الجمعة المقبل، تمر علينا الذكرى الثانية لثورة 25 يناير المجيدة، ما بين مؤيد ومعارض لما تم إنجازه وما أخفقت الثورة في تحقيقه خلال العامين الماضين، ورغم الاختلافات الشديدة بين المؤيدين والمعارضين لما تم خلال هذه الفترة، إلا أن كلا الطرفين يسلك نفس المنهج وهو الكلام الكثير والأفعال القليلة، ما نستطيع وصفه حقاً بالمقولة المأثورة "نسمع ضجيجاً ولا نرى طحيناً". ويمكن رصد واقعية هذه المقولة وارتباطها بنتائج الثورة حتى الآن، من خلال متابعة مسار الثورة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد شهدت الفترة الماضية من عمر الثورة الكثير من الزخم الإعلامي في الأوساط المصرية المختلفة، لكن دون جدوى على أرض الواقع: ضد الديمقراطية على المستوى السياسي، دخلت الثورة في معركة وهمية تحت اسم "الدستور أولاً"، بمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، وشغل هذا الاستفتاء الشارع المصري لشهور عدة، وكان بداية الاستقطاب بين الإسلاميين والليبراليين، وجاءت النتيجة بتمرير الاستفتاء وإقرار أن تسبق الانتخابات البرلمانية وضع الدستور الجديد. ثم دخلت الثورة في مرحلة الانتخابات البرلمانية التي امتدت من نوفمبر 2011 حتى يناير 2012، أُنفق عليها أكثر من ملياري جنيه من "لحم الحي"، وكانت النتيجة الحكم ببطلان مجلس الشعب لعدم دستورية القانون الذي تمت أساسه هذه الانتخابات. ثم جاءت الموقعة الكبرى انتخابات الرئاسة، والتي كانت نقطة فاصلة من زيادة الاحتقان ومزيد من الاستقطاب، لاسيما بعد فوز الدكتور محمد مرسي بالمنصب، حيث أصبح من الواضح أن التيار الإسلامي يمتلك الأغلبية بين الناخبين المصريين - اتفقنا أو اختلفنا - لكنها تبقى الحقيقة، وهذا ما زاد من احتقان الأوضاع في الشارع السياسي المصري، فبدلاً من التوحد خلف الخط الثوري والعمل على بناء دولة مدينة ديمقراطية، وقع انشقاق كبير بين التيار الإسلامي والتيار الليبرالي. فقد واجه الرئيس "الإخواني" العديد من المعوقات من جانب التيار المعارض له، وهي معارضة يمكن وصفها بأنها "معارضة غير راشدة"، حيث كان همها الأول إسقاط الدولة في حال اضطرت ظروف معارضتهم للنظام، بذلك جاءت نتيجة الانتخابات الديمقراطية في أرض الواقع، غياب الاستقرار، وليست أحداث قصر الاتحادية ببعيدة عنا كذلك المخاوف من تصاعد أعمال العنف والغضب يوم 25 يناير 2013. وإن كان الرئيس محمد مرسي نجح في العديد من الملفات السياسية الشائكة أهمها، أنه كتب بخط يده نهاية الحكم العسكري لمصر الممتد منذ ثورة يوليو 1952. العدالة الغائبة لعل ملف محاكمة رموز النظام البائد على جرائمه المتعددة، كان خير مثال على الكلام الكثير بلا نتيجة، فمحاكمة الرئيس المخلوع ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه في قضية قتل المتظاهرين شغلت الرأي العام المصري والعالمي لأشهر عدة وحظيت بمتابعة إعلامية فاقت أي حدث عالمي، كما كلفت هذه المحاكمات ميزانية الدولة المصرية المليارات، وكانت النتيجة براءة معاوني العادلي ثم إعادة محاكمة مبارك والعادلي من جديد، ما يعني الوصول لنفس النتيجة "نسمع ضجيجاً ولا أرى طحيناً". كما لم تتم إدانة أي من رموز النظام البائد، ومن تم الحكم عليه، إما هارب خارج البلاد أو تم قبول الطعن وحصوله على البراءة، وكأن المتظاهرين قُتلوا بيد مجهولين، وكأن الثورة أخطأت حين قامت للقضاء على الفساد، حيث حصل كل المفسدين على براءة أو على الأقل لم تتم إدانة أحد منهم. الجانب الاجتماعي على صعيد المجتمع المدني، شهدت المرحلة الماضية من عمر الثورة العديد من المبادرات التي كثر الحديث عنها لكن النتيجة أيضاً كانت صفر أكبر من صفر المونديال، فما بين مبادرة الشيخ محمد حسان الخاصة بجمع التبرعات من المصريين في محاولة للاستغناء عن المعونة الأمريكية، لكن حتى الآن لم نحصد أثر هذه المبادرة. كذلك طرح الداعية الإسلامي عمرو خالد مبادرة ''العلم قوة'' بهدف ضم 50 ألف أمي جديد وافتتاح 2500 فصل محو أمية تستهدف محو أمية 120 ألف أمي في العام الجاري، بمشاركة وزارة التربية والتعليم ومؤسسة صناع الحياة وشركة فودافون مصر، لكننا أيضاً لم نسمع نتيجة لهذه المبادرة. انهيار الاقتصاد أما على المستوى الاقتصادي، فكان هذا الملف هو الأصعب؛ حيث يلمس مصالح الشعب بشكل مباشر، وكان خير مثال على الكلام الكثير والقليل من النتائج على أرض الواقع، حيث شهد الاقتصاد المصري عقب ثورة 25 يناير تراجع في الانتاج وزيادة عجز الموازنة وخسائر متلاحقة للبورصة وأزمات السلع الأساسية والمدعومة، رغم أن خبراء اقتصاديون يرون أن أداء الاقتصاد بعد الثورة جاء أفضل من المتوقع. فقد شهدت الفترة الماضية من عمر الثورة الحديث الكثير عن المبادرات الاقتصادية والاستثمارات المحلية والأجنبية ومشروعات عملاقة، لكن النتيجة جاءت أن الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، حيث ارتفعت الأسعار وفشلت الثورة حتى الآن في وضع حد أقصى للأجور، كذلك تطبيق حكم المحكمة بتحديد الحد الأدنى ب 1200 جنيه، كما تدنى سعر الجنيه في سوق العملات الأجنبية حتى وصل سعر الدولار إلى أكثر من 7 جنيهات، انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، هروب العديد من الاستثمارات، انخفاض التبادل التجاري، ارتفاع التضخم. غياب الأمن وفي الملف الأمني، كان النتيجة لا تحتاج إلى رصد، فأيام الثورة الأول (18 يوم)، لم يشعر أي مواطن بالخلل الأمني بعد انسحاب رجالة العادلي من الشارع، وسلموا الملف الأمني إلى الأهالي الذين شكلوا اللجان الشعبية ورغم هروب آلاف البلطجية من السجون إلا أن المواطن كان يشعر بالأمن والطمأنينة على حياته وحياة أهله، لكن بعد تنحي المخلوع وأصبح الحديث عن نجاح الثورة ودخول الثورة مرحلة انتقالية لم تنته حتى يومنا هذا، فشل كل وزراء الداخلية التابعين في توفير الأمن للمواطن. فلول الرياضة وعلى المستوى الرياضي، كثر الحديث عن تطوير الرياضة والتخلص من فلول وأذناب النظام البائد من موقع المسؤولية في الأنشطة الرياضية المختلفة، كانت النتيجة أيضاً كلام حديث ليس بلا جدوى فحسب، بل كوارث وخيمة أبرزها مذبحة بورسعيد، التي راح ضحيتها أكثر من 74 شهيداً، وبقاء الصف الثاني من رموز الفساد في الرياضة محل رموز الصف الأول، في الوزارة الرياضة وأجهزتها المختلفة، كذلك في اتحاد الكرة. وإن كان هذا هو واقع الداخل المصري بعد مرور عامين على الثورة، فالأمر لم يختلف كثيرا على مستوى علاقات مصر الخارجية، حيث تدهورت علاقاتنا الخارجية مع بعض الدول لعل أهمها أزمة العلاقات المصرية - الإماراتية، وأصبحت علاقات القاهرة - تل أبيب على صفيح ساخن. وذلك رغم الحديث الكثير عن قوة مصر الإقليمية، فلم تعمل القوى الغربية حساب لمصر حين قررت التدخل في ليبيا وأخيراً التدخل الفرنسي في مالي.