هل صدّق أحد حقاً أن مسعى جون كيري على مدى تسعة شهور لإقامة دويلة فلسطينية سينجح يوماً؟ إن حدث ذلك، فهو إما جاهل بالشرق الأوسط، وإما ساذج . وأفضل ما يمكن للمرء أن يقوله بشأن فشل كيري هو أن مسعاه كان تمثيلية غايتها أن تظهر واشنطن للعرب أنها تبذل فعلاً جهداً من أجل حل معاناة خمسة ملايين فلسطيني مشردين منذ نحو سبعة عقود . وفي عام ،2002 كتبت أن أحدث مبادرة للسلام بين العرب و"إسرائيل" - والتي عرفت باسم "خريطة الطريق"- ستصل إلى طريق مسدود . وهذا ما حصل، وهذا كان مصير كل محاولة لتحقيق السلام عن طريق واشنطن، التي كانت تتوسل، وتستجدي، وتناشد، وتلتمس من "إسرائيل" لكي تسمح بإقامة دولة فلسطينية صغيرة وشبه مستقلة في الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال "الإسرائيلي" . إلا أن "إسرائيل" لم تكن تنوي اطلاقاً توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين . ولماذا تفعل ذلك؟ - أولاً، حزب الليكود الحاكم في "إسرائيل" وحلفاؤه الأكثر تطرفاً حتى منه تعهدوا بأنه لن تكون هناك أبداً دولة فلسطينية . وهذه مسألة غير قابلة للنقاش بالنسبة لهم . وبرأيهم، كل فلسطين ملك لليهود، حتى إذا كانوا ينحدرون من روسيا، أو بولندا، أو ليتونيا، أو المغرب . وكما كان الجنرال آرييل شارون يكرر القول، فإن الدولة الفلسطينية الحقيقية هي الأردن . و"إسرائيل" لن تعود ابداً إلى حدود ما قبل حرب 1967 . - ثانياً، لا وجود لشعب فلسطيني، حسب رئيسة الوزراء "الإسرائيلية" السابقة غولدا مائير، التي كانت مولعة بالقول إن الفلسطينيين ليسوا سوى بدو رحل من دون أرض . ويا لها من سخرية أن يكون المفكر اليهودي آرثر كوستلر قد قال الشيء ذاته عن اليهود، الذين وصفهم بأنهم نسل شعوب الخزر الرحل (شعوب تركية قديمة ظهرت في شمال القوقاز واستقرت في منطقة الفولغا السفلى في روسيا اليوم، واعتنق أغلبهم اليهودية في القرن الثامن، وبعضهم اعتنق المسيحية في القرن التالي) . - ثالثاً، وكما كان شارون يتباهى، "لا تقلقوا بشأن الولاياتالمتحدة . أنا أسيطر على الولاياتالمتحدة!" واليمين "الإسرائيلي" حول أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى دمى . وأي مسؤول أو سياسي أمريكي يعتبر غير موالٍ ل"إسرائيل" بصورة كافية يخسر مستقبله السياسي . وذهب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إلى حد امتهان الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن- ثم قوبل بالهتاف والترحاب في الكونغرس . - رابعاً، "إسرائيل" تمسك بجميع الأوراق . والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يحددها اللوبي "الإسرائيلي" النافذ، و"إسرائيل" تغتني بفضل مساعدات أمريكية (3-5 مليارات دولار سنويا)، واكتشاف مكامن طاقة جديدة . واقتصادها يزدهر، وقطاعها التكنولوجي بين الأكثر تقدماً في العالم . و"إسرائيل" سيطرت على موارد مياه رئيسية في المنطقة، وعسكرياً، "إسرائيل" قادرة على غزو قسم كبير من الشرق الأوسط في غضون أيام . وحلفاء "إسرائيل" الأمريكيون المعروفون باسم المحافظين الجدد، دبروا حرب العراق التي دمرت أقوى جيش عربي قادر على مواجهة "إسرائيل"، والآن، بفضل المحافظين الجدد أيضاً، بات العدو الجدي الآخر ل"إسرائيل"، وهو سوريا، مدمراً . وإيران البعيدة لا تشكل حالياً تهديداً عسكرياً ل"إسرائيل"، إضافة إلى ذلك "إسرائيل" المسلحة نووياً تتمتع بدعم أمريكي غير محدود، عسكرياً ومالياً . والفلسطينيون منقسمون ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس المحشورة في غزة، وجميعهم لا يشكلون أكثر من ازعاج ل"إسرائيل" . والقوة القتالية العربية الوحيدة المتبقية هي حزب الله في لبنان، الا أنه ليس فعالاً إلا عندما يقاتل داخل بلده . واليمين "الإسرائيلي" مستعد تماماً لإقامة نظام فصل عنصري يحظى فيه العرب بالقليل فقط من الحقوق، من دون أي قوة سياسية . - خامساً، اليمين الصهيوني المتعنت في "إسرائيل" كان دائماً يعارض ترسيم حدود ل"إسرائيل" مع سورياولبنان، ومن يدري كيف ستكون حدود "إسرائيل" النهائية . والبعض في معسكر اليمين "الإسرائيلي" المتعنت يرى فرصاً ذهبية في عالم عربي منهار ومفتت . نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية