يبدو أن جون كيري ينتظر من نتنياهو الإقدام على خطوة حاسمة، لكن قبل الاستطراد في الشرح هناك بعض الفرضيات التي يتعين تفنيدها فيما يتعلق بعملية السلام بالشرق الأوسط، إذ عادة ما يُقال إن السلام في المنطقة مات وأهيل عليه التراب، لا سيما في ظل الأحداث الأخيرة، وفشل إسرائيل في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين وفق تعهداتها السابقة، ورد السلطة في رام الله بالتوقيع على مذكرات الانضمام إلى مجموعة من الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهي الخطوة التي اعتبرتها إسرائيل انتهاكاً لاتفاقات سابقة وردت عليها باستدراج طلبات عروض لبناء وحدات استيطانية جديدة بضواحي القدس، لكن الأطراف المعنية لم تستسلم وما زالت تكافح لإنقاذ السلام وإخراجه من عنق الزجاجة الذي وصله، بمعنى آخر أن السلام ما زال حياً يرزق، وأن مساعي إنقاذه جارية على قدم وساق، وهو ما يقودني إلى الفرضة الثانية التي تتهم كيري بالتعلق بالأوهام والتركيز المفرط على الصراع في الشرق الأوسط، والحال أن كيري أبعد ما يكون عن الأوهام، فلا أحد أكثر منه يعرف أن إسرائيل، ورغم الأخطار التي تواجهها بأن يصبح اليهود أقلية في أرض فلسطين التاريخية ويفقدوا طابعهم الديمقراطي، ورغم احتمالات العزلة، لا تعاني حقيقة من تهديدات كبرى، هذا فضلاً عن أن هذه التحذيرات أعيد تكرارها أكثر من مرة طيلة العشرين سنة الماضية وما زالت إسرائيل موجودة في الضفة الغربية. أما الفلسطينيون، فإن «كيري» مقتنع برغبة أغلبهم في بلوغ حل الدولتين، وثانياً، لأنه يدرك بأن واقع الاحتلال في الضفة الغربية، لن يقود في الظروف الحالية لاندلاع العنف؛ لكن في المقابل هناك عدداً من الفرضيات الصائبة حول السلام في الشرق الأوسط، فمن يقول، إن محمود عباس هو الأكثر اعتدالاً بين الفلسطينيين، غير أنه ضعيف، ولا يستطيع تمرير إكراهات التوافق مع إسرائيل، لا يجافي الصواب، فعباس وإنْ كان يريد التوصل إلى اتفاق تاريخي مع الدولة العبرية، إلا أنه لا يستطيع التصالح مع فكرة الصهيونية وتجاوز أنها تعني الاستعمار، بل تدافع عن رجوع اليهود إلى فلسطين، والأمر نفسه ينطبق أيضاً على نتنياهو الذي وإنْ كان سياسياً قوياً داخل إسرائيل، لكنه حتى اليوم لا يبدو عليه الاقتناع الفعلي بحل الدولتين وما يعنيه هذا من تعبئة الشارع الإسرائيلي لقبوله، بل الأكثر من ذلك لا يبدو نتنياهو مستعداً للتضحية بمستقبله السياسي للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وهو ما يفضي بنا إلى التحرك الحاسم من رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو ما عبر عنه نائب الرئيس، «جو بايدن»، ب«تعليق نفسه على الصليب الأكبر»، ففي حديثه إلى نتنياهو نصحه بايدن بالتوقف عن بذل التضحيات الصغيرة التي تجعله كل مرة عرضة للانتقاد داخل إسرائيل، مثل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، أو انسحابات جزئية وطفيفة من بعض المستوطنات إلى تعريض نفسه دفعة واحدة للانتقادات الكبيرة على أن يرتاح بعدها. وبالطبع ليس هذا الارتياح سوى الإقرار بما يجب فعله، وهو الانسحاب الفعلي من الضفة الغربية، تمهيداً لقيام دولة فلسطينية، وتجسيداً عملياً لحل الدولتين، لذا يبقى السؤال فيما إذا كان نتنياهو مستعداً للقيام بالقفزة الكبرى. هذا الأمل ما زال يحرك كيري، ويفسر انخراطه في عملية السلام وعدم فقدانه الأمل، رغم الصعوبات وتعجيل البعض بتدبيج شهادة وفاتها. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية