\r\n فعلى رغم الغضب العربي المبرر حيال انجراف السياسة الأميركية الراهن، من المهم تذكر عدد من التدخلات الأميركية التي عززت مساعي السلام في المنطقة. ففي 1956 تصرف الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور على نحو فاعل لردع العدوان الثلاثي الإسرائيلي-الفرنسي-البريطاني على مصر. وفي 1982، وبعد أشهر من الصمت والإذعان حيال الاجتياح الإسرائيلي الوحشي لجنوب لبنان، تصرّف الرئيس رونالد ريغان لكبح مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك. \r\n \r\n وإثر حرب تحرير الكويت في 1991، وقف الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر موقف المعارضة الحازمة في وجه إعاقة إسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك لمساعي حل النزاع، وفي وجه خططه المعنية ببناء المستوطنات، فكانت تكلفة ذلك الموقف خسارة شامير في مساعي إعادة انتخابه مرة أخرى. وفي غضون فترتيه الرئاسيتين، داوم كلينتون على استخدام ضغوط أكثر دقة لكنها واقعية لتغيير سلوك إسرائيل حيال الفلسطينيين؛ وتراوح أثر ذلك بين المفاوضات التي أدت إلى إعادة أكثر من 400 فلسطيني طردتهم إسرائيل إلى لبنان، وتوقيع اتفاق واي ريفر وهو الأول من نوعه بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة يقودها حزب الليكود. \r\n \r\n وفي الواقع أن الوضع الحالي أكثر إحباطاً وأكثر حاجة إلى التدخل. لكن بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات ونصف من العنف القاسي وتعرض السلطة الفلسطينية للتدمير شبه التام، تغيب المساعدة الأميركية الوشيكة عن الأفق. وسواء كان بوش يعمل بدافع من المعتقدات والقناعات الأيديولوجية أو انطلاقاً من الحسابات السياسية الباردة، فإنه أطلق يد شارون قبل وبعد 11 سبتمبر. وفي مناسبة واحدة فقط، بدا أن بوش مستعد للتصرف كقوة كابحة. ففي أبريل 2002، وبعد تسارع دراماتيكي في الهجمات الإرهابية والهجمات المضادة الفتاكة، أطلق بوش إنذاراً للفلسطينيين والإسرائيليين، وأرسل كولن باول إلى الشرق الأوسط للمساعدة على وقف سفك الدماء ولإعادة بدء المساعي السلمية. لكن بعد مواجهة أسبوعين من هجوم سياسي متواصل شنه عليه المحافظون، وبسبب غضبه من ممارسة إدارته للضغط على شارون، ردّ بوش بإعلان شارون \"رجل سلام\" وبإلقاء المسؤولية عن الوضع على ياسر عرفات حصراً. وفي هذا التصرف بالذات، وقّع بوش على مصير عرفات فقوّض مهمة باول وأعطى شارون الضوء الأخضر الذي ما يزال يستغله حتى الآن. \r\n \r\n إن إسرائيل بقيادة الليكود تشكّل وصفة للكارثة التي تحلّ على الفلسطينيين. فمباركة بوش الأخيرة والمتجددة لشارون أدت فقط إلى تأزيم الوضع من سيئ إلى أسوأ. ويبدو أن بوش ونظيره الإسرائيلي لم يجدا وفقاً لحساباتهما جانباً سلبياً في سلوكهما. فمن جهته، سعى شارون إلى استرضاء خصومه في أقصى اليمين بمواصلة القمع والعنف ضد الفلسطينيين بمزيد من العدوانية في غزة، وبتعهده بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وباعتبار أن اليسار لا يشكل تحدياً فاعلاً، فإن الجدل في إسرائيل يدور بين الجناح المتشدد والجناح الأكثر تشدداً. ومن المأساوي أن الأمر ذاته صحيح في الولاياتالمتحدة. فمع تأييد جون كيري لكل من سياسة شارون و\"إعلان بوش\" المؤيد لأحادية السلوك الإسرائيلي، يبدو أنه لن يدور في الولاياتالمتحدة جدل جاد حول هذه المسألة الحرجة في هذه السنة الانتخابية. \r\n \r\n فما الذي أدى بنا إلى هذا الوضع المؤسف؟ \r\n \r\n إنه وضع مدفوع إلى حد ما بالسياسات المتطرفة، حيث تؤكد كل الأطراف على أهمية التكاليف والمنافع- المالية والانتخابية- لأي عمل قد تتخذه. وقد يكون الوضع ناجماً إلى حد ما عن الأيديولوجيا المسيحية المتطرفة التي يعتنقها البعض، أو عن غياب أية أيديولوجيا أو معتقدات حقيقية لدى غيرهم في ما يتعلق بهذه المسألة. وفي النهاية نجم الوضع عن العنصرية، أي عن غياب شبه تام للشفقة على الإنسان الفلسطيني. \r\n \r\n وفي أية حال، ما زالت القوة الدافعة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، بعد أن بات متروكاً هكذا بلا أمل فوري في ضغط أميركي أو أي ضغط خارجي لكبح ما يحدث، منطلقةً خارج نطاق السيطرة، ليبقى الفلسطينيون معرضين إلى حد استثنائي لاعتداءات إسرائيل المتواصلة عليهم وعلى أراضيهم وآمالهم. ومن غير الممكن حساب حجم الضرر الذي يلحق وسيلحق دوماً بحياة الإنسان وبالبحث عن السلام وبالمواقف الإقليمية حيال الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n إن هذا ليس إعلان يأس بقدر ما هو دعوة إلى العمل. فأولئك الذين يهمهم أمر سلام الشرق الأوسط وتعزيز حقوق الإنسان الفلسطيني وإنقاذ حياة الأبرياء، لا مناص لهم من العمل لتحدي القوة الدافعة السياسية في الولاياتالمتحدة؛ وتحقيق ذلك ممكن. ففي دائرة الخطر الكثير جداً ممّا يقتضي عدم اتخاذ موقف سلبي في وجه هذه الحاجة الملحّة.