أعلن الحزب الشيوعي الصيني عن خطط «إصلاحية» كبرى في نهاية جلسته الموسعة مؤخراً، ومن ضمنها التعهد بأن يُنهي السياسة الكارثية، سياسة طفل واحد لكل أسرة. وقانون طفل واحد لكل أسرة، يؤدي إلى أوضاع كريهة من الإجهاض والتعقيم القسري، بالإضافة إلى تفشي الغش والاحتيال، ذلك أن الأغنياء كانوا ينجبون عدداً كبيراً من الأطفال بقدر ما يرغبون، ولم يعمل أحد على إيقافهم، طالما كانوا على استعداد لدفع غرامة قدرها 50 ألف دولار أميركي، أو يزيد. وهذا الوضع برمته يُعتبر سيئاً بما فيه الكفاية، لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن سياسة طفل واحد لكل أسرة، تحمل في طياتها تهديداً حقيقياً بتدمير تدريجي للاقتصاد الصيني. ومحاولة الحزب الشيوعي تغيير هذه القاعدة تثير إشكالية، لأن الحزب والحكومة المركزية الخاضعة له، ليست لديهما خطط لوضع هذا التغيير موضع التنفيذ، بل يتركان الأمر للحكومات المحلية والمقاطعات، حيث يوجد لدى المسؤولين هناك الكثير ليخسروه نتيجة لذلك، والأرجح أنهم سيبذلون أقصى ما يستطيعون لمنع التغيير. ففي النهاية، من الذي يحصل الغرامات من الأسر التي لديها أكثر مما ينبغي من الأطفال؟ الحكومات المحلية. وتفيد التقديرات التي نشرتها صحيفة الحزب الرئيسية، صحيفة "الشعب"، أنه بشكل جماعي، يدخر أولئك المسؤولون المحليون الجشعون، مليارات الدولارات في السنة من تلك الغرامات. وأخذاً في الاعتبار الفساد المتفشي في الصين، فإنه يمكن على الأرجح معرفة مصير معظم تلك الأموال. ولقد أنهى الرئيس الصيني شي جين بينغ لتوه سنته الأولى كرئيس للصين، وبعد فترة وجيزة من توليه المنصب السنة الماضية، كان قد أعلن عن حملة لمكافحة الفساد. وحتى الآن، قام بمقاضاة عدد قليل من مسؤولي الحكومة المركزية، الذين كانت لصوصيتهم ظاهرة للغاية، إلى حد أن الخيارات المطروحة أمامه كانت محدودة. لكن حملة محاربة الفساد تلك لم تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ولا يبدو مسؤولو الحكومة المحلية في مرمى نظر جين بينغ. ويجدر التذكير بأن هؤلاء هم المسؤولون الذين راكموا 2 إلى 3 مليارات دولار من الديون، من الإنفاق العشوائي والسرقة في السنوات الأخيرة. وكما عبّرت لجنة الكونغرس الأميركية المعنية بالصين في تقرير لها مؤخراً: "يأخذ الفساد أشكالاً عدة في الصين، من وجود مسؤولين فاسدين على كل المستويات يستخدمون مناصبهم الحكومية للكسب الشخصي، ويستولون على الأراضي من خلال عمليات تطوير وهمية، وصولاً إلى الشركات الفاسدة المملوكة للدولة، التي تلوي القوانين وتسيء استخدام النظام لمصلحتها". نعم، تستولي الحكومات المحلية على أراضي السكان الواقعة ضمن إدارتها، ثم تبيع تلك الأراضي للمطورين، وعدد كبير من تلك الحكومات يستخدم العائدات لتسديد ديون المكاتب، فيما يذهب الباقي إلى الجيوب. ولدى توليه المنصب، قال الرئيس جين بينغ إنه سيبدأ في معالجة مشكلة الاستيلاء على الأراضي، لكن مرت سنة، ولم يفعل شيئاً من هذا القبيل. إذا كان المسؤولون المحليون على استعداد، إن لم يكونوا تواقين، لرمي الناس خارج منازلهم وبيع ممتلكاتهم، فإلى أي مدى هناك احتمال لتخليهم عن كل هذه المداخيل المتأتية من تلك الغرامات على الطفل الثاني؟ وماذا بشأن التكاليف غير المرغوب فيها، المتمثلة بالمدارس الجديدة وأجنحة الولادة الإضافية في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية وأطباء الأطفال، ناهيك عن تكاليف أخرى ستترتب على الزيادة السكانية؟ سياسة الطفل الواحد لن تنتهي قريباً في أي وقت من الأوقات، على الرغم من أن الاستمرار في تلك السياسة سيقود الصين إلى متاعب اقتصادية حادة. لنفكر في الموضوع؛ إذا كان معظم المتزوجين لديهم طفل واحد، فإن عدد السكان سوف يتناقص، لأن الأهل ليس لديهم عدد كاف ٍ من الأطفال لإجراء عملية إحلال لهم. وهذا يجعل عدد العمالة متناقصاً، رغم حاجة الاقتصاد الصيني الكبير والمتنامي. وتقدر الأممالمتحدة أصلاً أن القوة العاملة الصينية، ستنكمش بمقدار 67 مليون نسمة خلال الفترة من 2010 إلى 2030. وهنا تكمن المعضلة؛ كيف يمكن لاقتصاد أن ينمو بعدد أقل من الناس لتشغيل خطط التجميع في المصانع وإدارة المكاتب الإدارية؟ وكلفة العمالة في الصين ترتفع أصلاً، لأنه مع وجود عدد أقل من العمال الذين يتنافسون على الوظائف، فإن الشركات والمصانع سيتعين عليها أن تقدم معاشات أعلى. ويقدر نمو كلفة العمالة بنسبة 8.4% في سنة 2013 وحدها. وتجري بالفعل مشاهدة النتائج الآن، ذلك أن عشرات من الشركات الأجنبية التي انتقلت إلى الصين ساعية نحو عمالة متعلمة رخيصة التكلفة، تهرب الآن إلى لاوس وكمبوديا وفيتنام والهند وغيرها من الدول ذات معدلات الأجور الأدنى. وبالنظر إلى كل هذا، قال المتحدث باسم مجلس التخطيط الأسري والصحة الوطنية في الصين، ماو تشي نان، للمراسلين الصحافيين مؤخراً: "بعد بضع سنوات في المستقبل، فإن السياسة الوطنية ستكون طفلين لكل أسرة"، وهذا يشير إلى أن الحزب لا نية لديه، لسبب غير مفهوم، للجم المسؤولين المحليين. وفيما ينتظر الحزب الشيوعي، فإنه من المتوقع، في أقل من عشرين سنة، أن يتراجع عدد القادرين على العمل ممن هم في سن 20-24 عاماً، إلى حوالي النصف، في الوقت الذي سيتضاعف تقريباً عدد المسنين الأكثر تكلفة من أي وقت مضى في الدولة، من 110 ملايين إلى 210 ملايين مسن، ومتوسط العمر في الصين هو أصلاً فوق 36 عاماً بقليل. والصينيون يرغبون بشدة في أن تصبح دولتهم أكثر ثراء، وأن تتفوق على الولاياتالمتحدة لتصبح الاقتصاد الأكبر في العالم. لكن في الواقع فإن سياسة الطفل الواحد، أكثر من أي شيء آخر، تُمهّد لمستقبل اقتصادي يزداد سوءاً بالنسبة للصين، على مدى العقود المقبلة. نوع المقال: الصين