشق وحلب. لهذا، كان شعارها: الأسد أو نحرق البلد (أو الأسد أو لا أحد). وبالتالي، كان من الطبيعي أن تمارس كل وحشيتها، وهي ترى الشعب يتمرد عليها، ويعمل جاهداً من أجل إسقاطها، ويظهر في لحظة أنه يستطيع ذلك. الأمر الذي أطلق كل وحشيتها، حتى باستخدام الأسلحة الكيماوية.
بالتالي، كان الدور الخارجي تحريضياً، ويهدف إلى دفع السلطة لكي تدمر وتقتل، بما يقنع الشعوب بأن كل تمرّد سيكون مصيره ما جرى في سورية. على كلٍّ، هذا ما بدأ يردده الإعلام في بلدان عربية عديدة، ويشير إليه الإعلام الغربي من الزاوية نفسها. لتصبح المعادلة المتداولة أن الثورة تساوي القتل والتدمير. ويفسر هذا الأمر مواقف كل الدول من الثورة السورية (حتى التي أيدت الثورة في تونس ومصر)، فقد وقفت روسيا مدافعاً عنيداً عن السلطة، بالتأكيد لمصالح حصلت عليها بعيد الثورة، في مقابل أن تحمي السلطة في مجلس الأمن، ودولياً من إمكانية التدخل العسكري الأميركي، لكن الخشية من ثورة هناك كان، وما زال، يحكم منطق السلطة الروسية (خصوصاً وهي ترى الآن الثورة في أوكرانيا). لأن كل الظروف التي صنعت الثورات، هنا، تحكم روسيا بوتين (إضافة إلى تخوفه من الحركات "الجهادية"). وباتت أميركا مرتخية الأيدي، وأضعف من أن تتقدم بقوة كما كانت تفعل في عقود سابقة، لكنها أيضاً تخاف الثورات، لهذا دفعت من أجل حسمٍ سريع لها في تونس ومصر، وعملت، عبر السعودية، على تشويه الثورة اليمنية، وفرض حل شكلي لا يعبّر عن مطالب الثورة. وكانت مرتاحة لأن السلطة السورية تمارس كل الوحشية التي مارستها هي في العراق، من أجل إعادته إلى "البدائية"، كما صرّح أحد وزراء خارجيتها يوماً، هو جيمس بيكر. وتقوم بالتدمير الذي يخدم مصلحة الدولة الصهيونية، على الرغم من أنها دفعت إلى أن تكون روسيا الفائز بسورية، وليس أي من حلفائها الذين اندفعوا، من أجل المحافظة على مصالحهم التي حققوها بالعلاقة مع بشار الأسد، لتشكيل نظام بديل تابع لها (وهنا تركيا وقطر، ثم فرنسا التي كانت تطمح، منذ بداية العقد الجديد، إلى أن تصبح لها الحظوة في سورية). ذلك كله في إطار "لعبة الأمم" التي فرضت حاجة أميركا للتحالف مع الروس، من أجل حصار الصين التي باتت الخطر الأساس بالنسبة لها.
إذن، كان يبدو أن الخطر بات هو الثورات ذاتها، وليس أي شيء آخر بالنسبة لدول إمبريالية عديدة ودول إقليمية، وكان يجب أن تقبر في سورية. هذا الأمر هو الذي جعل الدول التي تدعم السلطة (روسيا وإيران)، أو تقول إنها تدعم الثورة تنفّذ السياسة ذاتها: كيف تتحوّل الثورة السورية إلى مجزرة؟ بالتالي، كيف تقف الموجة الثورية التي بدأت من تونس؟
العالم يقف على أعتاب ثورات كبيرة، والنظم تريد أن تواجه ذلك بعبرةٍ، لعلها تردع الشعوب. لكن ما يهمّ الجوعى إذا كانوا يعرفون أن مصيرهم الموت في كل الأحوال؟ هذا ما لم تتعلمه الرأسمالية، على الرغم من ثورات عديدة حدثت، ولم يردعها العنف والقتل والتدمير. ببساطة، لا أحد يراهن على ارتداع شخص وهو يعيش الموت يومياً نتيجة حالة الإملاق التي وُضع فيها. فالموت هو الموت، وهو الذي ينهض الحياة. حيث إن عدم الخوف منه هو الذي يوجد الجرأة والشجاعة التي تدفع الشعوب إلى الثورة.
رابط المقال:
http://www.alaraby.co.uk/opinion/15120a4a-6c6e-417b-9ff0-12843ec6f26b


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.