على الرغم من تعالى صيحات السادة وكلاء النيابة الواقفين أمام مكتب المستشار طلعت ابراهيم النائب العام يوم الاثنين 17/12/2012 ، وعلى الرغم من غرابة ألفاظهم وفظاعة هتافاتهم وبروز مسدساتهم، ومن خلفهم بلطجى موقعة الجمل وعصابته، إلا أن النائب كان هادئاً مطمئناً، حيث سبق وأن نبه على رجال الأمن باتخاذ اللازم قانوناً نحو ضبط أي حالة تلبس بالاعتداء عليه، على نحو ما تصوره كاميرات المراقبة الموضوعة أمام باب مكتبه. هنا تنبه المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد لمدة ثمانى سنوات متصلة وأقيل بالأمس من منصبه، حيث كان جالساً داخل غرفة النائب، فغادرها مسرعاً وأشاح بيده للواقفين منبهاً إياهم لموضوع الكاميرات ، فابتعدوا بسرعة عنها، وبعد تفكير، عاد مرة أخرى لغرفة النائب واقترب منه، وعرض عليه اقتراحاً بالانتقال الى غرفة اخرى بعيدة عن الضوضاء! ومن الممكن مقابلة عدد قليل من الواقفين وسماع وجهة نظرهم وحل المشكلة فى هدوء!! فاستجاب النائب، بحسن نية، لاقتراح المستشار عادل السعيد، وذهب معه إلى غرفة أخرى، هى غرفة تفتيش النيابات، وبمجرد دخوله بدأت فصول المأساة.. فوجىء النائب بدخول اول مجموعة من وكلاء النيابة عليه الغرفة ، ثم وراءهم مجموعة، ثم الباقين، الى ان امتلأت الغرفة وعلت الالفاظ والاتهامات والتهديدات التى لا تخطر على بال، وشكل وكلاء النيابة سداً بشرياً منيعاً من الوصول من والى النائب العام أو الغرفة المحتجز فيها، ومن خلفهم بلطجى موقعة الجمل وعصابته، يحمون ظهور وكلاء النيابة. هنا اتصل وزير الداخلية بالنائب، وعرض عليه التدخل بقوات خاصة لحمايته واخراجه من الاحتجاز، لكن النائب رفض، حقناً لأي قطرة دماء ربما تهدر، خصوصاً أن بلطجية موقعة الجمل كانوا مهيئين لضرب أي شخص ولو من وكلاء النيابة (نيران صديقة) ليتعاطف معه باقى قضاة مصر، ويمتنعوا عن الإشراف على الاستفتاء فى مرحلته الثانية، ويتحقق المراد، ويشتعل الموقف، وهو ما كان النائب يتجنبه ويتحاشاه طول الوقت، رغبة منه فى تفويت الفرصة عليهم، وإنجاز الاستفتاء مهما تحمل شخصه من اعتداءات. وحين أراد النائب العام دخول دورة المياة التى يقع بابها امام باب الغرفة المحتجز فيها، سمح له وكلاء النيابة بعد مفاوضات طويلة، توسط فيها المستشار عادل السعيد! فسمحوا له بالمرور ذهاباً وعودة عبر سلسلة بشرية على جانبى الطريق المؤدى لدورة المياة ، تتساقط منهم الالفاظ على الرجل، وتقذف الاتهامات عليه، وتتجاذبه الأيدي فتكاد تخلع بدلته من على أكتافه!! والكل فى صوت واحد يردد عبارة واحدة أمليت عليهم "آخرك الساعة 9" أي يجب أن تغادر المنصب بحد أقصى الساعة التاسعة. وفي ترتيب لا تخطئه عين، ألح المستشار عادل السعيد على النائب العام بضرورة كتابة استقالته فوراً انقاذاً للموقف، وقتها أدرك النائب كل شيء ، أدرك من هم الواقفون، ومن هو زعيمهم، ولماذا كان اقتراح الانتقال من غرفته الآمنة الى تلك الغرفة المعزولة؟ فقرر مسايرتهم ، ليس انقاذاً لموقفه، ولكن انقاذاً لمصر، فنظر إلى ورقة بيضاء أمامه، ليجد يد المستشار عادل السعيد ممتدة اليه بقلمه الخاص ليكتب الاستقالة، فكتبها، فاختطفها السعيد وخرج بها لوكلاء النيابة معلناً النصر المبين..! فرح الوقفون وزعيمهم بهذا النصر الكبير، لكنه نصر زائف، لأن ذكاء النائب العام كان أكبر، وإدراكه كان أعمق، فقد استطاع ان يفوت عليهم فرصة إفساد الاستفتاء وإشعال البلاد، وتحمل فى سبيل ذلك الكثير، فنجت البلاد، وتم الاستفتاء بحمد الله، وأعلنت نتائجه مؤخرا .. هنيئاً لشعب مصر .. ولكل الشرفاء المحترمين.. بهذا الدستور العظيم.