بينما احتفل الفلسطينيون باتفاق المصالحة الموقع بين حركتي «فتح» و«حماس»، كانت ردود الفعل في كل من واشنطن وإسرائيل هي «عضّ الأنامل من الغيظ». وكاد يغمى على بعض المعلقين السياسيين الأميركيين من الدهشة بسبب أخبار الاتفاق، مستخدمين مصطلحات مثل «يوم أسود» و«عقبة على طريق السلام» و«تعقيد خطير»... إلخ. وفي غضون ذلك، أخذ أعضاء الكونجرس يتوعدون بقطع المساعدات إذا مضت السلطة الفلسطينية قدماً في اتفاق الوحدة، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية كما هو متوقع قاسية في انتقاداتها للتحرك الفلسطيني. ووجد جناح اليمين المتطرف، الذي لم يدعم «عملية السلام» من الأساس وهدد مراراً وتكراراً بالانسحاب من حكومة نتنياهو لو أنها وقعت اتفاقاً مع الفلسطينيين، في اتفاق «فتح» و«حماس» مبرراً للمطالبة بإنهاء مباشر لمفاوضات السلام، وأشم رائحة الفرحة أكثر من الغضب في تصريحاتهم الفجة! ومن دون شك فقد اتخذ نتنياهو المسار الأكثر خداعاً سائلاً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: «هل تريد السلام مع حماس أم مع إسرائيل؟»، كما لو أنه يشير إلى أن السلام مع إسرائيل كان حقيقة قاب قوسين أو أدنى لولا قرار عباس «المخيب للآمال»! وبغض النظر عن كافة التصريحات التي تعرب عن الغضب والأسى المفرط، فحُق للفلسطينيين أن يحتفلوا، لاسيما أن المصالحة والوحدة الوطنية ليست جيدة لهم فحسب، وإنما هي ضرورية للغاية لو قدر أن يكون هناك سلام دائم وحقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي المقام الأول، يبدو الشعب الفلسطيني في أمسّ الحاجة لهذه الوحدة من أجل ترتيب البيت السياسي الداخلي، إذ يدرك الفلسطينيون أنه لن يكون لهم مستقبل قابل للاستمرار من خلال العيش في كيانيين منفصلين. وفي مواجهة التحديات القائمة والمستمرة، ضعفت معنويات الشعب بسبب قيادته المفتتة والمتنازعة، وفي ضوء شعورهم بالإحباط الكبير من إخفاق قادتهم أو عجزهم عن إنهاء الاحتلال، بات هناك شعور بان الوحدة من شأنها أن تقدم حلاً حقيقياً. وفي عالم خارج عن السيطرة، كان إنهاء انقسام الفلسطينيين الداخلي هو الشيء الوحيد الذي يشعر الفلسطينيون أن بمقدورهم التحكم فيه، وبالطبع لا تعتبر الوحدة حلاً سحرياً ولن تسفر في حد ذاتها عن الاستقلال. ولكن إدراك الشعب كان صحيحاً في فهم كون الوحدة -وفق الشروط الملائمة- ستكون خطوة جوهرية على طريق الاستقلال. ومن الضروري أيضاً فهم حقيقة أن قيادتي كل من «السلطة الفلسطينية» و«حماس» تواجهان تحديات بشأن شرعيتهما، إذ إنه في غضون الأعوام السبعة الماضية، تسببت «حماس» في فوضى وحالة صعبة في «غزة»، ذلك أن عمليات إطلاق الصواريخ غير المميزة، والاستخدام المتعمد للمفجرين الانتحاريين، التي يطلقون عليها وصف «مقاومة»، لم تجدِ نفعاً سوى في الإضرار بالصورة والحركة الفلسطينية. وفي الوقت ذاته، مكّن هذا السلوك وانعدام الأمن الذي أحدثه بين الإسرائيليين، المتعصبين في حكومة نتنياهو ومنحهم القدرة على فرض عقوبات جماعية قاسية زادت من معاناة قطاع غزة بأسره. وعليه، فقد باتت «حماس»، التي انخفضت شعبيتها بسبب سوء الإدارة التي يشعر بها السكان الفقراء، تواجه استياء بسبب كل من أيديولوجيتها وأسلوب حكمها. وتشير استطلاعات الرأي في الوقت الراهن إلى تضاؤل القاعدة المؤيدة للحركة بشكل كبير بعد أن كانت تحظى بشعبية. وبالطبع، قد لا تبدو «السلطة الفلسطينية» أفضل حالاً، بسبب التعنت وغياب الإرادة الإسرائيلية، وعلى رغم أن القائمين على السلطة اتخذوا قراراً استراتيجياً بالسعي في مسار غير عنيف من أجل التحرير عبر التعاون مع الولاياتالمتحدة والتفاوض مع إسرائيل، إلا أن مكافأتهم كانت: أنهم أصبحوا معتمدين مالياً على واشنطن وإسرائيل، وتم تحديهم مراراً وتكراراً بسبب التوسع الاستيطاني العدواني والاستحواذي، وظلوا معرضين لجهود إسرائيل الرامية إلى فرض إرادتها على كل خطواتهم. ونتيجة لذلك، أضحى الشعب الفلسطيني يائساً من إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام. ولهذا، وفي مواجهة وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، ورفض إسرائيل الوفاء بوعدها بإطلاق سراح الأسرى، فضلاً عن إعلانها عن توسع استيطاني آخر، تحول الفلسطينيون بدلاً من ذلك لإصلاح كيانهم السياسي المنقسم. وبناء على ما نعرفه، تنص بنود الاتفاق بين حركتي «فتح» و«حماس» على تشكيل حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط، على أن تسعى هذه الحكومة في غضون أشهر إلى التجهيز من أجل عقد انتخابات وطنية. وتمكن الاتفاقية أيضاً الرئيس عباس من مواصلة المفاوضات وتصادق على قيادته في السعي إلى حل الدولتين الذي يرسي دعائم السلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدسالشرقية. وفي حين ترفض إسرائيل هذه المصالحة على نحو واسع النطاق، إلا أن نجاح المساعي الرامية لإرساء الوحدة سيعتمد على الرد الأميركي، وإلى الآن، لم ترفض الإدارة الأميركية رسمياً الاتفاق، بل أبدت فقط حذراً بدرجة ما في تصريحاتها. وكانت الولاياتالمتحدة سترتكب خطأ فادحاً، لو أنها رفضت اتفاق المصالحة من دون التعرف على بنوده، وعاقبت السلطة الفلسطينية عليه، وبالمثل سترتكب خطأ كبيراً لو ضغطت على الرئيس عباس للتراجع عنه، كما حاولت من قبل. وفي هذه المرحلة، لن تكون هذه الخطوة مقبولة من طرف الشعب الفلسطيني، وستضر بشكل كبير بقيادة السلطة الفلسطينية. ولو أن بنود الاتفاقية -مثلما يؤكد المتحدثون الفلسطينيون رفيعو المستوى- تتوافق مع شروط «الرباعية الدولية»، فعلى الولاياتالمتحدة أن تكون داعمة لهذه الجهود، وأن تصر على مواصلة إسرائيل المفاوضات مع عباس الذي أصبح في موقف أقوى في الوقت الراهن. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية