انتشر العنف الجنسي – مع الأسف – على نطاق واسع في كثير من النزاعات المسلحة على مرّ التاريخ، ويُرتكب في أنحاء العالم ضد أفراد المجتمعات المتنازعة من كافة الأجناس والأعراق والخلفيات. تمر هذه الانتهاكات دون الإبلاغ عنها في أغلب الأحيان، ويُستهان بمدى انتشارها وعواقبها. يُستخدم العنف الجنسي كشكل من أشكال الانتقام، أو لخلق أجواء من الخوف، أو كشكل من أشكال التعذيب. ويمكن أيضاً أن يُستخدم بشكل ممنهج، كوسيلة من وسائل الحرب والإبادة، تهدف إلى تفكيك وتدمير النسيج الاجتماعي. وغالباً ما تتضاعف معاناة الضحايا: فإلى جانب ما يعانونه من إصابات وصدمات نفسية خطيرة وطويلة الأمد، فهم يوصمون بالعار ويصبحون منبوذين داخل أسرهم ومجتمعاتهم المحلية. على المستوى الدولي، احتلت هذه القضية دوماً أولى اهتمامات المملكة المتحدة، لاسيما خلال فترة ترؤسها لمجموعة الثماني؛ تمثلت في المبادرات المتعاقبة التي قام بها وزير الخارجية ويليام هيغ، أولها في أبريل الماضي، حين اعتمدت دول مجموعة الثماني الإعلان التاريخي بالقضاء على العنف الجنسي في النزاعات؛ لتُستكمل في يونيو، حيث كانت بريطانيا اللاعب الأساسي في حثّ مجلس الأمن الدولي على اعتماد القرار 2106 بالإجماع، أول قرار له منذ ثلاث سنوات، يقضي باتخاذ إجراءات فعلية لملاحقة جرائم العنف الجنسي. وفي سبتمبر، نجحت الجهود المكثفة التي حشدها وزير الخارجية، على هامش اجتماعات الجمعية للأمم المتحدة، في استقطاب تأييد أكثر من ثلثي أعضاء الأممالمتحدة، حيث قامت 137 دولة بالمصادقة على "إعلان الالتزام بالقضاء على العنف الجنسي في الحروب". تلى ذلك إطلاق الخارجية البريطانية "حملة رقمية" مكثفة ( 25 نوفمبر - 10 ديسمبر) ضد العنف الجنسي في النزاعات، على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لها ولسفاراتها حول العالم، للتذكير بأهمية الملاحقة القانونية لهذه الجرائم. كما صرّح وزير الخارجية بترؤسه لما سمّاه أكبر قمة عالمية (11- 13 يونيو المقبل) يعتزم عقدها إلى جانب أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لبحث موضوع الإفلات من العقاب في الجرائم المتعلقة بالعنف الجنسي خلال النزاعات. وفى موازاة ذلك، قدمت المملكة المتحدة مساهمة إضافية بقيمة 300 ألف جنيه إسترليني إلى الصندوق الائتماني للضحايا ليصبح مجموع مساعداتها المالية المقدمة 1,8 مليون جنيه منذ عام 2011، لمساعدة الناجين من الاغتصاب على مدى العقدين الماضيين على إعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم. وعلى مستوى المنطقة، قد يكون بعض الناس أكثر عرضة للعنف الجنسي من غيرهم. وهذا يشمل النازحين داخلياً والمهاجرين والأرامل والنساء المعيلات والمحتجزين، أو المنتمين إلى مجموعات عرقية معينة. في سوريا، قمنا بتدريب حوالي أربعين من الأطباء والمحامين لجمع الأدلة لإحالتها إلى هيئات التحقيق الدولي، حيث أشارت تقارير حقوقية إلى أن النساء اللاتي تعرضن لعمليات عنف جنسي تجاوزت أعدادهن 7500 حالة، بينهن 400 حالة لفتيات دون سن 18 عاما! وهذا أمر غير مسموح على الإطلاق، ما يشكل لنا دافعاً أكبر للمضي قدماً في حملاتنا الدولية للحدّ من استخدام العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح حرب؛ وعدم التعامل مع الامر كنتيجة حتمية للصراع ولكن كجريمة يمكن إيقافها. في ليبيا، قامت الحكومة البريطانية بتنفيذ دراسة استطلاعية لتعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الأمن والعدالة لحماية حقوق المرأة والحؤول دون تعرّضها للعنف. وفي العراق، دعمت برامج تدريبية للشرطة في هذا الشأن، من خلال صندوق حقوق الإنسان والديمقراطية. وفي اليمن، خصصت صندوقاً لدعم مشروع مكافحة التمييز ضد المرأة في محافظة الحديدة اليمنية، لتمكينها من تحقيق المساواة داخل المؤسسات اليمنية. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، قمنا بتعزيز خدمات الشرطة والعدالة؛ وإنشاء مرصد المجتمع المدني لتقصي الحالات التي تمر عبر نظام العدالة الجنائية. هذا وتلعب وزارة التنمية الدولية البريطانية دورا حيويا، فقد خصصت مبلغ 25 مليون جنيه لصندوق البحوث والابتكار للتصدي للعنف ضد المرأة في حالات الصراع. كل هذا يمثل تقدماً ملحوظاً، فما بدأته ثماني دول بات يشمل مختلف أصقاع العالم. لقد نجحنا في إرساء خارطة طريق لهذا الملف ووضعها على مائدة المباحثات الدولية، وساهمنا في ضخ إرادة جديدة لدى الحكومات حول العالم وخلق زخم لا رجعة فيه، لاتخاذ موقف حازم بشأن هذه المسألة. لكن ما تلك إلا البداية، فالنجاح الحقيقي يتكلل بقدرتنا على تحطيم ثقافة الإفلات من العقاب، وإحداث فرق حقيقي في حياة الناجين لوقف هذه الجرائم من الحد * المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط نوع المقال: عام الشرق الاوسط