منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، وبالتحديد بعد الاستفتاء في شبه جزيرة القرم وعودته إلى روسيا، بدا واضحاً أن كل شيء هناك يسير وفق ما تريد موسكو وضد كل ما يريده الأوروبيون والأميركيون، وأيضاً السلطة الانقلابية في كييف. وهذا ما صرح به في البداية الرئيس الأميركي علناً، بعد استعادة روسيا للقرم، وبعد أول حزمة من العقوبات الضعيفة التي فرضها الأميركيون والأوروبيون على بعض الشخصيات والشركات الروسية الصغيرة، حيث صرح الرئيس أوباما للصحفيين قائلاً «علينا أن نعترف بأن القرم قد ذهب بغير رجعة، وأن العقوبات لم تغير شيئاً من سياسة روسيا». واستمر سيناريو الأزمة الأوكرانية يسير وفق ما تريد روسيا، حتى وصل لاستفتاء إقليمي لوغانسك ودونيتسك في الشرق الأوكراني، للانفصال عن أوكرانيا وإعلانهما جمهوريتين مستقلتين. وتصور البعض أن هذا أمر يستحيل أن تسكت عليه سلطات كييف، على الأقل لأنه يهدد انتخابات الرئاسة القادمة، لكن الأمر تم واستقل الإقليمان، وها هي وزارة الداخلية الأوكرانية تعترف بأنه لم يعد من الممكن إجراء الانتخابات الرئاسية في الإقليمين، بسبب نشاط أنصار الاستقلال فيهما. وقال القائم بأعمال وزير الداخلية أرسين آفاكوف: «ندرك بوضوح، ولا نخدع أحداً، أنه لم يعد ممكناً إجراء الانتخابات بشكل عادي على مساحة ضخمة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك». إلا أنه أكد أن الانتخابات ستجري بأي حال من الأحوال، حتى وإن تمت مقاطعتها في عدد من المناطق. في المقابل أكد المحافظ الشعبي لمحافظة دونيتسك بافيل غوباريوف، أنه أصبح من المستحيل إجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في إقليمي لوغانسك ودونيتسك. كل هذا يتم وفق ما تريد روسيا، على مرأى ومسمع من الغرب وواشنطن الذين لا يملكون أن يفعلوا أي شيء، حيث تبدو الصورة شعبية أوكرانية بحتة لا دخل لروسيا فيها، لكنهم على يقين من أن كل شيء مخطط له في موسكو ويسير وفقاً للسيناريو الذي أعده بوتين، ولا خيار أمامهم لإيقاف هذا السيناريو سوى الصدام مع روسيا، وهو ما لا يرغب فيه أحد في أوروبا ولا في واشنطن، لأنه خارج نطاق القدرة ويسبب مشاكل لا طاقة لأحد بها. والآن السؤال في الغرب هو: ماذا بعد في السيناريو الروسي لأوكرانيا؟ لقد ظهرت معالم المرحلة القادمة في مخطط الأقاليم الأوكرانية المستقلة في الشرق، حيث أعلنت جمهوريتا لوغانسك ودونتسك المستقلتين عن نيتهما تشكيل جمهورية جديدة تضمهما وأي أقاليم أخرى جديدة تعلن استقلالها، وأطلقا على هذه الجمهورية الجديدة اسم «نوفو روسيا» أي «روسيا الجديدة». ولا يستبعد أن تكون موسكو وراء فكرة الدولة الجديدة هذه، وذلك لتتفادى عملية ضم الجمهوريات المستقلة الواحدة تلو الأخرى للاتحاد الروسي، مما سيثير غضب الأوروبيين وواشنطن كثيراً، ويزيد الاتهامات الخارجية لروسيا بالتعدي على سيادة دولة أوكرانيا والاستيلاء على أراضيها. لهذا جاءت فكرة تشكيل دولة جديدة تضم الأقاليم التي ستعلن استقلالها عن أوكرانيا، ثم تنضم هذه الدولة الجديدة للاتحاد الجمركي الثلاثي، الذي يضم روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، وتنضم أيضاً للاتحاد الأوراسي الذي تقوده روسيا. وهكذا تدخل الدولة الجديدة بشكل غير مباشر تحت نفوذ وهيمنة روسيا، وبشكل لا يستطيع الغرب الاعتراض عليه. وفي هذه الحالة أيضاً تستطيع روسيا، بعد اعترافها بالدولة الجديدة، أن تمدها بالسلاح والعتاد، وأن تعقد معها اتفاقات تعاون أمني، تسمح لروسيا بالدفاع عنها ضد هجمات سلطات كييف عليها. لقد بدا واضحاً من فشل الهجمات العسكرية التي شنتها سلطة كييف على الأقاليم الشرقية، والتي تكبد فيها الجيش الأوكراني خسائر فادحة وسقط منه قتلى، أن المقاومة الشعبية داخل الأقاليم الشرقية مدعومة بشكل كبير من روسيا، وربما كما يقولون في كييف أنها مدعومة، ليس فقط بالسلاح، بل وبالأفراد أيضاً، وإلا كيف تستطيع مقاومة شعبية أن تسقط طائرات مروحية! وبدا واضحاً أن واشنطن والأوروبيين ليسوا متحمسين كثيراً لدعم السلطات الانقلابية في كييف، لإحساسهم بأنها لن تستطيع الصمود. وسلطات كييف تشعر بأن الأوروبيين والأميركيين باتوا مترددين وأن حماسهم فتر تجاهها، ولهذا بدأت في التلميح بعدم اعتراضها على الحوار مع موسكو ومع السلطات في الأقاليم الشرقية المستقلة.. وهكذا يمكن القول بأن الأمور في أوكرانيا تسير وفق ما تريد روسيا. هذه هي مخططات بوتين التي يخشاها الأوروبيون والأميركيون، لأنها مخططات يصعب إفشالها، كما يصعب في نفس الوقت اتهامها بمخالفة القانون الدولي. نوع المقال: روسيا سياسة دولية