1. لا يمكن أن يكون هذا القرار مفاجأة لمن قرأ الانقلاب في مصر في سياق إقليمي ودولي، تعامل مع التحولات بجدية حقيقية، وأراد احتواءها، بل والقضاء عليها، بالقضاء على التيار الإسلامي الذي يشكل عمق المجتمعات العربية، وبالضرورة، بصرف النظر عن إدراك التيار الإسلامي لهذه الحقيقة، فإنه التيار الوحيد المؤهل لمواجهة المنظومة الإقليمية الاستعمارية. ومن الناحية العملية، فإن السعودية بدأت، منذ شهور، باتخاذ إجراءات مبكرة ضد جماعة الإخوان المسلمين كانت ستنتهي بالضرورة إلى هذا القرار، والذي سيتطور إلى إجراءات عملية وجذرية ضد إسلاميين "سعوديين" لن يخنعوا لهذه الإجراءات. 2. بطبيعة الحال؛ سيجد البعض نفسه عاجزًا عن تفسير ما يجري من استهداف خليجي مركّز وشامل لجماعة الإخوان المسلمين، بسبب هشاشة أدواته التحليلية، التي كانت ترتكز إلى تصور وهمي عن تبعية الإخوان المسلمين وحماس لدول الخليج، عاجزًا عن التمييز بين قطر والسعودية، وعن مشاهدة عداء الإمارات والسعودية وملحقتها البحرين للإخوان المسلمين منذ بضعة سنوات على الأقل.. وهذا لا يعني أن علاقة الإخوان بهذه البلدان كانت تتسم بالعداء تاريخيًا، وإنما حديثي عن هذه المرحلة. 3. الإجراءات الخليجية المتتابعة، من سحب السفراء من الدوحة، إلى اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، تكشف عن الضيق الذي بلغته الثورة المضادة في العالم العربي، والأزمة التي يتخبط فيها الانقلاب، وهذا مؤشر جيد. 4. وصول العلاقة مع السعودية إلى هذا المستوى، قد لا يكون أمرًا سيئًا بالضرورة، بل التحرر من رغبات تحسين العلاقات معها، قد تكسر بعض القيود التي كبلت الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وترفع الجماعة إلى مستوى المواجهة والمعركة، فالصراع له طرفان، وينبغي فهم واستيعاب موقف الطرف الآخر، وإعادة صياغة الموقف الذاتي بما يراعي حقيقة موقف الطرف الآخر، وقد حاولت الجماعة مراعاة السعودية كثيرًا، والتودد لها، وإثبات حسن النوايا تجاهها، دون أن يجدي ذلك إلا مزيدًا من العداء والمكر والمؤامرة، وبالتالي فهذا مفيد لمزيد من التحرر من الأوهام. 5. تكشف التصريحات والوثائق المختلفة، كما صرح السيسي في أول لقاء له مع صحيفة "واشنطن بوست"، وكما كشفت أكثر من وثيقة من وثائق ويكليكس عن محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي للإمارات، بأن مشكلتهم الأساسية مع الإخوان وحماس، كما قالوا بالحرف، أن فكر هذه الجماعات عابر للدولة القطرية، فمثلاً، لا يمكن لمحمد بن زايد، كما قال، أن يقبل أن يكون قيادي فلسطين تابعًا لآخر مصري! (يتحدث عن مشعل ومحمد بديع بالاسم). وإذا كان الأمر كذلك، فما جدوى استمرار ذات التنظير الذي يتخذ من الدولة القطرية أفقًا وحيدًا للعمل السياسي والتغيير والإصلاح؟ وما جدوى الاستمرار في محاولة نفي البعد المتجاوز في فكر الحركة الإسلامية طالما أن ملاك الدولة القطرية الذين صنعهم وصنعها المستعمر على عينه لا يمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم بتصديق ذلك؟! 6. لم يبلغ عداء دول الخليج للإخوان المسلمين في هذه المرحلة، عداءهم لأي أحد آخر في ذات المرحلة، وثمة ممارسات ومعلومات كثيرة بهذا الخصوص، وهو الأمر الذي يحتم على الإسلاميين ألا يلتقطوا هذه الإشارة، الدالة على حجمهم، والدور الذي يمكنهم القيام به، والفراغ الذي يمكنهم ملؤه. 7. ما يحصل سيعزز الإمكان لتحالفات جديدة، وإدارة مختلفة للصراع، ومراجعة لطريقة الإخوان في إدارة المعركة من طرفهم منذ الانقلاب إلى اليوم على الأقل. 8. ربما علي القول، إنني لا أعطي قطر أكبر من حجمها، ولا أحملها فوق طاقتها، ولا أراها في موقع المقاتل في سبيل ثورة تغيير عربية، لكن تحليل سياسات قطر له موضع آخر إن شاء الله، بيد أن الاستفادة من الهوامش المتاحة والتناقضات أمر ضروري في إطار الرؤية الكلية. من اللطيف أن نختم بطرفة، قرأتها في مقالة اليوم، آه والله قرأتها بالفعل في مقالة، هذه الطرفة يقول صاحبها، بكل جدية طبعًا، ودون أن يرف له جفن، بأن السعودية والإماراتوالبحرين تكافح من أجل منع مخطط أمريكي يهدف إلى تسليم المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج إلى جماعة الإخوان المسلمين!.. ولله في خلقه شؤون!