لن يكون بمقدور أى شىء ولا حتى إصابة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بزكام شديد، وقف عملية إطلاق الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين المسجونين فى إسرائيل منذ ما قبل توقيع اتفاقيات أوسلو سنة 1993، الذين من المتوقع أن يخرجوا من السجون فى غضون الساعات ال 48 المقبلة. فقد التزم نتنياهو أمام الأمريكيين بإطلاق جميع هؤلاء الأسرى، وكان ذلك بمثابة شرط لاستعداد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإرسال مندوبين عن السلطة إلى جولة المفاوضات الحالية، والتخلى عن التوجه إلى مؤسسات الأممالمتحدة للاستمرار فى مسار اعتراف المجتمع الدولى بدولة فلسطين، والتخلى أيضاً عن مسار محاكمة إسرائيل أمام المحاكم الدولية المتعددة. بناء على ذلك، فإن الإعلان المخطط له أيضاً عن أعمال بناء جديدة فى مستوطنات المناطق (المحتلة) يعتبر حيلة دعائية رخيصة لا داعى لها، إذ إنها لن تخفّف غضب اليمين الذى يعارض إطلاق أسرى فلسطينيين، فضلاً عن أنها يمكن أن تتسبب بجعل الفلسطينيين يفجرون المفاوضات. إن السؤال المطروح هو: ما الذى سنحصل عليه من خلال إعلان أعمال بناء جديدة فى المستوطنات؟ الأمر الوحيد الأكيد، هو ازدياد حدّة الخلاف مع الأمريكيين. وبذا، فإن نتنياهو سيكون أشبه بالبقرة التى تحلب دلو حليب ثم تقوم برفسه. هذا هو جوهر القصة كلها، وكل ما عدا ذلك مجرّد ضجيج لا غاية له. دعونا نبدأ بموضوع الجاسوس الإسرائيلى المسجون فى الولاياتالمتحدة جوناثان بولارد: لا توجد أى صلة بين إطلاق الأسرى الفلسطينيين والإفراج عنه. سيُفرج عن بولارد فقط حين يأتى وقت ذلك بموجب قرار السلطات القضائية فى الولاياتالمتحدة، لا بحسب هذه الحيلة ولا تلك. وبالنسبة إلى الخطة الأمريكية المتعلقة بالترتيبات الأمنية فى الضفة فى إطار الاتفاق الدائم، فقد رفض الجانبان الإسرائيلى والفلسطينى تفاصيل الاقتراح الذى يقف فى صلبه الاعتماد على وسائل تكنولوجية تتيح لإسرائيل الانسحاب الكامل من يهودا والسامرة (الضفة الغربية). كما أن وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعلون يرفض الخطة. وتشير جهات أمريكية رفيعة إلى أن يعلون يضع العصى فى دواليب التسوية كى لا تُنفذ أصلاً. ومن المهم التذكير هنا أن يعلون انتُخب فى إطار ديمقراطى وهو مندوب الجمهور الإسرائيلى فى المجال الأمنى. وفى كل ما يتعلق بقضايا الأمن، فإن يعلون لديه خبرة لا تقل عما لدى الجنرال الأمريكى جون ألين الذى قدم اقتراحاته إلى الجانبين. يُخيّل إليّ أن التصريح الأكثر إثارة للدهشة الذى تم اقتباسه نهاية الأسبوع الفائت، كان فى إطار المقال الذى نشره زميلى ناحوم برنياع ونسب فيه إلى القائد السابق للمنطقة العسكرية الوسطى اللواء آفى مزراحى قوله إن على إسرائيل أن تبقى مرابطة إلى الأبد على طول منطقة غور الأردن لأن العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى هو آخر ملوك الأسرة الهاشمية. فى السابق حينما نُسب هذا الكلام إلى أريئيل شارون (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق) الذي ادعى أن الأردن هو فلسطين، جرى التنديد به من كل جانب. لكن هذا الكلام يمر الآن بهدوء يثير الريبة. إن استنتاجى من ذلك هو أنه لا أهمية ولا وزن لما يقوله جنرالاتنا اليوم. لذا، فإن الجهد الذى يبذله طاقم وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لإقناع مسئولى جهاز الأمن السابقين بعبقرية اقتراحه الأمنى محكوم عليه بأن يُنسى مع خطط أخرى كُتبت ثم انقرضت وأُلقيت في حاويات القمامة الإلكترونية. ما الذى يوجد عندنا إذن؟ عندنا رئيس حكومة لا يهمه شيء أكثر من استمراره فى الحكم، وهو يعمل وفقاً لمعادلة «كل يوم وأفقه». من ناحية أخرى، لا يوجد فى واقع الأمر أى مفاوضات حقيقية تتعلق بتسوية النزاع، وسيستمر البناء في المناطق (المحتلة). كما أن الأمريكيين سيستمرون فى إصدار مزيد من الاقتراحات، ولن يتغيّر شيء إلا فى حال قرّر الفلسطينيون أن يقلبوا الطاولة. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية