صوت ثالث بين طرفي النزاع في مصر، تسمعه يصدح في أرجاء الميدان بهتاف يطالب ب"حق الشهداء" والإفراج عمن يعتبرونهم "معتقلين سياسيين"، وعدم تقييد الحريات، كما لا تخلو تلك الهتافات من مطالب اجتماعية وأخرى اقتصادية. إنها هتافات غير المؤيدين لكل من وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، والرئيس المعزول محمد مرسي، أو الرافضين ل"حكم الإخوان" ول"حكم العسكر"، على حد قولهم، وهم من يطلق عليهم اسم "الميدان الثالث". "الميدان الثالث"، استطاع يوم السبت أن يظهر بوضوح من خلال مسيرة نظمتها جبهة "ثوار" التي تضم منتمين لهذا التيار، تحت شعار "الشارع لنا"، طافت شوارع بوسط القاهرة، للتنديد بمشروع قانون التظاهر الجديد الذي وافق عليه مجلس الوزراء المصري مؤخرًا، في انتظار أن يتم إقراره نهائيًا من قبل الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الذي يملك مؤقتًا سلطة التشريع. وجبهة طريق الثورة المعروفة ب"ثوار" دشنها عدد من الناشطين وباحثين من ذوى اتجاهات وميول سياسية متباينة نهاية الشهر الماضي، بهدف استعادة الثورة والتصدي للثورة المضادة، وتلقى الجبهة تأييدًا من عدة حركات ثورية، منها "الاشتراكيون الثوريون"، و"شباب 6 إبريل"، و"حزب مصر القوية". ولا يعد هذا التيار وليد اليوم، ولكنه ظهر منذ أشهر، حيث أطلق هذا المسمى على عدد من النشطاء المصريين الذين يرفضون عودة جماعة الإخوان المسلمين للحكم، كما يرفضون في الوقت ذاته ما يعتبرونه "حكم العسكر"، والمتمثل في دعوات متزايدة لترشيح شخصيات "محسوبة على المؤسسة العسكرية" لرئاسة البلاد، وفي مقدمتهم وزير الدفاع المصري. ورغم أن أعداد متظاهري الميدان الثالث أمس لا يمكن مقارنتها بأعداد مليونية "تفويض المؤسسة العسكرية لمواجهة الإرهاب المحتمل"، التي دعا إليها في يوليو الماضي، أو مليونيات أنصار مرسي، خلال ال90 يومًا الماضية، إلا أن أنصار الميدان الثالث نجحوا خلال مظاهرات أمس في إيجاد موطأ قدم لهم وسط حالة الاستقطاب الدائرة في البلاد، حيث جاءت المسيرة الاحتجاجية التي دعت لها جبهة "ثوار" ضد قانون التظاهر، حاشدة بخلاف الفعاليات السابقة لأنصار هذا التيار، لتعطي دلالة واضحة إلى وجود المئات من هذا التيار، كما اعتبر المتظاهرون أمس احتجاجهم بمثابة شرارة للنضال طويل الأمد ضد "الثورة المضادة". وقال محمد الباقر، الناشط الحقوقي والسياسي، أحد الأعضاء المؤسسين في جبهة "ثوار"، إن "أعداد المتظاهرين جاءت أكبر من الفعاليات الماضية، لأسباب عدة، منها أن مسيرة أمس الأول فاعلية للجبهة بشكل رسمي، وعليه كان هناك تنسيق مع بقية الكيانات، وكان الحشد تنظيميًا وليس عشوائيًا، فضلاً عن وجود كتلة كبيرة من المنتمين للتيار الثالث كانت تنتظر النزول للشارع منذ أكثر منذ 34 شهرًا (منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011). وعن الفعاليات القادمة للجبهة، وللميدان الثالث، أضاف الباقر: "بالطبع سننظم فعاليات تتفاعل مع ذكرى محمد محمود (وقعت في نوفمبر 2011، وشهدت مواجهات بين الشرطة ومحتجين أسفرت عن مقتل العشرات)، و25 يناير القادم، حيث سنطالب بتطهير الداخلية، كما لدينا ملفات احتجاجية أخرى لها أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية". باقر قال إن "هتافات الأمس لم تكن معركة سياسية أو هتافات خاصة بحركة أو حزب، وإنما كانت موجهة للثورة، حيث نرفض قانونًا يقيد حرية المصريين، (قانون التظاهر)"، مشيراً إلى أن الجبهة "تبدأ بالاحتجاج السلمي وتعتبر كل فعالية تقوم بها بمثابة مسمار في نعش فساد السلطة يفتته". وهتف المتظاهرون أمس: "يسقط يسقط حكم العسكر"، "الحرية لكل سجين.. لسه إخواتنا في الزنازين"، "الداخلية بلطجية (خارجون عن القانون)"، "يسقط يسقط كل جبان، فلول (أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك) عسكر على إخوان (جماعة الإخوان المسلمين)"، و"لا بقانون ولا بدبابات.. إحنا بنرفض السكات". وأوضح باقر أنه في حال إقرار قانون التظاهر، فنحن غير ملتزمين به وسنقوم بالتحريض على كسره ورفضه مجتمعيًا. من جانبه، رأى الخبير السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد عبد ربه أن "تسمية أولئك الثوار بالتيار الثالث غير دقيق، حيث كان من الأولى تسميتهم بالتيار الأول لأنهم أخذوا على عاتقهم الدفاع عن قضايا الثورة، وليس أشخاص أو أحزاب أو جماعات أو مؤسسات". وأضاف عبد ربه: "لا نخون أي من طرفي النزاع في مصر، لكن نجد أن هذا التيار يركز على قضايا مجتمعية في الأساس، متجاوزًا المعركة التي يدور حولها البقية في أن ما حدث (في 30 يونيو الماضي) ثورة أو انقلاب، حيث يركزون على ملفات اجتماعية واقتصادية وأخرى سياسية، فتارة نجدهم في مسيرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وأخرى لرفض قانون التظاهر". وبشأن أهم العوائق التي تواجه هذا التيار، يقول عبد ربه: "يواجه أصحاب هذا التيار عائقين: الأول هو أن كثرة الفعاليات دون تحديد مطالب بعينها في الفترة القادمة سيدفع بهم في اتجاه معاكس، حيث تبدأ حملة شرسة عليهم من قبل أطراف المعادلة وكذلك وسائل الإعلام للتأثير على صورتهم الذهنية لدى رجل الشارع، وبالتالي فالمهم هو تجنب النزول العشوائي، حتى في إحياء ذكرى أحداث مضت يجب أن يكون هناك تأكيد على ضرورة هيكلة وزارة الداخلية وعدم وجود محاكمات عسكرية للمدنيين". أما العائق الثاني، بحسب عبد ربه، يرتكز في القبضة الأمنية التي تنشغل حالياً بمواجهة الإخوان، فيما من المتوقع أن تفعل مرحلة تكسير العظام لهؤلاء الثوار في المرحلة القادمة، وبالتالي عليهم تفويت أي فرصة لقوات الأمن للدخول معهم في مواجهة بهدف موجة اعتقالات جديدة، خاصة مع مطالبتهم بهيكلة الداخلية، وكذلك رفضهم لقوانين عدة من بينها التظاهر. واعترضت عدة قوى سياسية في مصر على مشروع قانون التظاهر الجديد الذي ينتظر أن يتم إقراره نهائيًا من قبل الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الذي يملك مؤقتًا سلطة التشريع. ويتضمن مشروع قانون التظاهر، 21 مادة، بينها حظر الاجتماع العام أو التظاهر في أماكن العبادة، كما حظر على المشاركين في المظاهرات والمسيرات حمل أية أسلحة أو ذخائر، أو مفرقعات أو ألعاب نارية، أو مواد حارقة أو ارتداء الأقنعة أو الأغطية التي تخفي ملامح الوجه. كما يحظر المشروع الاعتصام في أماكن المظاهرة أو تجاوز المواعيد المقررة لها، ويقضي بضرورة الإخطار الأجهزة الأمنية قبل البدء في المظاهرة بأربع وعشرين ساعة على الأقل، على أن يشمل الإخطار تفاصيل دقيقة، منها مكان المظاهرة، موعد بدئها وانتهائها، وبيانًا بموضوعها والغرض منها، والمطالب التي يرفعها المشاركون فيها، وبيانًا بأسماء الأفراد أو الجهة المنظمة للاجتماع العام، ووسيلة التواصل معهم. والقوى السياسية المعترضة على مشروع قانون التظاهر بينها قوى شاركت في اجتماع وزير الدفاع المصري، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، يوم 3 يوليو الماضي، والذي انتهى إلى الإطاحة بمرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتعيين عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد) رئيسًا مؤقتًا إلى حين انتخاب رئيس جديد. وكان حسام عيسى، وزير التعليم العالي، نائب رئيس الوزراء المصري، اعتبر في تصريحات سابقة، أن مشروع قانون التظاهر "لا يقيد الحريات، حيث ستكون المظاهرات بالإخطار فقط، وفى حالة رؤية الوزير (وزير الداخلية) أنها ستؤثر على السلم العام سيمنعها".