للجيش صورة نمطية لدى غالبية المصريين تتمثل في التبجيل والتقدير والمساندة الدائمة بشكل عام وظهرت تلك الصورة بشكل خاص عندما رفض الجيش مساندة المخلوع حسني مبارك وحمل من التوقير الكثير لأنه رفض تحويل مصر إلى ساحة قتال مثل سوريا أو ليبيا، ومع توالي أخطاء المجلس العسكري في الفترة الانتقالية اهتزت تلك الصورة وصولا إلى انتخاب أول رئيس مدني د.محمد مرسي، ويرجع إليه إقالة طنطاوي وعنان وتغيير المجلس العسكري، واختيار السيسي وزيرا للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة. وتقول الباحثة في الشؤون السياسية مروة يوسف إنه مع تصاعد حملة الرفض والكراهية ضد د.محمد مرسي عقب الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 تصاعدت أيضا مناداة الجيش للتدخل في الشأن السياسي، إلا أن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أكد مرارا وتكرار أن الجيش لن يتدخل في الحياة السياسية، ومع مظاهرات 30 يونيو أصدر وزير الدفاع بيان أمهل من خلاله القوى السياسية 48 ساعة حتى يتوافقوا وإلا تدخل هو في المشهد، وهذا ماحدث بالفعل في 3 يوليو حيث قام بعزل د.محمد مرسي عن منصبه وطرح خارطة الطريق. في هذا المشهد ينبغي أخذ أمرين في عين الاعتبار، الأول: أن تصريحات وزير الدفاع قبل 30 يونيو تطرح تساؤل هل لم تكن مطالبات وسائل الإعلام بالتدخل كافية أم أن المشهد كان يتطلب زخما شعبيا أم أن تصريحات السيسي لم تكن نفياً عن كونه سيتدخل وإنما يطالب بمزيد من الزخم والنداءات ليقوم بدور المنقذ عند لحظة فارقة في المشهد السياسي يعجز الآخرون من بعده عن رفض أي دور سياسي للجيش، الثاني: هل لم يكن هناك طريق لحل الأزمة سياسيا دون تدخل الجيش في المشهد ، لماذا كان الملجأ الوحيد أمام بعض القوى السياسية والإعلامية هو تدخل الجيش لتنفيذ رغباتهم السياسية؟. ومن ثم فإن السؤال الأساسي في هذا التقرير هو على أي الأسس تقوم الصورة الإدراكية التي ترسم حاليا للجيش ؟ وللإجابة عن هذا السؤال سيتم رصد الفترة من 15 يوليو وحتى 30 يوليو، على عدة محاور هي : 1- كيفية تجميل وجه الجيش لدى الناس . 2- شيطنة التيار الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. 3- العنف والقمع مقابل التبرير. 4- إعادة رسم دور الجيش وقياداته في الحياة السياسية. والسؤال الكامن وراء هذه المحاور الأربعة هو: إذا لم يكن ما جرى انقلاباً فلماذا الإجابة لكل هذه السلوكيات التجميلية أو التحريضية أو التهديدية؟ أولا: كيفية تجميل وجه الجيش لدى الناس وتعظيم صورة السيسي، فهناك عدد من الفاعلين في تجميل وجه الجيش لدى الناس ومن هؤلاء على سبيل المثال : الإعلام والثقافة ، والجيش نفسه. 1- الجيش نفسه ظل الجيش يحاول الظهور بمظهر المنقذ للشعب المصري من براثن الإخوان وأنه انتظر طويلا حتى يأخذ هذا القرار الصعب. المشهد الأول في 30 يونيو نلاحظ أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي استغل طائرات الجيش في تصوير الأعداد المشاكرة في المظاهرات الرافضه للدكتور محمد مرسي. المشهد الثاني: قيام تلك الطائرات بإلقاء أعلام مصر على المتظاهرين بالإضافة إلى رسم قلوب وأعلام في أجواء احتفالية مما يعطي انطباعا جيدا عن الجيش أمام المتظاهرين، بالإضافة إلى مشهد آخر شهد تركيزا إعلاميا واسع النطاق وهو قيام وحدات من الجيش بتوزيع شنط رمضان على بعض محافظات مصر حيث قام بتوزيع 243 الف شنطة على سبع محافظات، حيث شهدت عدة محافظات هتاف المستفيدين من تلك الشنط تأييدا للفريق السيسي والجيش بصفة عامة. وأعلن فرع الشئون المعنوية بالجيش الثالث الذي تولى عملية التوزيع في السويس أن هذا يأتي من منطلق دور الجيش في مساعدة محدودي الدخل وترابطه مع المواطنين، وأشار إلى أن المواد في تلك الشنط من صنع الجيش وتتميز بالجودة العالية، وكأن دولة الجيش الشقيقة تساند فقراء مصر"، وفي حقيقة الأمر فإن تلك المنتجات معفاة من الضرائب، مصنوعة في مصانع معفاة من الجمارك، وبعمالة مجانية من جنود الجيش، ومن المفترض أنها أموال عامة ملك للشعب. المشهد الثالث تلك الأجواء الاحتفالية في ميدان التحرير بمناسبة العاشر من رمضان حيث أصبح ميدان التحرير تعبيرا عن الاحتفالات منذ 30 يونيو حيث قامت طائرات هيلوكوبتر تابعة للجيش بإلقاء كوبونات هدايا كتب عليها "إهداء من القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الأربعين للعاشر من رمضان" وقام المواطنون باستلام هداياهم من منتجات مصانع التصنيع الحربي من أكواب وأطباق ومنسوجات. المشهد الرابع مشهد ملتبس ويدخل ضمن جميع المحاور وهو المشهد الخاص بطلب الفريق أول السيسي بنزول الناس لتفويضه حسب قوله لمكافحة الإرهاب، مما أدى إلى مظاهرات داعمة للجيش والفريق السيسي بشكل خاص. والسؤال المطروح هنا كيف يكون ذلك المشهد جزء من تجميل الصورة الإدراكية عن الجيش؟ وذلك بسبب أن الجيش هو من استطاع تحريك الناس للنزول بعد مشهد 3 يوليو وذلك تأكيدا أمام القوى المدنية التي لم تستطع فعل ذلك أن الجيش السلطة الأولى على الجماهير، وأن من نزل لتفويض الجيش نزل من منطق أنه يجب مساندة الجيش كما ساند المصريين يوم 3 يوليو. 2- الإعلام والثقافة : - المشهد الأول قيام وزارة الثقافة بفعاليات وأنشطة ثقافية في ميدان التحرير مثل عمل جداريات وتوفير عربة متنقة لبيع إصدرارات دار الكتب بخصم يصل إلى 50% بالإضافة إلى أنشطة ثقافية وفنية وذلك في محاولة لتجميل ميدان التحرير بعد تدخل الجيش ليكون ميدان احتفالي للانقلاب. - المشهد الثاني قيام عدد من المطربين بعمل أوبريت للجيش عن جرأته وإقدامه بعنوان "تسلم الأيادي"، وهي الأغنية الأكثر إذاعة على القنوات المصرية القومية والخاصة منذ إخراجها. - المشهد الثالث رفع قنوات الإعلام القومي والخاص شعار "لا للإرهاب" وذلك تأكيدا على مواجهة الجيش في مواجهة العدو. - المشهد الرابع ذكرى ثورة 23 يوليو حيث فتح ضريح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورفع على بوابته صورة للفريق السيسي بجوار صورة عبد الناصر وكتب عليها "أؤمن إيمانا قاطعا أنه سيخرج من صفوف هذا الشعب أبطال مجهولون يشعرون بالحرية ويقدسون العزة ويؤمنون بالكرامة، وفي نفس السياق انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لطفل صغير يسلم على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكتب عليها صورة للفريق السيسي في صغره، وفي نفس الذكرى أعلن محمود بدر مؤسس حركة تمرد أن خروج الشعب يوم 30 يونيو أشبه بجنازة عبد الناصر، وأشار إلى انتماء الشعب المصري إلى عبد الناصر. المشهد الخامس بيان عبد الفتاح السيسي والذي طالب فيه بنزول الشعب يوم الجمعة 26 يوليو لمنحه تفويض وأمر حسب قوله لمكافحة الإرهاب والذي شهد تصعيدا من الناحية الإعلامية وحشدا للناس للنزول ومن ضمن ذلك: في برنامج "صباح أون" الذي يذاع على قناة أون تي في قال المستشار أمير رمزي، رئيس إحدى الدوائر بمحكمة الجنايات، إن الفريق السيسي رجل عظيم وتكلم مع الشعب بشفافية، خلال كلمته بحفل تخرج الدفعات الجديدة للكلية البحرية والدفاع الجوي". في برنامج الحياة الآن على قناة الحياة طالب عبد المغازي المتحدث الإعلامي لحزب الوفد الناس بالنزول يوم الجمعة 26 يوليو قائلا: إن طلب الفريق السيسي هو سابقة على مستوى العالم وهذا يشير إلى حدث جلل ويجب على الناس النزول لتلبية هذا الطلب. - المشهد السادس الجمعة 26 يوليو والذي شهد مظاهرات في أنحاء متفرقة من مصر تلبية لطلب السيسي بمنحه تفويض: كان من ضمن الآراء الإعلامية عن النزول في 26 يوليو أنه نزول لإسقاط أوباما لأن بقائه في السلطة أصبح مرهون بالدكتور محمد مرسي. - المشهد السابع نزول رئيس الوزراء لتفويض وزير الدفاع، ونزول وزير الثقافة على رأس تظاهرة مع العديد من الفنانين ومنهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، والمخرج جلال الشرقاوي والكاتبة سلوى بكر والفنان التشكيلي أحمد شيحة، والفنانة مادلين طبر وأحمد السقا والدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا والشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون. - المشهد الثامن مشاركة بعض نوادي القضاة في تظاهرات الجمعة 26 يوليو مؤكدين على مساندة الفريق السيسي. - المشهد التاسع صيام الأقباط يوم الجمعة 26 يوليو مع المسلمين ودقت أجراس الكنائس مع آذان المغرب، في إشارة إلى أن السيسي هو مؤلف القلوب بين المسيحيين والمسلمين داخل مصر وأنه رمز الوحدة الوطنية. - المشهد العاشر انتشار صور السيسي في مظاهرات 26 يوليو كتب عليها أنه "رمز الوطنية المصرية"، "الشعب كله معك يا قلب الأسد"، "خليفة عبد الناصر" وكانت تلك البوسترات قد طبعت بعشرات الآلاف وتم توزيعها بطريقة منظمة. - المشهد الحادي عشر وعقب مظاهرات 26 يوليو أعلن الكاتب محمد رجب عن تدشين حملة ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية ودعا الكاتب القوى السياسية والأحزاب والشباب للانضمام إلى الحملة. ثانيا: شيطنة التيار الإسلامي وخاصة الإخوان المسلمين (العدو المتمثل في الإرهاب) قد نستطيع تحديد توقيت بداية الاستقطاب الديني العلماني داخل المجتمع وذلك مع استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية، وقد أثر ذلك الاستقطاب على صورة التيار الإسلامي بشكل عام، وعبر الفترة الانتقالية تحت إدارة المجلس العسكري بدأت حملة استعداء جماعة الإخوان المسلمين نتيجة لما وصف بأنه صفقات مع المجلس العسكري، وبدأت حملة الكراهية وتشويه التيار الإسلامي مع الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وتصاعدت بشكل كبير منذ الإعلان الدستوري للدكتور مرسي في نوفمبر 2012 حتى وصلت إلى شيطنة التيار الإسلامي قبيل شهر يونيو 2013، أي خلال الشهرين اللذين شهدا الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. ويعد الفاعل الأساسي لعنصر الشيطنة داخل المجتمع هو أجهزة الإعلام ويتصدرها عدد من الفاعلين الأساسيين والذين يصنعون الخبر ويناقلونه ويتباكون عليه، يساندهم في ذلك روؤس أموال ضخمة غير محدودة التمويل، وتتمتع بالرضا والدعم من قادة الانقلاب.