فرضت التحولات الجارية في العالم العربي وما يشهده بعض بلدانه من فوران جماهيري وانتفاضات شعبية حضورها على الدورة 57 من مهرجان لندن السينمائي الجارية فعالياتها هذه الايام. فباتت المشاركة العربية أكبر مشاركة في تاريخ دورات المهرجان بحضور سبعة أفلام لمخرجين عرب في فعاليات المهرجان المختلفة وفي مسابقته الرئيسية، فضلا عن فيلم قصير. وإذا كانت ثمة خلافات على إطلاق تسمية "الربيع العربي" على الأحداث الجارية في العالم العربي، التي يراها البعض شتاء ثقيلا أو خريفا لانظمة هرمة ومجتمعات مأزومة، فإن حجم المشاركة العربية تجعل منها بحق "ربيعا عربيا" في مهرجان لندن السينمائي. وقد يتضاعف هذا الحضور بنظر البعض إذا أضفنا إليه مشاركة مخرجين وممثلين من أصول عربية في أفلام قدمت في المهرجان ممثلة لدول أخرى، كما هي الحال مع فيلم المخرج التونسي الأصل عبد اللطيف كشيش الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي الأزرق أدفا الالوان" أو ("حياة أديل" في عنوانه الفرنسي الاصلي)، أو مشاركة الممثل والمخرج رشيد بوشارب في انتاج فيلم "كاميل كلوديل 1915". واقتصر التمثيل العربي في مسابقة المهرجان الرسمية على فيلم واحد هو فيلم المخرج المصري الشاب أحمد عبد الله السيد "فرش وغطا" وتمثيل آسر ياسين وعمرو عابد ويارا جبران. يستعير الفيلم عنوانه "فرش وغطا" من شريط في الإنشاد الصوفي الشعبي، حيث تشكل بعض أغانيه خلفية لانتقال المخرج لتصوير واقع الهامش الاجتماعي المصري، إذ صور كثيرا من مشاهد الفيلم في حي الزبالين ووسط سكان المقابر وعدد من الأحياء الشعبية المهمشة في القاهرة. لقد تجنب السيد التعبير المباشر عن أحداث "ثورة" يناير في 2011 في مصر، على الرغم من أن أحداثه تجري زمنيا فيها، واختار بدلا من ذلك الذهاب إلى أحياء الهامش بحثا عن واقع الفقر والحرمان والتهميش الذي يغذي هذه الثورة. وقد كان ذلك حلا ناجحا أمام أزمة بطله الهارب من السجن، بعد فتح السجون وهروب السجناء الذي ترافق مع تطور مظاهرات الاحتجاج في مصر مطلع عام 2011، والذي ظل يتنقل خائفا على هامش ما يجري في الشارع المصري ليرصد عبر تتبعه واقع الفقر والحرمان والتهميش في هذه الأحياء. وهو الفيلم الثالث في مسيرة المخرج الشاب الابداعية بعد أن جاء إلى الإخراج من المونتاج ، بعد فيلميه "هليوبوليس" 2009 الذي يرصد خمس حكايات مختلفة في هذا الحي القاهري العريق "وميكرفون"2010، الذي عرض في دورة مهرجان لندن السابقة، وكان من الأفلام التي حدست تطور الأوضاع في مصر بتصويره لثقافة الشباب المضادة للثقافة السائدة، مع عدد من الموسيقيين ومغنني الهب هوب وفناني الغرافيتي (الكتابة على الجدران) الشباب في الاسكندرية. وفي الإتجاه ذاته يصب فيلم المخرجة التونسية هند مضب "إلكترو شعبي" ومن انتاج فرنسي مصري (ستوديو مصر/ بطرس كريم غالي وكريم جمال الدين )، إذ يرصد ظاهرة الغناء الشعبي الذي يطلق اسم "المهرجانات"، وهي محاكاة مصرية أقرب إلى غناء الراب وثقافة الهب هوب التي انتشرت عالميا. بدأت المخرجة بتصوير أحداث فيلمها بعد "الثورة" المصرية في يناير 2011 ، عندما كانت تقوم بتصوير مجموعة من اللقاءات لقناة فرنسية عن العلاقة بين الموسيقى والسياسة في عدد من البلدان العربية. حيث التقت بعدد من ممثلي هذا النمط من الغناء (أوكا وأورتيجا وإسلام شيتي) وهم في الغالب مغنيين هامشيين من بيئات وأحياء فقيرة في مصر. وتابعت المخرجة على مدى عامين تطور هذه الظاهرة عبر زيارات متقطعة للقاهرة حتى انتهت من تصوير فيلمها في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. لقد سمحت فترة التصوير الطويلة تلك للمخرج بتتبع هذه الظاهرة ومسارات رموزها منذ انطلاقتها بشكل واسع بعد الثورة المصرية من الأحياء الشعبية المصرية، حتى تحولها إلى ظاهرة فنية تجارية غزت عدد من القنوات التلفزيونية ومسارح المهرجانات الموسيقية. واذ اعتمدت المخرجة على لقاءات مباشرة مع عوائل بعض هؤلاء المغنيين وصورت الواقع الذي يعيشون فيه في احياءهم الفقيرة ورافقتهم في مهرجاناتهم في عدد من الأحياء الشعبية المصرية، إلا أنها ظلت عند حدود الرصد الخارجي دون الغوص عميقا في تحليل أسباب هذه الظاهرة والغضب الذي يعكسه غنائهم. وانجر فيلمها لاحقا لمتابعة خيط سردي هو الخلاف الشخصي بين مغني هذه المجموعات بعد تنافسهم عند شهرتهم ودخولهم عوالم السينما والتلفزيون والتجارة.