أعلنت سلطات الانقلاب منذ اللحظة الأولى رعایتها لعملیة المصالحة الوطنیة؛ حیث تضمن بیان القائد الأعلى للقوات المسلحة في 3 یولیو فیما أسماه "خارطة المستقبل" تشكیل لجنة علیا للمصالحة الوطنیة، ثم جاء إنشاء وزارة للعدالة الانتقالیة ضمن الحكومة المشكلة فیما بعد ذلك. وقالت الدراسة التي أعدتها سمية عبد المحسن، ظل مفهوم المصالحة، ناهیك عن عملیة تحقیقها، یشوبها الغموض والارتباك وعدم الوضوح، كنتیجة طبیعیة لصدمة "الانقلاب" وما ألحقه من أضرار بالحیاة السیاسیة والمجتمعیة وفشل التعامل معها على النحو الذي أدى إلى ما شاهدناه من استقطاب قبل 2013/6/30، ثم ما شاهدناه من استبداد وإقصاء بعد 2013/7/3. وأشارت الدراسة إلى أن المسئولين أوضحوا بعض ملامح عملیة المصالحة في تصریحات متفرقة؛ حیث ذكر نائب رئیس الجمهوریة المعین للعلاقات الدولیة محمد البرادعي قبل استقالته – كما ورد في بیان عن رئاسة الجمهوریة عن اتصالات ببعض الجهات الدولية أن المصالحة الوطنیة سوف " تُبنى على أساس معالجة قضایا وهموم جمیع المصریین بدون استثناء وتأهیل مختلف مؤسسات الدولة للتعامل مع متطلبات احترام حقوق الإنسان سعیا لإرساء دعائم الدولة الدیمقراطیة العصریة"، وأنها "لن تُقصيأیا من القوى المجتمعیة على الساحة"، وأنها "ستشمل الأطراف الملتزمة باحترام القانون وعدم تهدید أمن البلاد أو ترویع المواطنین. ولقد تنافست الأطراف الرسمیة الانقلابیة في استهلاك مفهوم المصالحة الوطنیة، فعلى سبیل المثال قدم د.مصطفى حجازي المفهوم على النحو التالي: تحیید البعد السیاسي في عملیة المصالحة؛ حیث أكد على أنها لیست مصالحة سیاسیة و لكنها "مصالحة مجتمعیة دائمة بین جمیع فئات المجتمع"، وأنها "لیست حوارا بین فصائل سیاسیة"، و لیس الهدف منها "حل أزمة بین تیارات سیاسیة" وأن "المصالحة الوطنیة أشمل وأهم من المصالحة السیاسیة، (تهدف إلى) علاج اختلال القیم المجتمعیة وهو أمر أشمل وأكثر استدامة". ولكن على الرغم من ذلك ذكر حجازي أن "المسار السیاسي جزء من فكرة التعایش والمصالحة المجتمعیة"، وهنا ربط حجازي ربط مفهوم المصالحة بالقصاص والمحاسبة والعدالة الانتقالیة، بالتأكید على أن "أي خروج على القانون لا یوجد معه مجال للمصالحة ولكن حدیث القانون والقصاص أولاً"، وأن "المصالحة تبدأ بالحقیقة ثم الحساب والقصاص ثم المصالحة المجتمعیة الشاملة التي لا تبقي على مشكلات أو احتقان مجتمعي أو طائفي"، و أن ذلك "هو الطریق الطبیعي للانتقال بالمجتمع من الاستبداد والحكم الشمولي وحكم الفرد إلى الدیمقراطیة". وقد شملت عملیة المصالحة ثلاثة أطراف أساسیة: طرف رسمي، والذي تمثل في "مؤسسة الرئاسة"، التي قامت على رعایة عملیة المصالحة، و لعب نائب الرئیس المؤقت المعی َّن للعلاقات الدولیة دورا بارزًا فیها ومستشارو الرئیس بالإضافة إلى وزیر العدالة الانتقالیة، وذلك رغم تأكید مستشار الرئیس المؤقت المعی َّن على أن "الحوار مجتمعي لا یخص مؤسسة بعینها ولا رئاسة الجمهوریة التي هي راعیة فقط لها، ولیست طرفا فیها"، وطرف مجتمعي، ضم مؤسستي الأزهر والكنیسة وممثلین عن القبائل العربیةوعددً ا من الشخصیات العامة، أما الطرف الثالث فهو طرف سیاسي مثله عدد من الأحزاب السیاسیة (المدنیة كما تصف نفسها) مثل حزب الوفد، و حزب الإصلاح والتنمیة، و الحزب المصر ي الدیمقراطي الاجتماعي، و حز ب المصریین الأحرار، و حزب الكرامة، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، بالإضافة إلى حركة تمرد و عدد من نواب التیار المدني بمجلس الشورى المنحل، بینما غاب التیار الإسلامي عن اللقاء الأول للمصالحة، الذي عقد في 24 یولیو، فلم یحضر ممثلون عن أي من جماعة الإخوان المسلمین وحزب الحریة والعدالة، وحزب النور، والجبهة السفلیة، وحزب مصر القویة؛ حیث ذكرت مؤسسة الرئاسة أنها قد وجهت الدعوة لحضور اللقاء إلى كل من د.محمد علي بشر ود.یاسر علي ود.عمرو دراج من الإخوان المسلمین، ود.عبد المنعم أبو الفتوح رئیس حزب مصر القویة، ود.یونس مخیون رئیس حزب النور، وكل من د.ناجح إبراهیم ونادر بكار ود.یاسر برهامي من الجبهة السلفیة ، إلا أن الدعوة لاقت رفضًا من جماعة الإخوان المسلمین وحزب الحریة والعدالة. وقد أعلن عدد من الأحزاب والقوى السیاسیة الإسلامیة رفضهم الدعوة للمصالحة في ظل نظام غیر شرعي، أو سیاسات لا تحترم الحریات على قدم المساواة؛ حیث ذكر المتحدث باسم حزب الحریة والعدالة أن الحزب رفض المشاركة في أیة حوارات حول المصالحة الوطنیة طالما تترأسها سلطة "غیر شرعیة"، ورفض حزب مصر القویة أیضا الدعوة إلى المشاركة في الحوار قائلا "إن الدعوة تجاهلت أحزابا وقوى سیاسیة مهمة"، ووضع حزب النور عدة شروط للمشاركة في جلسات المصالحة الوطنیة، من بینها:تفعیل میثاق شرف إعلامي، وإعادة فتح القنوات الدینیة التي تم إغلاقها في أعقاب الانقلاب، وحمایة الدستور الحالي من التعدیل. إلا أنه على الرغم من ذلك، أكد بعض تلك القوى الإسلامیة أنه لم تُتَخَ ذ خطوات من قِبل سلطات النظام نحو إرساء قواعد مصالحة حقیقیة بین كافة التیارات والقوى السیاسیة، سواء بتوجیه الدعوة للقاء المصالحة أو للمشاركة في الحكومة "الانتقالیة"؛ حیث ذكر المتحدث الإعلامي باسم حزب الحریة والعدالة أنه "لم یتم توجیه دعوة حقیقة للمصالحة وكلها مجرد دعوات إعلامیة"، و قال الدكتور یسري حماد، نائب رئیس حزب الوطن، إنه "لم یتم توجیه الدعوة لهم ولا لكل من یختلف مع سیاسات الفریق عبد الفتاح السیسي، ولكنه تم توجیه الدعوة إلى فصیل معین" وقال د.محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين إن رئیس الوزراء المصري المكلف حازم الببلاوي لم یعرض على الحزب أي حقیبة وزاریة في الحكومة الانتقالیة. وتمثلت أهم مخرجات اللقاء الأول للمصالحة، وفق البیان الذي أصدرته رئاسة الجمهوریة عن وزیر العدالة الانتقالیة المستشار أمین مهدي العباسي في المضي قدما في تطویر مفهوم وطني للعدالة الانتقالیة وفي اتخاذ قرارات وإرساء آلیات فعالة لتحقیقها، وصولاً إلي المصالحة الوطنیة الشاملة والتأكید على مبدأ سیادة القانون وعدم الإفلات من العقاب، وحفظ أمن الوطن والمواطنین من "الممارسات الإرهابیة والتخریبیة" ودعوة الدولة إلى اتخاذ الإجر اءات اللازمة لمواجهة "العنف" والقضاء على "الإرهاب" باعتبار أن ذلك یمثل الخطوة الأولى نحو تهیئة المناخ اللازم لتحقیق العدالة الانتقالیة. وذكرت الباحثة أن هناك عدة ملاحظات على التوجه الرسمي نحو عملیة المصالحة منها عدم تحدید المفاهیم واستخدامها بشكل فضفاض وانتقائي، وعلى رأسها مفهوم "المصالحة"؛ حیث لم یحدد المقصود بشكل واضح بمفهوم المصالحة وأركانها ومستویاتها، وإنما استخدمت عبارات عامة فضفاضة تتسع لتفسیرها وتحمیلها معاني حمالة أوجه وتدخل في المفهوم أو تستبعد منه ما تشاء ومن تشاء السلطة الانقلابیة، وبالمثل استُخدِمت مفاهیم أخرى مثل "الإرهاب" و"العنف" دون بیان المقصود بها، بالإضافة إلى عدم تحدید إجراءات واضحة، أو حتى رؤیة كلیة وخطة لاستكمال عملیة المصالحة،وإنما تم الاكتفاء بوضع شروط مسبقة للبدء في عملیة المصالحة وللمشاركة فیها، هي في حقیقة الأمر شروط مانعة إقصائیة لطرف دون آخر، فضلا عن عدم وضع أو تحدید الإطار القانوني لتحقیق العدالة الانتقالیة والمحاسبة كأساس لعملیة المصالحة (كما أكد مرارا على ذلك المسئولون الانقلابیون)، ومن ثم تتم الممارسات القمعیة على الأرض (من قتل جماعي واعتقالات عشوائیة وتلفیق تهم) ثم یجري إعداد (أو بعبارة أدق "تفصیل") أطر قانونیة لشرعنة تلك الممارسات. وملخص ما سبق أن الانقلابيين يرفضون المصالحة تماما مع الإخوان وما قيل كان لمجرد "شو إعلامي" فهم يرفضون المصالحة تماما مع الإخوان (المصالحة الإقصائیة)، بل یرفضون وجود الجماعة ذاتها بل إن هناك من یدعو إلى التخلص تماما منها، ویصل إلى أقصاه بالدعوة إلى الرفض المباشر لأي وجود للدین في مجال السیاسیة وبالتالي رفض وجود أحزاب ذات مرجعیة دینیة. وممن یمثل هذا الرافد النائب السابق بمجلس الشعب محمد أبو حامد؛ الذي استنكر دعوة رئیس الجمهوریة المعین للمصالحة وقال إن "الكلام عن المصالحة في ظل جرائم الإخوان المستمرة ضد الشعب وسقوط عشرات القتلى والمصابین یومیا یعطي غطاء سیاسیا لهذه الجرائم، ودعا الجیش إلى "أن یجفف منابع تمویل الإخوان لأنهم بدأوا یشترون بعض النشطاء"، كما اعتبر أن "تفعیل القانون بحسم ضد جرائم الإخوان الإرهابیة ومعاقبة المحرضین من قیادات مكتب الإرشاد هو البدایة الحقیقیة للمصالحة"، وأضاف أن "المصالحة یلزمها مقدمات كثیرة من أهمها مراجعة فكریة شاملة لتصحیح المفاهیم الدینیة و السیاسیة لجماعات الإسلام السیاسي." كما دعا (الناشط السیاسي) حازم عبد العظیم إلى "حملة كبیرة یشارك فیها السیاسیین والنخبة وشباب تمرد وشباب الأحزاب من الآن لعدم قیام أي أحزاب على أساس ولا مرجعیة دینیة"، وأنه "یجب أن یكون على قمة أهداف (ثورة 30 یونیو) فصل الدین عن السیاسة، لو لم نقطع دابر هذا الثعبان الآن سنندم بشدة"، ورتب على ذلك موقفه برفض المصالحة الوطنیة مع الإسلامیین عامة وجماعة الإخوان المسلمین خاصة، قائلا "أرجو من السیسي ألا ینزلق إلى أي فخ لرعایة أي مصالحة وطنیة مع العصابة بدعوى الحیاد".